[ص : 85] لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
85 - (لأملأن جهنم منك) بذريتك (وممن تبعك منهم) الناس (أجمعين)
وقوله "لأملأن جهنم منك" يقول لإبليس : لأملأن جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.
" لأملأن جهنم منك " أي من نفسك وذريتك " وممن تبعك " من بني آدم " أجمعين " .
هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وههنا وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً. كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه, وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عز وجل وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين" كما قال عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وهؤلاء هم المستثنون في الاية الأخرى وهي قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً".
وقوله تبارك وتعالى: "قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول, وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق, وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (قلت) وهذه الاية كقوله تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وكقوله عز وجل: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".
قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجراً تعطونيه من عرض الحياة الدنيا "وما أنا من المتكلفين" أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه, وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الاخرة, قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم, الله أعلم, فإن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" أخرجاه من حديث الأعمش, به وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن, قاله ابن عباس رضي الله عنهما, وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "للعالمين" قال: الجن والإنس, وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" وكقوله عز وجل: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وقوله تعالى: "ولتعلمن نبأه" أي خبره وصدقه "بعد حين" أي عن قريب قال قتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة, ولا منافاة بين القولين فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال الحسن يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
قوله: 85- "لأملأن جهنم" وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش وعاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني، فرفع الأول على أنه مبتدأ وخبره مقدر: أي فالحق مني، أو فالحق أنا، أو خبره لأملأن، أو هو خبر مبتدإ محذوف، وأما نصب الثاني فبالفعل المذكور بعده: أي وأنا أقول الحق، وأجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون منصوباً بمعنى حقاً لأملأن جهنم. واعترض عليهما بأن ما بعد اللام مقطوع عما قبلها. وروي عن سيبويه والفراء أيضاً أن المعنى فالحق أن إملاء جهنم. وروي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قرآ برفعها، فرفع الأول على ما تقدم، ورفع الثاني بالابتداء، وخبره الجملة المذكورة بعده، والعائد محذوف. وقرأ ابن السميفع وطلحة بن مصرف بخلضهما على تقدير حرف القسم. قال الفراء: كما يقول الله عز وجل لأفعلن كذا، وغلطه أبو العباس ثعلب وقال: لا يجوز الخفض بحر مضمر، وجملة "لأملأن جهنم" جواب القسم على قراءة الجمهور، وجملة "والحق أقول" معترضة بين القسم وجوابه، ومعنى "منك" أي من جنسك من الشياطين "وممن تبعك منهم" أي من ذرية آدم فأطاعوك إذ دعوتهم إلى الضلال والغواية و "أجمعين" تأكيد للمعطوف والمعطوف عليه: أي لأملأنها من الشياطين وأتباعهم أجميعن.
85. " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "
85-" لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " وما بينهما اعتراض وهو على الأول جواب محذوف والجملة تفسير لـ" الحق " المقول ، وقرأ عاصم و حمزة يرفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو قسمي ، أو الخبر أي أنا " الحق " ، وقرئا مرفوعين على حذف الضمير من أقول كقوله : كله لم أصنع . ومجرورين على إضمار حرف القسم في الأول وحكاية لفظ المقسم به في الثاني للتأكيد ، وهو سائغ فيه إذا شارك الأول وبرفع الأول وجره ونصب الثاني وتخريجه على ما ذكرناه ، والضمير في منهم للناس إذ الكلام فيهم والمراد بمنك من جنسك ليتناول الشياطين ، وقيل للثقلين وأجمعين بأكيد له أو للضميرين .
85. That I shall fill hell with thee and with such of them as follow thee, together.
85 - That I will certainly fill Hell with thee and those that follow thee every one.