[النساء : 27] وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظ ِيمًا
(والله يريد أن يتوب عليكم) كرره ليبني عليه (ويريد الذين يتبعون الشهوات) اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة (أن تميلوا ميلا عظيما) تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: والله يريد أن يراجع بكم طاعته والإنابة إليه، ليعفو لكم عما سلف من آثامكم، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم، من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم وغير ذلك مما كنتم تستحلونه وتأتونه، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله، "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، يقول: ويريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها، "أن تميلوا" عن أمر الله تبارك وتعالى، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرم عليكم وركوبكم معاصيه، "ميلا عظيما"، جوراً وعدولاً عنه شديداً.
واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنهم "يتبعون الشهوات".
فقال بعضهم: هم الزناة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، قال: الزنا، "أن تميلوا ميلا عظيما"، قال: يريدون أن تزنوا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما"، أن تكونوا مثلهم، تزنون كما يزنون.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، قال: الزنا، "أن تميلوا ميلا عظيما"، قال: يزني أهل الإسلام كما يزنون. قال: هي كهيئة: "ودوا لو تدهن فيدهنون" [القلم: 9].
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، قال: الزنا، "أن تميلوا"، قال: أن تزنوا.
وقال آخرون، بل هم اليهود والنصارى.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، قال: هم اليهود والنصارى، "أن تميلوا ميلا عظيما".
وقال آخرون: بل هم اليهود خاصة، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب، وذلك أنهم يحلون نكاحهن، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين: ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب، أن تميلوا عن الحق فتستحلوهن كما استحلوا.
وقال آخرون: معنى ذلك: كل متبع شهوةً في دينه لغير الذي أبيح له.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: "ويريد الذين يتبعون الشهوات" الآية، قال: يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم، أن تميلوا في دينكم ميلاً عظيماً، تتبعون أمر دينهم، وتتركون أمر الله وأمر دينكم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء، وغير ذلك مما حرمه الله، "أن تميلوا" عن الحق، وعما أذن الله لكم فيه، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله، وترك طاعته، "ميلا عظيما".
وإنما قلنا، ذلك أولى بالصواب، لأن الله عز وجل عم بقوله: "ويريد الذين يتبعون الشهوات"، فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة، وعمهم بوصفهم بذلك، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة. فإذ كان ذلك كذلك، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس. وإذ كان ذلك كذلك كان داخلاً في "الذين يتبعون الشهوات" اليهود، والنصارى، والزناة، وكل متبع باطلاً. لأن كل متبع ما نهاه الله عنه، فمتبع شهوة نفسه. فإذ كان ذلك بتأويل الآية أولى، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك.
قوله تعلى :" والله يريد أن يتوب عليكم " ابتداء وخبر وأن في موضع نصب ب يريد وكذلك " يريد الله أن يخفف "أن يخفف في موضع نصب ب" يريد " والمعنى : يريد توبتكم أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم ويريد التخفيف عنكم قيل: هذا في جميع أحكام الشرع وهو الصحيح وقيل: المراد بالتخفيف نكاح الأمة أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء قاله مجاهد وابن زيد وطاوس قال طاوس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء واختلف في تعيين المتبعين للشهوات فقال مجاهد: هم الزناة السدي: هم اليهود والنصارى وقال فرقة : هم اليهود خاصة لأنهم أردوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب وقال ابن زيد : ذلك على العموم وهو الأصح والميل: العدول عن طريق الاستواء فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تحلقه معرة .
يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها, "ويهديكم سنن الذين من قبلكم" يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها, "ويتوب عليكم" أي من الإثم والمحارم, "والله عليم حكيم" أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله. وقوله: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً "يريد الله أن يخفف عنكم" أي في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم, ولهذا أباح الإماء بشروط, كما قال مجاهد وغيره "وخلق الإنسان ضعيفاً" فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا وكيع عن سفيان, عن ابن طاوس, عن أبيه "وخلق الإنسان ضعيفاً" أي في أمر النساء. وقال وكيع: يذهب عقله عندهن. وقال موسى الكليم عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ليلة الإسراء حين مر عليه راجعاً من عند سدرة المنتهى, فقال له: ماذا فرض عليكم, فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة, فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف, فإن أمتك لا تطيق ذلك, فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا, وإن أمتك أضعف أسماعاً وأبصاراً وقلوباً, فرجع, فوضع عشراً. ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمساً, الحديث.
27- "والله يريد أن يتوب عليكم" هذا تأكيد لما قد فهم من قوله "ويتوب عليكم" المتقدم، وقيل: الأول معناه للإرشاد إلى الطاعات: والثاني فعل أسبابها، وقيل: إن الثاني لبيان كمال منفعة إرادته سبحانه وكمال ضرر ما يريده الذين يتبعون الشهوات، وليس المراد به مجرد إرادة التوبة حتى يكون من باب التكرير للتأكيد، قيل: هذه الإرادة منه سبحانه في جميع أحكام الشرع، وقيل: في نكاح الأمة فقط.
واختلف في تعيين المتبعين للشهوات، فقيل: هم الزناة، وقيل: اليهود والنصارى، وقيل: اليهود خاصة، وقيل: هم المجوس لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. والأول أولى. والميل: العدول عن طريق الاستواء. والمراد بالشهوات هنا ما حرمه الشرع ودون ما أحله، ووصف الميل بالعظم بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة نادراً.
27-"والله يريد أن يتوب عليكم" ،إن وقع منكم تقصير في أمر دينه" ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا"، عن الحق،"ميلاً عظيماً" بإتيانكم ما حرم عليكم، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قالالسدي : هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم : هم المجوس لأنهم يحلون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت ، وقالمجاهد : هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون، وقيل: هم جميع أهل الباطل.
27" والله يريد أن يتوب عليكم " كرره للتأكيد والمبالغة. " ويريد الذين يتبعون الشهوات " يعني الفجرة فإن اتباع الشهوات الائتمار لها، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له في الحقيقة لا لها. وقيل: المجوس. وقيل: اليهود فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت. " أن تميلوا " عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات. " ميلا عظيما " بالإضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل له.
27. And Allah would turn to you in mercy; but those who follow vain desires would have you go tremendously astray.
27 - God doth wish to turn to you, but the wish of those who follow their lusts is that ye should turn away (from him), far, far away.