[النساء : 175] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
(فأما الذين آمنوا) بالقرآن (بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا) طريقا (مستقيما) هو دين الإسلام
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : فأما الذين صدقوا الله وأقروا بوحدانيته ، وما بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم من أهل الملل ، "واعتصموا به"، يقول : وتمسكوا بالنور المبين الذي أنزله إلى نبيه ، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "واعتصموا به"، قال : بالقرآن.
"فسيدخلهم في رحمة منه وفضل"، يقول : فسوف تنالهم رحمته التي تنجيهم من عقابه ، وتوجب لهم ثوابه ورحمته وجنته ، ويلحقهم من فضله ما لحق أهل الإيمان به والتصديق برسله ، "ويهديهم إليه صراطا مستقيما"، يقول : ويوفقهم لإصابة فضله الذي تفضل به على أوليائه ، ويسددهم لسلوك من أنعم عليه من أهل طاعته ، ولاقتفاء آثارهم واتباع دينهم ، وذلك هو الصراط المستقيم ، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وهو الإسلام .
ونصب الصراط المستقيم على القطع من الهاء التي في قوله : "إليه".
قوله تعالى :" فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به " أي بالقرآن عن معاصيه وإذا اعتصموا بكتابه فقد اعتصموا به وبنبيه، وقيل: اعتصموا به أي بالله والعصمة الامتناع وقد تقدم "ويهديهم " أي وهو يهديهم فأضمر هو ليلد على أن الكلام مقطوع مما قبله " إليه" أي إلي ثوابه. وقيل: إلى الحق ليعرفوه " صراطا مستقيما " أي دينا مستقيما وصراطاً منصوب بإضمار فعل دل عليه ويهديهم التقدير ويعرفهم صراطاً مستقيما وقيل: هو مفعول ثان على تقدير ويهديهم إلى ثوابه صراطاً مستقيماً وقيل: هو حال والهاء في إليه قيل: هي للقرآن وقيل : للفضل وقيل: للفضل والرحمة، لأنهما بمعنى الثواب وقيل: هي لله عز وجل على حذف المضاف كما تقدم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه أبو علي : الهاء راجعة إلى ما تقدم من اسم الله عز وجل والمعنى ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا صراطاً مستقيماً نصباً على الحال كانت الحال من هذا المحذوف وفي قوله : وفضل دليل على أنه تعالى يتفضل على عباده بثوابه إذ لو كان في مقابلة العمل لما كان مفضلاً والله أعلم .
يقول تعالى مخاطباً جميع الناس ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم, وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبهة, ولهذا قال: "وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً" أي ضياء واضحاً على الحق, قال ابن جريج وغيره: وهو القرآن "فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به" أي جمعوا بين مقامي العبادة, والتوكل على الله في جميع أمورهم, وقال ابن جريج: آمنوا بالله واعتصموا بالقرأن. رواه ابن جرير "فسيدخلهم في رحمة منه وفضل" أي يرحمهم فيدخلهم الجنة, ويزيدهم ثواباً ومضاعفة ورفعاً في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم, "ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً" أي طريقاً واضحاً قصداً قواماً لااعوجاج فيه ولا انحراف وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والاخرة, فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات, وفي الاخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات. وفي حديث الحارث الأعور, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القرآن صراط الله المستقيم, وحبل الله المتين" وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير, ولله الحمد والمنة.
175- "فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به" أي: بالله، وقيل: بالنور المذكور "فسيدخلهم في رحمة منه" يرحمهم بها "وفضل" يتفضل به عليهم "ويهديهم إليه" أي: إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه وتفضله "صراطاً مستقيماً" أي: طريقاً يسلكونه إليه مستعيماً لا عوج فيه، وهو التمسك بدين الإسلام وترك غيره من الأديان، قال أبو علي الفارسي: الهاء في قوله "إليه" راجعة إلى ما تقدم من اسم الله، وقيل: راجعة إلى القرآن، وقيل: إلى الفضل، وقيل: إلى الرحمة والفضل لأنهما بمعنى الثواب. وانتصاب صراطاً على أنه مفعول ثان للفعل المذكور، وقيل: على الحال.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "لن يستنكف المسيح" لن يستكبر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" قال: أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا. وقد ساقه ابن كثير في تفسيره فقال: وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود فذكره وقال: هذا إسناد لا يثبت، وإذا روي عن ابن مسعود موقوفاً فهو جيد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة "قد جاءكم برهان" أي: بينة "وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً" قال: هذا القرآن. وأخرجا أيضاً عن مجاهد قال: برهان حجة. وأخرجا أيضاً عن ابن جريج في قوله "واعتصموا به" قال: القرآن.
175-"فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به" ، امتنعوا به من زيغ الشيطان،"فسيدخلهم في رحمة منه وفضل"يعني الجنة،"ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً".
قوله تعالى:"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" "نزلت في جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصب علي من وضوئه ، فعقلت فقلت : يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني الكلالة؟ فنزلت"يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"" وقد ذكرنا معنى الكلالة وحكم الآية في أول السورة.
وفي هذه الآية بيان حكم ميراث الأخوة للأب والأم أو الأب.
175" فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه " في ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لا قضاء لحق واجب " وفضل " إحسان زائد عليه " ويهديهم إليه " إلى الله سب. وقيل إلى الموعود. " صراطا مستقيما " هو الإسلام والطاعة في الدنيا، وطريق الجنة في الآخرة.
175. O mankind! Now hath a proof from your Lord come unto you, and We have sent down unto you a clear light;
175 - Then those who believe in God, and hold fast to him, soon will he admit them to mercy and grace from himself, and guide them to himself by a straight way.