[النساء : 96] دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
(درجات منه) منازل بعضها فوق بعض من الكرامة (ومغفرة ورحمة) منصوبان بفعلهما المقدر (وكان الله غفورا) لأوليائه (رحيما) بأهل طاعته ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه : "درجات منه"، فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة.
واختلف أهل التأويل في معنى الدرجات التي قال جل ثناؤه: "درجات منه".
فقال بعضهم بما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "درجات منه ومغفرة ورحمة"، كان يقال : الإسلام درجة ، والهجرة في الإسلام درجة ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة.
وقال آخرون بما:
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سألت ابن زيد عن قول الله تعالى : "وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه "، الدرجات هي السبع التي ذكرها في سورة براءة: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب" فقرأ حتى بلغ : "أحسن ما كانوا يعملون" [التوبة: 120،121]. قال : هذه السبع الدرجات . قال : وكان أول شيء ، فكانت درجة الجهاد مجملة، فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه ، فلما جاءت هذه الدرجات بالتفصيل أخرج منها، فلم يكن له منها إلا النفقة، فقرأ: "لا يصيبهم ظمأ ولا نصب" [التوبة: 120]، وقال : ليس هذا لصاحب النفقة. ثم قرأ: "ولا ينفقون نفقة" [التوبة: 120]، قال : وهذه نفقة القاعد.
وقال آخرون : عني بذلك درجات الجنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي بن الحسن الأزدي قال ، حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن جبلة بن سحيم ، عن ابن محيريز في قوله : "فضل الله المجاهدين على القاعدين"، إلى قوله : "درجات"، قال : الدرجات سبعون درجة، ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات بتأويل قوله: "درجات منه"، أن يكون معنياً به درجات الجنة، كما قال ابن محيريز. لأن قوله تعالى ذكره : "درجات منه": ترجمة وبيان عن قوله : "أجرا عظيما"، ومعلوم أن الأجر ، إنما هو الثواب والجزاء.
وإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الدرجات و المغفرة و الرحمة ترجمة عنه ، كان معلوماً أن لا وجه لقول من وجه معنى قوله : "درجات منه"، إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد، كما قال قتادة وابن زيد.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا، فبين أن معنى الكلام: وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر، أجراً عظيماً، وثواباً جزيلاً، وهو درجات أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله.
"ومغفرة" يقول : وصفح لهم عن ذنوبهم ، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها، "ورحمة"، يقول : ورأفة بهم ، "وكان الله غفورا رحيما"، يقول : ولم يزل الله غفوراً لذنوب عباده المؤمنين ، يصفح لهم عن العقوبة عليها، "رحيما" بهم ، يتفضل عليهم بنعمه ، مع خلافهم أمره ونهيه ، وركوبهم معاصيه.
قوله تعالى : " درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما " .
قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر, حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء, قال لما نزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فكتبها, فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته, فأنزل الله "غير أولي الضرر", حدثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء, قال: لما نزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" قال النبي صلى الله عليه وسلم ادع فلاناً, فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف, فقال اكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل " وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم, فقال يا رسول الله, أنا ضرير, فنزلت مكانها "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" قال البخاري أيضاً: حدثنا إسماعيل بن عبد الله, حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان, عن ابن شهاب, حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد, قال: فأقبلت حتى جلست إلى جنبه, فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى علي " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله " فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي, قال: يا رسول الله, والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت, وكان أعمى, فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم, وكان فخذه على فخذي فثقلت علي خفت أن ترض فخدي, ثم سري عنه, فأنزل الله "غير أولي الضرر" تفرد به البخاري دون مسلم, وقد روي من وجه آخر عند الإمام أحمد عن زيد فقال: حدثنا سليمان بن داود, أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن خارجة بن زيد, قال: قال زيد بن ثابت: إني قاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحي إليه وغشيته السكينة, قال: فرفع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة, قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئاً قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه, فقال: اكتب يا زيد, فأخذت كتفاً, فقال: اكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون " إلى قوله: "أجراً عظيما" فكتبت ذلك في كتف, فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلاً أعمى, فقام حين سمع فضيلة المجاهدين, وقال: يا رسول الله, وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ومن هو أعمى وأشباه ذلك ؟ قال زيد: فوالله ما قضى كلامه ـ أو ماهو إلا أن قضى كلامه ـ غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة, فوقعت فخذه على فخذي, فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى, ثم سري عنه, فقال: اقرأ فقرأت عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون " فقال النبي صلى الله عليه وسلم "غير أولي الضرر", قال زيد: فألحقتها, فوالله كأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف, ورواه أبو داود عن سعيد بن منصور, عن عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن أبيه, عن خارجة بن زيد بن ثابت, عن أبيه, به نحوه.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر, أنبأنا الزهري, عن قبيصة بن ذؤيب, عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله " فجاء عبد الله بن أم مكتوم, فقال: يا رسول الله, إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى, قد ذهب بصري, قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه, ثم قال: اكتب "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" ", ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج, أخبرني عبد الكريم هو ابن مالك الجزري, أن مقسماً مولى عبد الله بن الحارث أخبره أن ابن عباس أخبره "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" عن بدر والخارجون إلى بدر, انفرد به البخاري دون مسلم, وقد رواه الترمذي من طريق حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الكريم, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" عن بدر والخارجون إلى بدر, ولما نزلت غزوة بدر, قال عبد الله بن حجش وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله, فهل لنا رخصة ؟ فنزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر, " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه " على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر, هذا لفظ الترمذي. ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, فقوله: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" كان مطلقاً, فلما نزل بوحي سريع "غير أولي الضرر", صار ذلك مخرجاً لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى والعرج والمرض, عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين, قال ابن عباس: "غير أولي الضرر", وكذا ينبغي أن يكون, كما ثبت في صحيح البخاري من طريق زهير بن معاوية, عن حميد, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه, قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله ؟ قال: نعم حبسهم العذر" , وهكذا رواه أحمد عن محمد بن أبي عدي, عن حميد, عن أنس به, وعلقه البخاري مجزوماً, ورواه أبو داود عن حماد بن سلمة عن حميد, عن موسى بن أنس بن مالك, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه", قالوا: وكيف يكونون معنا فيه يا رسول الله ؟ قال: "نعم حبسهم العذر" لفظ أبي داود, وفي هذا المعنى قال الشاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا علـــى عذر وعـــن قدر ومـــن أقـــــام على عذر فقد راحا
وقوله: "وكلاً وعد الله الحسنى" أي الجنة والجزاء الجزيل. وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين, بل هو فرض على الكفاية. قال تعالى: "وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً" ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات, في غرف الجنان العاليات, ومغفرة الذنوب والزلات, وحلول الرحمة والبركات, إحساناً منه وتكريماً, ولهذا قال: "درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً".
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله, ما بين كل درجتين كما بين السماء الأرض". وقال الأعمش عن عمرو بن مرة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رمى بسهم فله أجره درجة" فقال رجل: يا رسول الله, وما الدرجة ؟ فقال: "أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام" .
96- " درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما " وأما انتصاب درجات ومغفرة ورحمة: فهي بدل من أجراً، وقيل إن مغفرة ورحمة ناصبهما أفعال مقدرة: أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة.
وقد أخرج البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى؟، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي "غير أولي الضرر". وقد أخرج هذا المعنى عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث البراء. وأخرجه أيضاً سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه من حديث خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه. وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" عن بدر والخارجون إلى بدر. وأخرجه عنه أيضاً عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر. وأخرج عبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال: نزلت في قوم كانت تشغلهم أمراض وأوجاع، فأنزل الله عذرهم من السماء. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم، ولقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة" قال: على أهل الضرر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله "وكلاً وعد الله الحسنى" قال: الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: كان يقال الإسلام درجة، والهجرة درجة في الإسلام، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن محيريز في قوله "درجات" قال: الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة. وأخرج نحوه عبد الرزاق في المصنف عن أبي مجلز. وأخرج البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلا الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة".
96-"درجات منه ومغفرةً ورحمةً وكان الله غفوراً رحيماً"، قال ابن محيريز في هذه الآية: هي سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفاً.
وقيل: الدرجات هي الإسلام والجهاد والهجرة والشهادةفاز بها المجاهدون ، أخبرنا أبو الحسن على بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي أنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب حدثني أبوهانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا أبا سعيد من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وجبت له الجنةقال فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول اله ، ففعل، قال: وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله ؟ فقال:الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه أنا أبي أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن صالح المطرز أنا محمد بن يحيى أنا شريح بن النعمان أنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيهاقالوا: أفلا ننذر الناس بذلك؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل من الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة".
واعلم أن الجهاد في الجملة فرض ، غير أنه ينقسم إلى فرض العين وفرض الكفاية:
ففرض العين: أن يدخل الكفار دار قوم من المؤمنين ، فيجب على كل مكلف من الرجال، ممن لا عذر له من أهل تلك البلدة الخروج إلى عدوهم ، حراً كان أو عبداً ، غنياً كان أو فقيراً، دفعاً عن أنفسهم وعن جيرانهم .
وهو في حق من بعد منهم من المسلمين فرض على الكفاية ، فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بعد منهم من المسلمين عونهم ، وإن وقعت الكفاية بالنازلين فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختيار، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء، ومن هذا القبيل أن يكون الكفار قارين في بلادهم ، فعلى الإمام أن لا يخلي سنة عن غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلاً ، والاختيار للمطيق الجهاد مع وقوع الكفاية بغيره: أن لا يقعد عن الجهاد ، ولكن لا يفترض ، لأن الله تعالى وعد المجاهد والقاعد الثواب في هذه الآية فقال:"وكلاً وعد الله الحسنى"، ولو كان فرضاً على الكافة لا ستحق القاعد العقاب لا الثواب.
96" درجات منه ومغفرة ورحمة " كل واحد منها بدل من أجراً، ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطاً، وأجراً على الحال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة، ومغفرة ورحمة على المصدر بإضمار فعليهما كرر تفضيل المجاهدين، وبالغ فيه إجمالاً وتفصيلاً تعظيماً للجهاد وترغيباً فيه. وقيل: الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر، والثاني ما جعل لهم في الآخرة. وقيل المراد بالدرجة الأولى ارتفاع منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى، وبالدرجات منازلهم في الجنة. وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم. وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله عليه الصلاة والسلام "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". " وكان الله غفورا " لما عسى أن يفرط منهم. " رحيما " بما وعد لهم.
96. Degrees of rank from Him, and forgiveness and mercy. Allah is ever Forgiving, Merciful.
96 - Ranks specially bestowed by him and forgiveness and mercy. for God is oft forgiving, most merciful.