[الزمر : 36] أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
- (أليس الله بكاف عبده) أي النبي بلى (ويخوفونك) الخطاب له (بالذين من دونه) الأصنام أي تقتله أو تخبله (ومن يضلل الله فما له من هاد)
قوله تعالى ويخوفونك الآية أخرج عبد الرزاق عن معمر قال لي رجل قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها فلتخبلنك فنزلت ويخوفونك بالذين من دونه الآية
اختلف القراء في قراءة " أليس الله بكاف عبده " فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة < أليس بكاف عباده > على الجماع ، بمعنى : أليس الله بكاف محمداً وأنبياءه من قبله ما خوفهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض قراء الكوفة " بكاف عبده " على التوحيد ، بمعنى : أليس الله بكاف عبده محمداً .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار . فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحة معنييها واستفاضة القراءة بهما في قراءة الأمصار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " أليس الله بكاف عبده " يقول : محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " أليس الله بكاف عبده " قال : بلى ، والله ليكفينه الله ويعزه وينصره كما وعده .
وقوله : " ويخوفونك بالذين من دونه " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ويخوفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء ، ببراءتك منها ، وعيبك لها ، والله كافيك ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ويخوفونك بالذين من دونه " الآلهة ، قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى شعب بسقام ليكسر العزى ، فقال سادنها ، وهو قيهما : يا خالد أنا أحذركما ، إن لها شدة لا يقوم إليها شيء ، فمشى إليها خالد بفأس فهشم أنفها " .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط عن السدي " ويخوفونك بالذين من دونه " يقول بآلهتهم التي كانوا يعبدون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ويخوفونك بالذين من دونه " قال : يخوفونك بآلهتهم التي من دونه .
وقوله : " ومن يضلل الله فما له من هاد " يقول تعالى ذكره : ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق وسبيل الرشد ، فما له سواه من مرشد ومسدد إلى طريق الحق ، وموفق للإيمان بالله ، وتصديق رسوله ، والعمل بطاعته .
قوله تعالى : " أليس الله بكاف عبده " حذفت الياء من ( كاف ) لسكوونها وسكون التنوين بعدها ، وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين ، إلا أنها حذفت لعلم أنها كذلك في الوصول . ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول : كافي . وقراءة العامة ( عبده ) بالتوحيد يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يكفيه الله وعيد المشركين وكيدهم . وقرأ حمزة و الكسائي (عباده ) وهم الأنبياء أو الأنبياء والمؤمنون بهم . واختار أبو عبيد قراءة الجماعة لقوله عقيبه : " ويخوفونك بالذين من دونه " ويحتمل أن يكون العبد لفظ الجنس ، كقوله عز من قائل :" إن الإنسان لفي خسر " [العصر : 2] وعلى هذا تكون القراءة الأولى راجعة إلى لثانية . والكفاية شر الأصنام ، فإنهم كانوةا يخوفون المؤمنين بالأصنام ، حتى قال إبراهيم عليه السلام ."وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله " [ الأنعام : 81] وقال الجرجاني : إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر ، هذا بالثواث وهذا بالعقاب .
قوله تعالى : " ويخوفونك بالذين من دونه " وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم مضرة الأوثان ، فقالوا : أتسب آلهتنا ؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أو تصيبنك بسوء وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادنها : أحذركها يا خالد فإن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس . وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه الذي وجه خالداً . ويدخل في الآية تخويفهم النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة حمعهم وقوتهم ، كما قال : " أم يقولون نحن جميع منتصر " [القمر : 44] . " من يضلل الله فما له من هاد " تقدم .
يقول تعالى: "أليس الله بكاف عبده" وقرأ بعضهم "عباده" يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه وقال ابن حاتم ههنا: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا أبو هانىء عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع به" ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح عن أبي هانىء الخولاني به وقال الترمذي صحيح "ويخوفونك بالذين من دونه" يعني المشركين يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دون الله جهلاً منهم وضلالاً ولهذا قال عز وجل: "ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟" أي منيع الجناب لا يضام من استند إلى جنابه ولجأ إلى بابه فإنه العزيز الذي لا أعز منه ولا أشد انتقاماً منه ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله صلى الله عليه وسلم, وقوله تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" يعني المشركين كانوا يعترفون بأن الله عز وجل هو الخالق للأشياء كلها ومع هذا يعبدون معه غيره مما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ولهذا قال تبارك تعالى: "قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ؟ أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ؟" أي لا تستطيع شيئاً من الأمر, وذكر ابن أبي حاتم ههنا حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً "احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك, ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك, جفت الصحف ورفعت الأقلام واعمل لله بالشكر في اليقين. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً. وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً" "قل حسبي الله" أي الله كافي "عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون" كما قال هود عليه الصلاة والسلام حين قال قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا محمد بن حاتم عن أبي المقدام مولى آل عثمان عن محمد بن كعب القرظي حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى, ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه, ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل" , وقوله تعالى: "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم" أي على طريقتكم وهذا تهديد ووعيد "إني عامل" أي على طريقتي ومنهجي "فسوف تعلمون" أي ستعلمون غب ذلك ووباله "من يأتيه عذاب يخزيه" أي في الدنيا "ويحل عليه عذاب مقيم" أي دائم مستمر لا محيد عنه وذلك يوم القيامة, أعاذنا الله منها.
قوله: 36- "أليس الله بكاف عبده" قرأ الجمهور "عبده" بالإفراد. وقرأ حمزة والكسائي "عباده" بالجمع، فعلى القراءة الأولى المراد النبي صلى الله عليه وسلم أو الجنس، ويدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولاً أولياً، وعلى القراءة الأخرى المراد الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور لقوله عقبه ويخوفونك والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنه بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره. وقيل المراد بالعبد والعباد ما يعم المسلم والكافر. قال الجرجاني: إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر هذا بالثواب، وهذا بالعقاب. وقرئ بكافي عباده بالإضافة، وقرئ يكافي بصيغة المضارع، وقوله: "ويخوفونك بالذين من دونه" يجوز أن يكون في محل نصب على الحال، إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك، ويجوز أن تكون مستأنفة، والذين من دونه عبارة عن المعبودات التي يعبدونها "ومن يضلل الله فما له من هاد" أي من حق عليه القضاء بضلاله فما له من هاد يهديه إلى الرشد ويخرجه من الضلالة.
36. قوله عز وجل: " أليس الله بكاف عبده "؟ يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو جعفر و حمزة و الكسائي : (( عباده )) بالجمع يعني: الأنبياء عليهم السلام، قصدهم قومهم بالسوء كما قال: " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " (غافر-5)، افكفاهم الله شر من عاداهم، " ويخوفونك بالذين من دونه "، وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة الأوثان. وقالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون، " ومن يضلل الله فما له من هاد ".
36-" أليس الله بكاف عبده " استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات ، والعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل الجنس ويؤيده قراءة حمزة و الكسائي عباده وفسر بالأنبياء صلوات الله عليهم . " ويخوفونك بالذين من دونه " يعني قريشاً فإنهم قالوا له إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا بعيبك إياها .وقيل إنه بعث خالداً ليكسر العزى فقال له سادنها أحذركها فإن لها شدة ، فعمد إليها خالد فهشم أنفها فنزل تخويف خالد منزلة تخويفه لأنه الآمر له بما خوف عليه " ومن يضلل الله " حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا ينفع ولا يضر " فما له من هاد " يهديه إلى الرشاد .
36. Will not Allah defend His slave? Yet they would frighten thee with those beside Him. He whom Allah sendeth astray, for him there is no guide.
36 - Is not God enough for His servant? But they try to frighten thee with other (gods) besides Him. For such as God leaves to stray, there can be no guide.