[النساء : 112] وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
(ومن يكسب خطيئة) ذنبا صغيرا (أو إثما) ذنبا كبيرا (ثم يرم به بريئا) منه (فقد احتمل) تحمل (بهتانا) برميه (وإثما مبينا) بينا يكسبه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب ، "أو إثما"، وقو ما لا يحل من المعصية.
وإنما فرق بين الخطيئة و الإثم ، لأن الخطيئة، قد تكون من قبل العمد وغير العمد، والإثم لا يكون إلا من العمد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال : ومن يأت "خطيئة" على غير عمد منه لها، "أو إثما" على عمد منه .
"ثم يرم به بريئا"، يعني : ثم يضيف ما له من خطئه أو إثمه الذي تعمده ، "بريئا" مما أضافه إليه ونحله إياه ، "فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"، يقول : فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذباً وإثماً عظيماً، يعني ، وجرماً عظيماً، على علم منه وعمد لما أتى من معصيته وذنبه.
واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : "بريئا"، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريء من الإثم الذي كان أتاه ، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.
فقال بعضهم : عنى الله عز وجل بالبريء ، رجلاً من المسلمين يقال له : لبيد بن سهل .
وقال آخرون : بل عنى رجلا من اليهود يقال له : زيد بن السمين ، وقد ذكرنا الرواية عس قال ذلك فيما مضى .
وممن قال : كان يهودياً، ابن سيرين.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين : "ثم يرم به بريئا"، قال : يهوديا.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا بدل بن المحبر قال ، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين ، مثله .
وقيل : "يرم به بريئا"، بمعنى : ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن ، من هو بريء مما رماه به ، ف الهاء في قوله : "به" عائدة على الإثم . ولو جملت كناية من ذكر الإثم و الخطيئة، كان جائزاً، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعل.
وأما قوله : "فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"، فإن معناه : فقد تحمل هذا الذي رمى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، من هو بريء مما رماه به من ذلك ، "بهتانا"، وهو الفرية والكذب ، "وإثما مبينا"، يعني : وزراً "مبينا"، يعني : أنه يبين عن أمر متحمله وجراءته على ربه ، وتقدمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمره.
قوله تعالى :" ومن يكسب خطيئة أو إثما" قيل: هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيداً وقال الطبري: إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل: الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ وقيل : الخطيئة الصغيرة والإثم الكبيرة، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازية وغيرهم .
قوله تعالى :" ثم يرم به بريئا" قد تقد اسم البريء في البقرة والهاء في به للإثم أو للخطيئة لأن معناها الإثم أولهما جميعاً وقيل: ترجع إلى الكسب." فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" تشبيه إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات وقد قال تعالى :" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم" [ العنكبوت:23] والبهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء وروى مسلم "عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره" قيل:" أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " وهذا نص فرمي البريء بهت له يقال: بهته بهتاً وبهتاً وبهتاناً إذا قال عليه ما لم يفعله وهو بهات والمقول له مبهوت ويقال: بهت الرجل (بالكسر) إذا دهش وتحير وبهت ( بالضم ) مثله وأفصح منها بهت كما قال الله تعالى :" فبهت الذي كفر " [البقرة : 258] لأنه يقال: رجل مبهوت ولا يقال: باهت ولا بهيت قاله الكسائي .
يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه, تاب عليه من أي ذنب كان. فقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس أنه قال في هذه الاية: أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه, وسعة رحمته, ومغفرته فمن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً "ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال, رواه ابن جرير, وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن مثنى, حدثنا محمد بن أبي عدي, حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل, قال: قال عبد الله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه, وإذا أصاب البول منه شيئاً قرضه بالمقراض فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيراً, فقال عبد الله رضي الله عنه: ما آتاكم الله خير مما آتاهم, جعل الماء لكم طهوراً, وقال تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم", وقال: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً", وقال أيضاً: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم عن ابن عون, عن حبيب بن أبي ثابت, قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت, فلما ولدت قتلت ولدها, قال عبد الله بن مغفل: لها النار, فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" قال: فمسحت عينها ثم مضت.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا شعبة عن عثمان بن المغيرة, قال: سمعت علي بن ربيعة من بني أسد يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فزارة, قال: قال علي رضي الله عنه: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه. وحدثني أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يذنب ذنباً, ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب, إلا غفر له" وقرأ هاتين الايتين "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم", الاية. وقد تكلمنا على هذا الحديث وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن, وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضاً.
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحراني, حدثنا دواد بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي, قال: سمعت أبا بكر ـ هو الصديق ـ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء, ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه, إلا كان حقاً على الله أن يغفر له" لأن الله يقول: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي, عن الحارث, عن علي, عن الصديق, بنحوه, وهذا إسناد لا يصح. وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسنا حوله, وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع, ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه, وأنه قام فترك نعليه, قال أبو الدرداء: فأخذ ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته, فقال: "إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه "من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" فأردت أن أبشر أصحابي" .
"قال أبو الدرداء: وكانت قد شقت على الناس الاية التي قبلها " من يعمل سوءا يجز به " فقلت: يا رسول الله, وإن زنى وإن سرق, ثم استغفر ربه غفز له ؟ قال نعم. ثم قلت الثانية, قال نعم. قلت الثالثة, قال نعم وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله, غفر الله له على رغم أنف أبي الدرداء". قال: فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه, هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه بهذا السياق, وفي إسناده ضعف.
وقوله: "ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه" الاية, كقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" الاية, يعني أنه لا يغني أحد عن أحد, وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها, ولهذا قال تعالى: "وكان الله عليماً حكيماً" أي من علمه وحكمته, وعدله ورحمته كان ذلك, ثم قال: "ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً" الاية, يعني كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وهو لبيد بن سهل كما تقدم في الحديث أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الاخرون, وقد كان بريئاً وهم الظلمة الخونة, كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم, ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم, فعليه مثل عقوبتهم.
وقوله: "ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء" وقال الإمام ابن أبي حاتم: أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي, حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري, عن أبيه, عن جده قتادة بن النعمان, وذكر قصة بني أبيرق, فأنزل الله "لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء" يعني أسيد بن عروة وأصحابه, يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء, ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال, وعصمته له, وما أنزل عليه من الكتاب وهو القرآن والحكمة, وهي السنة " وعلمك ما لم تكن تعلم " أي قبل نزول ذلك عليك, كقوله: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب " إلى آخر السورة, وقال تعالى: "وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك" ولهذا قال: "وكان فضل الله عليك عظيماً".
112- "ومن يكسب خطيئة أو إثماً" قيل: هما بمعنى واحد كرر للتأكيد. وقال الطبري: إن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد، وقيل: الخطيئة الصغيرة، والإثم: الكبيرة. قوله "ثم يرم به بريئاً" توحيد الضمير لكون العطف بأو، أو لتغليب الإثم على الخطيئة، وقيل: إنه يرجع إلى الكسب. قوله "فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً" لما كانت الذنوب لازمة لفاعلها كانت كالثقل الذي يحمل، ومثله "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم". والبهتان مأخوذ من البهت: وهو الكذب على البريء بما ينبهت له ويتحير منه، يقال: بهته بهتاً وبهتاناً: إذا قال عليه ما لم يقل، ويقال بهت الرجل بالكسر: إذا دهش وتحير وبهت بالضم، ومنه "فبهت الذي كفر"، والإثم المبين: الواضح.
112-"ومن يكسب خطيئة"أي: سرقة الدرع،"أو إثماً"يمينه الكاذبة،"ثم يرم به"أي: يقذف بما جنى"بريئاً" منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي "فقد احتمل بهتاناً"البهتان: هو البهت، و هو الكذب الذي يتحير في عظمه ، "وإثماً مبيناً"أي: ذنباً بيناً، وقوله"ثم يرم به" ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد.
112" ومن يكسب خطيئة " صغيرة أو ما لا عمد فيه. " أو إثما " كبيرة أو ما كان على عمد. " ثم يرم به بريئا " كما رمى طعمة زيداً، ووحد الضمير لمكان أو. " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " بسبب رمي البريء وتبرئة النفس الخاطئة، ولذلك سوى بينهما وإن كان مقترف أحدهما دون مقترف الآخر.
112. And whoso committeth a delinquency or crime, then throweth (the blame) thereof upon the innocent, hath burdened himself with falsehood and a flagrant crime.
112 - But if any one earns a fault or a sin and throws it on to one that is innocent, he carries (on himself) (both) a falsehood and a flagrant sin.