[ص : 64] إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ
64 - (إن ذلك لحق) واجب وقوعه وهو (تخاصم أهل النار) كما تقدم
وقوله "إن ذلك لحق" يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أخبرتكم أيها الناس من الخبر عن تراجع أهل النار، ولعن بعضهم بعضاً، ودعاء بعضهم على بعض في النار لحق يقين ، فلا تشكوا في ذلك ، ولكن استيقنوه. "تخاصم أهل النار" وقوله "تخاصم" رد على قوله "لحق". ومعنى الكلام : إن تخاصم أهل النار الذي أخبرتكم به لحق.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجه معنى قوله "أم زاغت عنهم الأبصار" إلى : بل زاغت عنهم.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" فقرأ "تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين"، وقرأ "يوم نحشرهم جميعا" حتى بلغ "إن كنا عن عبادتكم لغافلين" قال: إن كنتم تعبدوننا كما تقولون إن كنا عن عبادتكم لغافلين ، ما كنا نسمع ولا نبصر، قال : وهذه الأصنام ، قال : هذه خصومة أهل النار، وقرأ "وضل عنهم ما كانوا يفترون" قال : وضل عنهم بوم القيامة ما كانوا يفترون في الدنيا.
" إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " < لحق > خبر إن و < تخاصم > خبر مبتدأ محذوف بمعنى هو تخاصم . ويجوز أن يكون بدلاً من حق . ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر . ويجوز أن يكون بدلاً من ذلك على الموضع . أي إن تخاصم أهل النار في النار لحق . يعني قولهم : < لا مرحباً بكم > الآية وشبهه من قول أهل النار .
لما ذكر تبارك وتعالى مآل السعداء ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال عز وجل: "هذا وإن للطاغين" وهم الخارجون عن طاعة الله عز وجل المخالفون لرسل الله صلى الله عليه وسلم "لشر مآب" أي لسوء منقلب ومرجع. ثم فسره بقوله جل وعلا: "جهنم يصلونها" أي يدخلونها فتغمرهم من جميع جوانبهم "فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق" أما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره, وأما الغساق فهو ضده وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم.
ولهذا قال عز وجل: "وآخر من شكله أزواج" أي وأشياء من هذا القبيل: الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج به ثم قال لا نعرفه إلا من حديث رشدين كذا قال وقد تقدم في غير حديثه, ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به.
وقال كعب الأحبار: غساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالادمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويجر لحمه كله كما يجر الرجل ثوبه, رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله تعالى: "وآخر من شكله أزواج" ألوان من العذاب, وقال غيره كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوي إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة والجميع مما يعذبون به, ويهانون بسببه.
وقوله عز وجل: "هذا فوج مقتحم معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" هذا إخبار من الله تعالى عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: "كلما دخلت أمة لعنت أختها" يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة من الزبانية "هذا فوج مقتحم" أي داخل "معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" أي لأنهم من أهل جهنم "قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم" أي فيقول لهم الداخلون "بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا" أي أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير "فبئس القرار" أي فبئس المنزل والمستقر والمصير "قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار" كما قال عز وجل: " قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " أي لكل منكم عذاب بحسبه " وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا مالنا لا نراهم معنا في النار. قال مجاهد: هذا قول أبي جهل يقول مالي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً وهذا ضرب مثل وإلا فكل الكفار هذا حالهم يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار, فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا " أي في الدار الدنيا " أم زاغت عنهم الأبصار " يسألون أنفسهم بالمحال يقولون أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم, فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله عز وجل: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون * وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " وقوله تعالى: "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" أي إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من تخاصم أهل النار بعضهم في بعض ولعن بعضهم لبعض لحق لا مرية فيه ولا شك.
والإشارة بقوله: 64- "إن ذلك" إلى ما تقدم من حكاية حالهم، وخبر إن قوله: "لحق" أي لواقع ثابت في الدار الآخرة لا يختلف ألبتة، و "تخاصم أهل النار" خبر مبتدإ محذوف، والجملة بيان لذلك، وقيل بيان لحق، وقيل بدل منه، وقيل بدل من محل ذلك، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وهذا على قراءة الجمهور برفع تخاصم، والمعنى: إن ذلك الذي حكاه الله عنهم لحق لا بد أن يتكلموا به، وهو تخاصم أهل النار فيها، وما قالته الرؤساء للأتباع، وما قالته الأتباع لهم. وقرأ ابن أبي عبلة بنصب تخاصم على أنه بدل من ذلك أو بإضمار أعني. وقرأ ابن السميفع تخاصم بصيغة الفعل الماضي فتكون جملة مستأنفة.
64. " إن ذلك "، الذي ذكرت، " لحق "، ثم بين فقال: " تخاصم أهل النار "، أي: تخاصم أهل النار في النار لحق.
64-" إن ذلك " الذي حكيناه عنهم " لحق " لا بد أن يتكلموا به ثم بين ما هو فقال : " تخاصم أهل النار " وهو بدل من لحق أو خبر محذوف ، وقرئ بالنصب على البدل من ذلك .
64. Lo! that is very truth: the wrangling of the dwellers in the Fire.
64 - Truly that is just and fitting, the mutual recriminations of the People of the Fire.