[الزمر : 19] أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ
- (أفمن حق عليه كلمة العذاب) أي لأملأن جهنم الآية (أفأنت تنقذ) تخرج (من في النار) جواب الشرط وأقيم فيه الظاهر مقام المضمر والهمزة للانكار والمعنى لا تقدر على هدايته فتنقذه من النار
يعني تعالى ذكره بقوله "أفمن حق عليه كلمة العذاب": أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "أفمن حق عليه كلمة العذاب" بكفره.
وقوله "أفأنت تنقذ من في النار" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب ، فأنت تنقذه ، فاستغني بقوله "تنقذ من في النار" عن هذا. وكان بعض نحوي الكوفة يقول : هذا مما يراد به استفهام واحد، فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه ، فيرد الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنما المعنى والله أعلم : أفأنت تنقذ من في النار من حقت عليه كلمة العذاب. قال : ومثله من غير الاستفهام "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون"[المؤمنون : 35 ] فردد أنكم مرتين. والمعنى والله أعلم : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم ، ومثله قوله "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب" آل عمران : 188]. وكان بعضهم يستخطئ القول الذي حكيناه عن البصريين ، ويقول لا تكون في قوله "أفأنت تنقذ من في النار" كناية عمن تقدم ، لا يقال : القوم ضربت من قام ، يقول المعنى : التجزئة أفأنت تنقذ من في النار منهم. وإنما معنى الكلمة: أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان ، فتنقذه من النار بالإيمان ، لست على ذلك بقادر.
قوله تعالى : " أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على إيمان قوم وقد سبقت لهم من الله الشقاوة فنزلت هذه الآية .قال ابن عباس : يريد أبا لهب وولده ومن تخلق من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان . وكرر الاستفهام في قوله : " أفأنت " تأكيداً لطول الكلام ، وكذا قال سيبويه في قوله تعالى : " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " [المؤمنون : 35] على ما تقدم . والمعنى : " أفمن حق عليه كلمة العذاب " أفأنت تنقذه . والكلام شرط وجوابه . وجيء بالاستفهام ، ليدل على التوقيف والتقرير . وقال الفراء : المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب . والمعنى واحد . وقيل : عن في الكلام حذفاً والتقدير : أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه ، وما بعده منستأنف . وقال : " أفمن حق عليه " وقال في موضع آخر : " حقت كلمة العذاب " [ الزمر : 71] لأن الفعل إذا تقدم ووقع بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث ، على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي بل الكلمة في معنى الكلا م والقول ، أي أفمن حق عليه قول العذاب .
يقول تعالى أفمن كتب الله أنه شقي تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك ؟ أي لا يهديه أحد من بعد الله لأنه من يضلل الله فلا هادي له ومن يهده فلا مضل له. ثم أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي الشاهقة "من فوقها غرف مبنية" طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات. قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها" فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام" ورواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال حسن غريب. وقد تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام" تفرد به أحمد من حديث عبد الله بن معانق الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه به. وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في أفق السماء" قال فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: "كما تراءون الكوكب الذي في الأفق الشرقي أو الغربي" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي حازم وأخرجاه أيضاً في الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا فزارة أخبرني فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة أهل الغرف كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاضل أهل الدرجات ـ فقالوا يا رسول الله أولئك النبيون ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بلى والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله وصدقوا الرسل" ورراه الترمذي عن سويد عن ابن المبارك عن فليح به وقال حسن صحيح. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا حدثنا زهير حدثنا سعد الطائي حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قلنا يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الاخرة فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم, ولو لم تذنبوا لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون كي يغفر لهم قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال صلى الله عليه وسلم: لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت, لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه, ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السموات ويقول الرب تبارك وتعالى وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" وروى الترمذي وابن ماجه بعضه من حديث سعد بن أبي مجاهد الطائي وكان ثقة عن أبي المدله وكان ثقة به. وقوله تعالى: "تجري من تحتها الأنهار" أي تسلك الأنهار من خلال ذلك كما يشاؤون وأين أرادوا "وعد الله" أي هذا الذي ذكرنا وعد الله عباده المؤمنين "إن الله لا يخلف الميعاد".
ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة وحرم السعادة فقال: 19- "أفمن حق عليه كلمة العذاب" من هذه يحتمل أن تكون موصولة في محل رفع بالابتداء وخبرها محذوف: أي كمن يخاف، أو فأنت تخلصه أو تتأسف عليه ويحتمل أن تكون شرطية، وجوابه "أفأنت تنقذ من في النار" فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معين الإنكار. وقال سيبويه إنه كرر الاستفهام لطول الكلام. وقال الفراء: المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب، والمراد بكلمة العذاب هنا هي قوله تعالى لإبليس: "لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" وقوله: "لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين" ومعنى الآية التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان حريصاً على إيمان قومه، فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقذه من النار بأن يجعله مؤمناً. قال عطاء: يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وفي الآية تنزيل لمن يستحق العذاب بمن قد صار فيه، وتنزيل دعائه إلى الإيمان منزلة الإخراج له من عذاب النار.
19. " أفمن حق عليه كلمة العذاب "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سبق في علم الله أنه من أهل النار. وقيل: كلمو العذاب [قوله: " لأملأن جهنم "، وقيل:] قوله: (( هؤلاء في النار ولا أبالي )). " أفأنت تنقذ من في النار "، أي: لا تقدر عليه. قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده.
19-" أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه ، فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ووضع " من في النار " موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه ، وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار ، ويجوز أن يكون " أفأنت " تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف .
19. Is he on whom the word of doom is fulfilled (to be helped), and canst thou (O Muhammad) rescue him who is in the Fire?
19 - Is, then, one against whom the decree of Punishment is justly due (equal to one who eschews evil)? Wouldst thou, then, deliver one (who is) in the Fire?