[النساء : 167] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا
(إن الذين كفروا) بالله (وصدوا) الناس (عن سبيل الله) دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود (قد ضلوا ضلالا بعيدا) عن الحق
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا، يا محمد، نبوتك بعد علمهم بها، من أهل الكتاب الذين اقتصصت عليك قصتهم ، وأنكروا أن يكون الله جل ثناؤه أوحى إليك كتابه ، "وصدوا عن سبيل الله"، يعني : عن الدين الذي بعثك الله به إلى خلقه ، وهو الإسلام . وكان صدهم عنه ، قيلهم للناس الذين يسألونهم عن محمد من أهل الشرك : ما نجد صفة محمد في كتابنا!، وادعاؤهم أنهم عهد إليهم أن النبوة لا تكون إلا في ولد هارون ومن ذرية داود، وما أشبه ذلك من الأمور التي كانوا يثبطون الناس بها عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق به وبما جاء به من عند الله.
وقوله : "قد ضلوا ضلالا بعيدا"، يعني : قد جاروا عن قصد الطريق جوراً شديداً، وزالوا عن المحجة.
وإنما يعني جل ثناؤه بجورهم عن المحجة وضلالهم عنها، إخطاءهم دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وابتعث به رسله، يقول : من جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصد عما بعث به من الملة من قبل منه ، فقد ضل فذهب عن الدين الذي هو دين الله الذي ابتعث به أنبياءه ، ضلالاً بعيداً.
قوله تعالى : " إن الذين كفروا " يعني اليهود أي ظلموا" وصدوا عن سبيل الله " أي عن اتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم: ما نجد صفته في كتابنا ، وإنما النبوة في ولد هارون وداود، وإن في التوراة أن شرع موسى لا ينسخ " قد ضلوا ضلالا بعيدا" لأنهم كفروا ومع ذلك منعوا الناس من الإسلام
لما تضمن قوله تعالى: " إنا أوحينا إليك " إلى آخر السياق, إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب, قال الله تعالى: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك" أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك, فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد", ولهذا قال: "أنزله بعلمه" أي في علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان, وما يحبه الله ويرضاه, وما يكرهه ويأباه, وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل, وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لايعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به, كما قال تعالى: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " وقال: "ولا يحيطون به علماً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا الحسن بن سهل الجعفري وخزز بن المبارك, قالا: حدثنا عمران بن عيينة, حدثنا عطاء بن السائب, قال: أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن, وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذت علم الله, فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل, ثم يقرأ قوله: "أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً", قوله: "والملائكة يشهدون" أي بصدق ما جاءك وأوحى اليك وأنزل عليك مع شهادة الله تعالى بذلك "وكفى بالله شهيداً" قال محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود, فقال لهم: "إني لأعلم والله إنكم لتعلمون أني رسول الله" فقالوا: ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل "لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه" الاية.
وقوله: "إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً" أي كفروا في أنفسهم, فلم يتبعوا الحق, وسعوا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به, قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه, وبعدوا منه بعداً عظيماً شاسعاً, ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله, الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه بأنه لا يغفر لهم " ولا ليهديهم طريقا " أي سبيلاً إلى الخير "إلا طريق جهنم" وهذا استثناء منقطع "خالدين فيها أبداً" الايه, ثم قال تعالى: "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم" أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل, فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه, يكن خيراً لكم. ثم قال: "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض" أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم, ولا يتضرر بكفرانكم, كما قال تعالى: "وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد" وقال ههنا: "وكان الله عليماً" أي بمن يستحق منكم الهداية فيهدية, وبمن يستحق الغواية فيغويه, "حكيماً" أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
167- "إن الذين كفروا" بكل ما يجب الإيمان به، أو بهذا الأمر الخاص، وهو ما في هذا المقام "وصدوا عن سبيل الله" وهو دين الإسلام بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم: ما نجد صفته في كتابنا وإنما النبوة في ولد هرون وداود، وبقولهم: إن شرع موسى لا ينسخ "قد ضلوا ضلالاً بعيداً" عن الحق بما فعلوا، لأنهم مع كفرهم منعوا غيرهم عن الحق.
167-"إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله"، بكتمان نعت محمد صلى الله عليه وسلم ،"قد ضلوا ضلالاً بعيداً".
167" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا " لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أغرق في الضلال وأبعد من الانقلاع عنه.
167. Lo! those who disbelieve and hinder (others) from the way of Allah, they verily have wandered far astray.
167 - Those who reject faith and keep off (men) from the way of God, have verily strayed far, far away from the path.