[ص : 58] وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ
58 - (وآخر) بالجمع والافراد (من شكله) مثل المذكور من الحميم والغساق (أزواج) أصناف عذابهم من أنواع مختلفة
وقوله "وآخر من شكله أزواج" اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة "وآخر من شكله أزواج" على التوحيد، بمعنى : هذا حميم وغساق فليذوقوه ، وعذاب آخر من نحو الحميم ألوان وأنواع ، كما يقال : لك عذاب من فلان ضروب وأنواع ، وقد يحتمل أن يكون مرادا بالأزواج الخبر عن الحميم والغساق ، وآخر من شكله ، وذلك ثلاثة ، فقيل أزواج ، يراد أن ينعت بالأزواج تلك الأشياء الثلاثة. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وأخر على الجماع ، وكان من قرأ ذلك ئ لك كان عنده لا يصلح أن يكون الأزواج وهي جمع نعتاً لواحد، فلذلك جمع أخر، لتكون الأزواج نعتاً لها، والعرب لا تمنع أن ينعت الاسم إذا كان فعلاً بالكثير والقليل والاثنين كما بينا، فتقول : عذاب فلان أنواع ، ونوعان مختلفان.
وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها "وآخر" على التوحيد، وإن كانت الأخرى صحيحة لاستفاضة القراءة بها في قراء الأمصار، وإنما اخترنا التوحيد لأنه أصح مخرجاً في العربية، وأنه في التفسير بمعنى التوحيد. وقيل إنه الزمهرير.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي ، عن مرة، عن عبد الله "وآخر من شكله أزواج" قال الزمهرير.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى ، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن مرة ، عن عبد الله ، بمثله.
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا معاوية، عن سفيان، عن السدي، عمن أخبره عن عبد الله بمثله ، إلا أنه قال : عذاب الزمهرير.
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال : هو الزمهرير.
حدثت عن يحيى بن أبي زائدة، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال : ذكر الله العذاب ، فذكر السلاسل والأغلال ، وما يكون في الدنيا، ثم قال "وآخر من شكله أزواج" قال : وآخر لم ير في الدنيا.
وأما قوله "من شكله" فإن معناه : من ضربه ونحوه ، يقرأ، الرجل للرجل : ما أنت من شكلي ، بمعنى : ما أنت من ضربي بفتح الشين. وأما الشكل فإنه من المرأة ما علقت مما تتحسن به ، وهو الذل أيضا منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قول "وآخر من شكله أزواج" يقول : من نحوه.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وآخر من شكله أزواج" من نحوه.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "وآخر من شكله أزواج" قال : من كل شكل ذلك العذاب الذي سمى الله ، أزواج لم يسمها الله ، قال : والشكل : الشبيه.
وقوله "أزواج" يعني : ألوان وأنواع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله "وآخر من شكله أزواج" قال : ألوان من العذاب.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "أزواج" زوج زوج من العذاب.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "أزواج" قال : أزواج من العذاب في النار.
قوله تعالى : " وآخر من شكله أزواج " قرأ أبو عمرو : < وأخر > جمع أخرى مثل الكبرى والكبر . الباقون : < وآخر > مفرد مذكر . وأنكر أبو عمرو < وآخر > لقوله تعالى : " أزواج " أي لا يخبر بواحد عن جماعة . وأنكر عاصم الجحدري < وأخر > قال : ولو كانت < وأخر > لكان من شكلها . وكلا الردين لا يلزم والقراءتان صحيحتان . < وآخر > أي وعذاب آخر سوى الحميم والغساق . < من شكله > قال قتادة : من نحوه . قال ابن مسعود :هو الزمهرير . وارتفع < وآخر > بالابتداء و < أزواج > مبتدأ ثان و < من شكله > خبره والجملة خبر < وآخر > . ويجوز أن يكون < وآخر > مبتدأ والخبر مضمر دل عليه " هذا فليذوقوه حميم وغساق " لأن فيه دليلاً على أنه لهم ، فكأنه قال : ولهم آخر ويكون " من شكله أزواج " صفة لآخر فالمبتدأ متخصص بالصفة و < أزواج > مرفوع بالظرف . ومن قرأ < وأخر > أراد وأنواع من العذاب أخر ، ومن جمع وهو يريد الزمهرير فعلى أ،ه جعل الزمهرير أجناساً فجمع لاختلاف الأجناس . أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريراً ثم جمع كما قالوا : شابت مفارقه . أو على أنه جمع لما في الكلام من الدلالة على جواز الجمع ، لأنه جعل الزمهرير الذي هو نهاية البرد بإزاء الجمع في قوله : " هذا فليذوقوه حميم وغساق " والضمير في < شكله > يجوز أن يعود على الحميم أو الغساق . أو على معنى : < وآخر من شكله > ما ذكرنا ، ورفع < أخر > على قراءة الجمع بالابتداء و < من شكله > صفة له وفيه ذكر يعود على المبتدأ و < أزواج > خبر المبتدأ . ولا يجوز أن يحمل على تقدير ولهم أخر و < من شكله > صفة لأخر و < أزواج > مرتفعة بالظرف كما جاز في الإفراد ، لأن الصفة لا ضمير فيها من حيث ارتفع < أزواج > مفرد ، قاله أبو علي . و < أزواج > أي أصناف وألوان من العذاب . وقال يعقوب : الشكل بالفتح المثل وبالكسر الدل .
لما ذكر تبارك وتعالى مآل السعداء ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال عز وجل: "هذا وإن للطاغين" وهم الخارجون عن طاعة الله عز وجل المخالفون لرسل الله صلى الله عليه وسلم "لشر مآب" أي لسوء منقلب ومرجع. ثم فسره بقوله جل وعلا: "جهنم يصلونها" أي يدخلونها فتغمرهم من جميع جوانبهم "فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق" أما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره, وأما الغساق فهو ضده وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم.
ولهذا قال عز وجل: "وآخر من شكله أزواج" أي وأشياء من هذا القبيل: الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج به ثم قال لا نعرفه إلا من حديث رشدين كذا قال وقد تقدم في غير حديثه, ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به.
وقال كعب الأحبار: غساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالادمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويجر لحمه كله كما يجر الرجل ثوبه, رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله تعالى: "وآخر من شكله أزواج" ألوان من العذاب, وقال غيره كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوي إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة والجميع مما يعذبون به, ويهانون بسببه.
وقوله عز وجل: "هذا فوج مقتحم معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" هذا إخبار من الله تعالى عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: "كلما دخلت أمة لعنت أختها" يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة من الزبانية "هذا فوج مقتحم" أي داخل "معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" أي لأنهم من أهل جهنم "قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم" أي فيقول لهم الداخلون "بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا" أي أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير "فبئس القرار" أي فبئس المنزل والمستقر والمصير "قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار" كما قال عز وجل: " قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " أي لكل منكم عذاب بحسبه " وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا مالنا لا نراهم معنا في النار. قال مجاهد: هذا قول أبي جهل يقول مالي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً وهذا ضرب مثل وإلا فكل الكفار هذا حالهم يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار, فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا " أي في الدار الدنيا " أم زاغت عنهم الأبصار " يسألون أنفسهم بالمحال يقولون أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم, فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله عز وجل: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون * وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " وقوله تعالى: "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" أي إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من تخاصم أهل النار بعضهم في بعض ولعن بعضهم لبعض لحق لا مرية فيه ولا شك.
58- "وآخر من شكله" قرأ الجمهور "وأخر" مفرد مذكر، وقرأ أبو عمرو "وآخر" بضم الهمزة على أنه جمع، وأنكر قراءة الجمهور لقوله أزواج، وأنكر عاصم الجحدري قراءة أبي عمرو وقال: لو كانت كما قرأ لقال من شكلها، وارتفاع آخر على أنه مبتدأ وخبره أزواج، ويجوز أن يكون من شكله خبراً مقدماً وأزواج مبتدأً مؤخراً والجملة خبر آخر، ويجوز أن يكون خبر آخر مقدراً: أي وآخر لهم، و "من شكله أزواج" جملة مستقلة، ومعنى الآية على قراءة الجمهور: وعذاب آخر أو مذوق آخر، أو نوع آخر من شكل ذلك المذوق أو النوع المتقدم. وإفراد الضمير في شكله على تأويل المذكور: أي من شكل المذكور، ومعنى "أزواج" أجناس وأنواع وأشباه. وحاصل معنى الآية: أن لأهل النار حميماً وغساقاً وأنواعاً من العذاب من مثل الحميم والغساق. قال الواحدي: قال المفسرون: هو الزمهرير، ولا يتم هذا الذي حكاه عن المفسرين إلا على تقدير أن الزمهرير أنواع مختلفة وأجناس متفاوتة ليطابق معنى أزواج، أو على تقدير أن لكل فرد من أهل النار زمهريراً.
58. " وآخر "، قرأ أهل البصرة: (( وأخر )) بضم الألف على جمع أخرى، مثل: الكبرى والكبر، واختاره أبو عبيدة لأنه نعته بالجمع، فقال: أزواج، وقرأ الآخرون بفتح الهمزة مشبعة على الواحد، " من شكله "، مثله أي: مثل الحميم والغساق، " أزواج " أي: أصناف أخر من العذاب.
58-" وآخر " أي مذوق أوعذاب آخر ، وقرأ البصريان وأخرى أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر . " من شكله " من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة ، وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق . وقرئ بالكسر وهو لغة . " أزواج " أجناس خبر لـ" آخر " أو صفة له أو للثلاثة ، أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم .
58. And other (torment) of the kind in pairs (the two extremes)!
58 - And other Penalties of a similar kind to match them.