[النساء : 56] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم) تدخلهم (نارا) يحترقون فيها (كلما نضجت) فيها احترقت (جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) بأن تعاد إلى حالها الأول غير محترقة (ليذوقوا العذاب) ليقاسوا شدته (إن الله كان عزيزا) لا يعجزه شيء (حكيما) في خلقه
قال أبو جعفر: هذا وعيد من الله جل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار، وبرسوله. يقول الله لهم: إن الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم، من آياتي -يعني: من آيات تنزيله، ووحي كتابه، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم- فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به، "سوف نصليهم نارا"، يقول: سوف ننضجهم في نار يصلون فيها -أي يشوون فيها-، "كلما نضجت جلودهم"، يقول: كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت، "بدلناهم جلوداً غيرها"، يعني: غير الجلود التي قد نضجت فانشوت، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ثوير، عن ابن عمر: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"، قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلوداً بيضاً أمثال القراطيس.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"، يقول: كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "كلما نضجت جلودهم"، قال: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول: جلد أحدهم أربعون ذراعاً، وسنه سبعون ذراعاً، وبطنه لو وضع فيه جبل وسعه. فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قال: بلغني عن الحسن "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"، قال: ننضجهم في اليوم سبعين ألف مرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن هشام بن حسان، عن الحسن قوله: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"، قال: تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد. قال: وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعاً، والله أعلم بأي ذراع.
قال أبو جعفر: فإن سأل سائل فقال: وما معنى قوله جل ثناؤه: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"؟ وهل يجوز أن يبدلوا جلوداً غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا، فيعذبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك، فأجز أن يبدلوا أجساماً وأرواحاً غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذب وإن أجزت ذلك، لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار، غير الذين أوعدهم الله العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إياه، وأن يكون الكفار قد ارتفع عنهم العذاب!!.
قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك.
فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم، وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب. وأما الجلد واللحم، فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلده الذي كان له في الدنيا أو جلد غيره، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذبه، وإنما الآلمة المعذبة: النفس التي تحس الألم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذ كان ذلك كذلك، فغير مستحيل أن يخلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألم.
وقال آخرون: بل الجلود تألم واللحم وسائر أجزاء جرم بني آدم. وإذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها": بدلناهم جلوداً غير محترقة. وذلك أنها تعاد جديدة، والأولى كانت قد احترقت، فأعيدت غير محترقة، فلذلك قيل: غيرها، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا، التي عصوا الله وهي لهم. قالوا: وذلك نظير قول العرب للصائغ إذا استصاغته خاتماً من خاتم مصوغ، بتحويله عن صياغته التي هو بها، إلى صياغة أخرى: صغ لي من هذا الخاتم خاتماً غيره، فيكسره ويصوغ له منه خاتماً غيره، والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتماً قيل: هو غيره. قالوا: فكذلك معنى قوله: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"، لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الإحراق، قيل: هي غيرها، على ذلك المعنى.
وقال آخرون: معنى قوله: "كلما نضجت جلودهم"، سرابيلهم، بدلناهم سرابيل من قطران غيرها. فجعلت السرابيل [من] القطران لهم جلوداً، كما يقال للشيء الخاص بالإنسان: هو جلدة ما بين عينيه ووجهه، لخصوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه: "سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار" [إبراهيم: 55]، لما صارت لهم لباساً لا تفارق أجسامهم، جعلت لهم جلوداً، فقيل: كلما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق، بدلوا سرابيل من قطران آخر.
قالوا: وأما جلود أهل الكفر من أهل النار، فإنها لا تحترق، لأن في احتراقها- إلى حال إعادتها- فناءها، وفي فنائها راحتها. قالوا: وقد أخبر الله تعالى ذكره عنها: أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم من عذابها. قالوا: وجلود الكفار أحد أجسامهم، ولو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى ثم يعاد بعد الفناء في النار، جاز ذلك في جميع أجزائها. وإذا جاز ذلك، وجب أن يكون جائزاً عليهم الفناء، ثم الإعادة والموت، ثم الإحياء، وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون. قالوا: وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون، دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم، والجلود أحد تلك الأجزاء.
وأما معنى قوله: "ليذوقوا العذاب"، فإنه يقول: فعلنا ذلك بهم، ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته، بما كانوا في الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها.
قال أبو جعفر: يقول: إن الله لم يزل، "عزيز" في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه، لا يقدر على الامتناع منه أحد أراده بضر، ولا الانتصار منه أحد أحل به عقوبة، "حكيما" في تدبيره وقضائه.
قد تقدم معنى الإصلاء أول السورة وقرأ حميد بن قيس نصليهم بفتح النون أي نشويهم يقال: شاة مصلية ونصب ناراً على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار "كلما نضجت جلودهم" يقال: نضج الشيء نضجاً ونضجاً، وفلان نضيج الرأي محكمه. والمعنى في الآية تبدل الجلود جلوداً أخر فإن قال من يطعن في القرآن من الزنادقة كيف جاز أن يعذب جلداً لم يعصه قيل له : ليس الجلد بمعذب ولا معاقب وإنما الألم واقع على النفوس لأنه هي التي تحس وتعرف فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس يدل عليه قوله تعالى :" ليذوقوا العذاب" وقوله تعالى :" كلما خبت زدناهم سعيرا" [الإسراء:97] فالمقصود تعذيب الأبدان وإيلام الأرواح ولو أراد الجلود لقال: ليذقن العذاب. مقاتل: تأكله النار كل يوم سبع مرات الحسن : سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فعادوا كما كانوا ابن عمر : إذا احترقوا بدلت لهم جلود بيض كالقراطيس وقيل: عنى بالجلود السرابيل، كما قال تعالى :" وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد* سرابيلهم من قطران " [إبراهيم : 49-50] سميت جلوداً للزومها جلودهم على المجاورة كما يقال للشيء الخاص بالإنسان هو جلده ما بين عينيه وأنشد ابن عمر رضي الله عنه:
يلومومنني في سالم وألومهم وجلده بين العين والأنف سالم
فكلما احترقت السرابيل أعيدت قال الشاعر:
كسا اللؤم خضرة في جلودها فويل لتيم من سرابيلها الخضر
فكنى عن الجلود بالسرابيل. وقيل: المعنى أعدنا الجلد الأول جديداً كما تقول للصائغ : صغ لي من هذا الخاتم خاتماً غيره، فيكسره ويصوغ لك منه خاتماً فالخاتم المصوغ هو الأول إلا أن الصياغة تغيرت والفضة واحدة وهذا كالنفس إذا صارت تراباً وصارت لا شيء ثم أحياها الله تعالى : وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيماً مدنفاً فتقول له كيف أنت ؟ فيقول: أنا غير الذي عهدت فهو هو ولكن حالة تغيرت فقول القائل: أنا غير الذي عهدت وقوله تعالى : غيرها مجاز ونظيره قوله تعالى :"يوم تبدل الأرض غير الأرض " [إبراهيم :48] وهي تلك الأرض بعينها إلا أنها تغيرت آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها ويزاد في سعتها ويسوى ذلك منها على ما يأتي بيانه في سورة إبراهيم عليه السلام: ومن هذا المعنى قول الشاعر:
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
وقال الشعبي: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: ألا ترى ما صنعت عائشة ذمت دهرها وأنشدت بيتي لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتلذذون مجانة ومذلة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
فقالت: رحم الله لبيداً فكيف لو أدرك زماننا هذا فقال ابن عباس: لئن ذمت عائشة دهرها لقد ذمت عاد دهرها لأنه وجد في خزانة عاد بعد ما هلكوا بزمن طويل سهم كأطول ما يكون ما يكون من رماح ذلك الزمن عليه مكتوب:
بلاد بها كنا نحن بأهلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد
البلاد باقية كما هي إلا أن أحوالها وأحوال أهلها تنكرت وتغيرت ."إن الله كان عزيزا" أي لا يعجزه شيء ولا يفوته "حكيما" في إيعاده عباده.
يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله, فقال "إن الذين كفروا بآياتنا" الاية, أي ندخلهم ناراً دخولاً يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم, ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم, فقال "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" قال الأعمش عن ابن عمر: إذا احترقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها بيضاء أمثال القراطيس, رواه ابن أبي حاتم, وقال يحيى بن يزيد الحضرمي أنه بلغه في الاية, قال: يجعل للكافر مائة جلد, بين كل جلدين لون من العذاب, ورواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا حسين الجعفي عن زائدة, عن هشام, عن الحسن قوله: "كلما نضجت جلودهم" الاية, قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن "كلما نضجت جلودهم" كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم عودوا فعادوا. وقال أيضاً: ذكر عن هشام بن عمار, حدثنا سعيد بن يحيى ـ يعني سعدان ـ حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري, عن نافع, عن ابن عمر, قال: قرأ رجل عند عمر هذه الاية "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها" فقال عمر: أعدها علي, فأعادها, فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد رواه ابن مردويه عن محمد بن أحمد بن إبراهيم, عن عبدان بن محمد المروزي, عن هشام بن عمار به. ورواه من وجه آخر بلفظ آخر, فقال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عمران, حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث, حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا نافع أبو هرمز, حدثنا نافع عن ابن عمر, قال: تلا رجل عند عمر هذه الاية: "كلما نضجت جلودهم" الاية, قال: فقال عمر: أعدها علي, وثم كعب, فقال أنا عندي تفسير هذه الاية قرأتها قبل الإسلام قال: فقال هاتها يا كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك, وإلا لم ننظر إليها, فقال: إني قرأتها قبل الإسلام: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع بن أنس: مكتوب في الكتاب الأول: أن جلد أحدهم أربعون ذراعاً, وسنه تسعون ذراعاً, وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه, فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها. وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا, قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات, عن مجاهد, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام, وإن غلظ جلده سبعون ذرعاً, وإن ضرسه مثل أحد" تفرد به أحمد من هذا الوجه وقيل المراد بقوله: "كلما نضجت جلودهم" أي سرابيلهم, حكاه ابن جرير, وهو ضعيف لأنه خلاف الظاهر. وقوله: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً" هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها, ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولاً. وقوله: "لهم فيها أزواج مطهرة" أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة, والصفات الناقصة, كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم, ولا حيض ولا كلف. وقوله "وندخلهم ظلاً ظليلاً" أي ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً أنيقاً. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, وحدثنا ابن المثنى, حدثنا ابن جعفر, قالا: حدثنا شعبة, قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: شجرة الخلد".
قوله 56- "بآياتنا" الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض، و"سوف" كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه. وينوب عنها السين. وقد تقدم معنى نصلي في أول السورة. والمراد: سوف ندخلهم ناراً عظيمة. وقرأ حميد بن قيس "نصليهم" بفتح النون. قوله "كلما نضجت جلودهم" يقال: نضج الشيء نضجاً ونضاجاً، ونضج اللحم وفلان نضج الرأي: أي محكمه. والمعنى: أنها كلما احترقت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها: أي أعطاهم مكان كل جلد محترق جلداً آخر غير محترق، فإن ذلك أبلغ في العذاب للشخص، لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق، وقيل المراد بالجلود: السرابيل التي ذكرها في قوله "سرابيلهم من قطران" ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا، وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازاً كما في قول الشاعر:
كسا اللوم تيما خضرة في جلودها فويل لتيم من سرابيلها الخضر
وقيل المعنى: أعدنا الجلد الأول جديداً، ويأبى ذلك معنى التبديل. قوله "ليذوقوا العذاب" أي: ليحصل لهم الذوق الكامل بذلك التبديل، وقيل معناه: ليدوم لهم العذاب ولا ينقطع، ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين.
56-قوله تعالى:"إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً"، ندخلهم ناراً،"كلما نضجت" ، احترقت ،"جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها"، غير الجلود المحترقة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يبدلون جلوداً بيضاء كأمثال القراطيس.
وروي أن هذه الآية قرئت عند عمر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه للقارئ : أعدها فأعادها ، وكان عنده معاذ بن جبل ، فقال معاذ: عندي تفسيرها: تبدل في ساعة مرة، فقال عمر رضي الله عنه: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا.
أخبرنا عبد الواحد أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معاذ بن أسيد أنا الفضل بن موسى أنا الفضيل عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا شريح بن يونس أنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون بن سعد عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام".
فإن قيل: كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعصه؟
قيل يعاد الجلد الأول في كل مرة.
وإنما قال: "جلوداً غيرها" لتبدل صفتها، كما تقول: صنعت من خاتمي خاتماً غيره، فالخاتم الثاني هوي الأول إلا أن الصناعة والصفة تبدلت، وكم يترك أخاه صحيحاً ثم بعد مرة يراه مريضاً دنفاً فيقول:
أنا غير الذي عهدت ، وهو عين الأول ،إلا صفته تغيرت.
وقال السدي: يبدل الجلد جلداً غيره من لحم الكافر ثم يعيد الجلد لحماً ثم يخرج من اللحم جلداً آخر وقيل: يعذب الشخص في الجلد لا الجلد ، بدليل أنه قال:"ليذوقوا العذاب" ولم يقل: لتذوق وقال عبد العزيز بن يحيى: إن الله عز وجل يلبس أهل النار جلوداً لا تألم ، فيكون زيادة عذاب عليهم، كلما احترق جلد بدلهم جلداً غيره، كما قال:" سرابيلهم من قطران" (إبراهيم-50) فالسرابيل تؤلمهم وهي لا تألم . قوله تعالى: "ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً".
56"إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً" كالبيان والتقرير لذلك. "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها" بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى كقولك: بدلت الخاتم قرطاً، أو بأن يزال عنه أثر الإحراق ليعود إحساسه للعذاب كما قال: "ليذوقوا العذاب" أي ليدوم لهم ذوقه. وقيل يخلق مكانه لهم جلد آخر والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية المدركة لا لآلة إدراكها فلا محذور. "إن الله كان عزيزاً" لا يمتنع عليه ما يريده. "حكيماً" يعاقب على وفق حكمته.
56. Lo! Those who disbelieve Our revelations, We shall expose them to the Fire. As often as their skins are consumed We shall exchange them for fresh skins that they may taste the torment. Lo! Allah is ever Mighty, Wise.
56 - Those who reject our signs, we shall soon cast into the fire: as often as their skins are roasted through, we shall change them for fresh skins, that they may taste the penalty: for God is exalted in power, wise.