[ص : 24] قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ
24 - (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك) ليضمها (إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء) الشركاء (ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) ما لتأكيد القلة فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء قضى الرجل على نفسه فتنبه داود قال تعالى (وظن) أيقن (داود أنما فتناه) أوقعناه في فتنة أي بلية بمحبته تلك المرأة (فاستغفر ربه وخر راكعا) ساجدا (وأناب)
يقول تعالى ذكره : قال داود للخصم المتظلم من صاحبه : لقد ظلمك بسؤاله نعجتك إلى نعاجه وهذا مما حذفت منه الهاء فأضيف بسقوط الهاء منه إلى المفعول به ، ومثله قوله عز وجل : "لا يسأم الإنسان من دعاء الخير" والمعنى : من دعائه بالخير، فلما ألقيت الهاء من الدعاء أضيف إلى الخير، وألقي من الخير الباء، وإنما كني بالنعجة ها هنا عن المرأة، والعرب تفعل ذلك ، ومنه قول الأعشى:
قد كنت رائدها وشاة محاذر حذراً يقل بعينه إغفالها
يعني بالشاة : امرأة رجل يحذر الناس عليها، وإنما يعني : لقد ظلمت بسؤال امرأتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نسائه .
وقوله "وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض" يقول : وإن كثيراً من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض "إلا الذين آمنوا" بالله "وعملوا الصالحات" يقول : وعملوا بطاعة الله ، وانتهوا إلى أمره ونهيه ، ولم يتجاوزوه "وقليل ما هم" وفي ما التي في قوله "وقليل ما هم" وجهان : أحدهما أن تكون صلة بمعنى : وقليل هم ، فيكون إثباتها وإخراجها من الكلام لا يفسد معنى الكلام . والآخر أن تكون اسماً، وهم صلة لها، بمعنى : وقليل ما تجدهم ، كما يمال : قد كنت أحسبك أعقل مما أنت ، فتكون أنت صلة لما، والمعنى : كنت أحسب عقلك أكثر مما هو، فتكون ما والاسم مصدراً، ولو لم ترد المصدر لكان الكلام بمن ، لأن من التي تكون للناس وأشباههم . ومحكي عن العرب : قد كنت أراك أعقل منك مثل ذلك ، وقد كنت أرى أنه غير ما هو، بمعنى : كنت أراه على غير ما رأيت.
وروي عن ابن عباس في ذلك ما:
حدثني به علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله "وقليل ما هم" يقول : وقليل الذين هم.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم" قال : قليل من لا يبغي . فعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن عباس معنى الكلام : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وقليل الذين هم كذلك ، بمعنى : الذين لا يبغي بعضهم على بعض، وما على هذا القول بمعنى : من .
وقوله "وظن داود أنما فتناه" يقول : وعلم داود أنما ابتليناه .
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وظن داود" : علم داود .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال : ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن "وظن داود أنما فتناه" قال : ظن أنما ابتلي بذاك.
حدثني علي، قال : ثنا أبو صالح، قال : ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس "وظن داود أنما فتناه" قال : ظن أنما ابتلي بذاك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس "وظن داود أنما فتناه" اختبرناه. والعرب توجه الظن إذا أدخلته على الإخبار كثيراً إلى العلم الذي هو من غير وجه العيان.
وقوله "فاستغفر ربه" يقول فسأل داود ربه غفران ذنبه "وخر راكعا" يقول : وخر ساجداً لله "وأناب" يقول : ورجع إلى رضا ربه ، وتاب من خطيئته .
واختلف في سبب البلاء الذي ابتلي به نبي الله داود صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : كان سبب ذلك أنه تذكر ما أعطى الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس ، فتمنى مثله ، فقيل له : إنهم امتحنوا فصبروا ، فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا ، ويعطى كالذي أعطوا إن هو صبر.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ئني أبي ، عن أبيه ،عن ابن عباس ، قوله "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" قال إن داود قال : يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله ، قال الله : إني ابتليتهم بما لم أبتلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به ، وأعطيتك ما أعطيتهم ، قال : نعم ، قال له : فاعمل حتى أرى بلاءك ، فكان ما شاء الله أن يكون ، وطال ذلك عليه ، فكاد أن ينساه ، فبينا هو في محرابه ، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب فأراد أن يأخذها ، فطارت إلى كوة المحراب ، فذهب ليأخذها ، فطارت ، فاطلع من الكوة، فرأى امرأة تغتسل ، فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم من المحراب ، فأرسل إليها فجاءته ، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب ، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك زوجها، ففعل ، فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نصروا، وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود، أراد أن يستنقذه ، فبينما داود ذات يوم في محرابه ، إذ تسور عليه الخصمان من قبل وجهه ، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت ، وقال : لقد استضفت في ملكي حتى إن الناس يتسورون علي محرابي ، قالا له لا تخف خصمان بنى بعضنا على بعض ولم يكن لنا بد من أن نأتيك ، فاسمع منا، قال أحدهما: "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة" أنثى "ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها" يريد أن يتمم بها مئة، ويتركني ليس لي شيء "وعزني في الخطاب" قال : إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني ، فذلك قوله "وعزني في الخطاب" قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه "لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" إلى قوله "وقليل ما هم" ونسي نفسه صلى الله عليه وسلم ، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك ، فتبسم أحدهما إلى الأخر، فرآه داود وظن أنما فتن "فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب" أربعين ليلة، حتى نبت الخضرة من دموع عينيه ، ثم شدد الله له ملكه.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل، قال : ثنا أسباط، عن السدي، في قوله "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" قال: كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام : يوم يقضي فيه بين الناس ، ويوم يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوم يخلو فيه لنسائه وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يقرأ من الكتب أنه كان يجد فيه فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فلما وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب قال : يا رب إن الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي ، فأعطني مثل ما أعطيتهم ، وافعل بي مثل ما فعلت بهم ، قال : فأوحى الله إليه : إن آباءك ابتلوا ببلايا لم تبتل بها، ابتلي إبراهيم بذبح ابنه ، وابتلي إسحاق بذهب بصره ، وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف ، وإنك لم تبتل من ذلك بشيء ، قال : يا رب ابتلني بمثل ما ابتليتهم به ، وأعطني مثل ما أعطيتهم ، قال : فأوحي إليه : إنك مبتلى فاحترس ، قال : فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ، إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب ، حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي ، فمد يده ليأخذه ، فتنحى فتبعه ، فتباعد حتى وقع في كوة، فذهب ليأخذه ، فطار من الكوة، فنظر أين يتبر، فيبعث في أثره . قال : فأبصر امرأة تغتسل على سطح لها، فرأى امرأة من أجمل الناس خلقاً، فحانت منها التفاتة فأبصرته ، فألقت شعرها فاستترت به ، قال : فزاده ذلك فيها رغبة ، قال : فسأل عنها، فأخبر أن لها زوجاً، وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا، قال : فبعث إلى صاحب المسلحة أن يبعث أهريا إلى عدو كذا وكذا، قال : فبعثه ، ففتح له . قال : وكتب إليه بذلك ، قال : فكتب إليه أيضاً: أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، أشد منهم بأساً، قال : فبعثه ففتح له أيضاً. قال : فكتب إلى داود بذلك ، قال : فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، فبعثه فقتل المرة الثالثة ، قال : وتزوج امرأته .
قال : فلما دخلت عليه ، قال : لم تلبث عنده إلا يسيراً حتى بعث الله ملكين في صورة إنسيين ، فطلبا أن يدخلا عليه ، فوجداه في يوم عبادته ، فمنعهما الحرس أن يدخلا، فتسوروا عليه المحراب ، قال : فما شعر وهو يصلي إذ هو بهما بين يديه جالسين ، قال : ففزع منهما ، فقالا: "لا تخف" إنما نحن "خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط" يقول : لا تخف "واهدنا إلى سواء الصراط": إلى عدل القضاء. قال : فقال : قصا علي قصتكما، فقال أحدهما : "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة" فهو يريد أن يأخذ نعجتي ، فيكمل بها نعاجه مائة . قال فقال للآخر: ما تقول ؟ فقال : إن لي تسعاً وتسعين نعجة، ولأخي هذا نعجة واحدة، فأنا أريد أن آخذها منه ، فأكمل بها نعاجي مائة، قال : وهو كاره ؟ قال : وهو كاره ، قال. إذن لا ندعك وذاك ، قال : ما أنت على ذلك بقادر، قال : فإن ذهبت تروم ذلك أو تريد، ضربنا منك هذا وهذا وهذا ، وفسر أسباط طرف الأنف ، وأصل الأنف والجبهة، قال : يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وهذا ، حيث لك تسع وتسعون نعجة امرأة، ولم يكن لأهريا إلا امرأة واحدة، فلم تزل به تعرضه للقتل حتى قتلته ، وتزوجت امرأته. قال : فنظر فلم ير شيئاً، فعرف ما قد وقع فيه ، وما قد ابتلي به . قال : فخر ساجداً، قال : فبكى . قال : فمكث يبكي ساجداً أربعين يوماً لا يرفع رأسه إلا لحاجة منها، ثم يقع ساجداً يبكي ، ثم يدعو حتى نبت العشب من دموع عينيه . قال : فأوحى الله إليه يعد أربعين يوماً: يا داود ارفع رأسك ، فقد غفرت لك ، فمال : يا رب كيف م علم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء، إذا جاءك أهريا يوم القيامة آخذاً رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دماً في قبل عرشك يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فأوحى إليه : إذا كان ذلك دعوت أهريا، فاستوهبك منه ، فيهبك لي ، فأثيبه بذلك الجنة، قال : رب الآن علمت أنك قد غفرت لي . قال :فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياء من ربه حتى قبض صلى الله عليه وسلم.
حدثني علي بن سهل، قال : ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال : ثني عطاء الخراساني، قال : نقش داود خطيئته في كفه لكيلا يهنساها، قال : فكان إذا رآها خفقت يده واضطربت .
وقال آخرون : بل كان ذلك لعارض كان عرض في نفسه من ظن أنه يطيق أن يتم يوماً لا يصيب فيه حوبة، فابتلي بالفتنة التي ابتلي بها في اليوم الذي طمع في نفسه بإتمامه بغير إصابة ذنب.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن مطر، عن الحسن: أن داود جزأ الدهر أربعة أجزاء : يوما لنسائه ، ويوما لعبادته ، ويوما لقضاء بني إسرائيل ، ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ، ويبكيهم ويبكونه ، فلما كان يوم بني إسرائيل قال : ذاكروا فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنباً؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك . فلما كان يوم عبادته ، أغلق أبوابه ، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة، فبينما هو يقرؤها، فإذا حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن ، قد وقعت بين يديه ، فأهوى إليها ليأخذها، قال : فطارت ، فوقعت غير بعيد، من غير أن تؤيسه من نفسها، قال : فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل ، فأعجبه خلقها وحسنها، قال : فلما رأت ظله في الأرض ، جللت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضا إعجاباً بها، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه ، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا، مكان إذا سار إليه لم يرجع ، قال : ففعل ، فأصيب فخطبها فزوجها. قال : وقال قتادة: بلغنا أنها أم سليمان ، قال : فبينما هو في المحراب ، إذ تسور الملكان عليه ، وكان الخصمان إذا أتوه يأتونه من باب المحراب ، ففزع منهم حين تسوروا المحراب ، فقالوا "لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض" حتى بلغ "ولا تشطط": أي لا تمل "واهدنا إلى سواء الصراط": أي أعدله وخيره "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة"، وكان لداود تسع وتسعون امرة "ولي نعجة واحدة" قال : وإنما كان للرجل امرأة واحدة "فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب": أي ظلمني وقهرني ، فقال : "لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" إلى قوله "وقليل ما هم وظن داود" فعلم داود أنما صمد له : أي عني به ذلك "وخر راكعاً وأناب". قال : وكان في حديث مطر، أنه سجد أربعين ليلة، حتى أوحى الله إليه : إني قد غفرت لك ، قال : رب وكيف تغفر لي وأنت حكم عدل ، لا تظلم أحداً؟ قال : إني أقضيك له ، ثم أستوهبه دمك أو ذنبك ، ثم أثيبه حتى يرضى ، قال : الآن طابت نفسي ، وعلمت أنك قد غفرت لي.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : ثني محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه اليماني، قال : لما اجتمعت بنو إسرائيل ، على داود، أنزل الله عليه الزبور، ، وعلمه صنعة الحديد، فألانه له ، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح ولم يعط الله فيما يذكرون أحداً من خلقه مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور فيما يذكرون ، تدنو له الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وإنها لمصيخة تسمع لصوته ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج، إلا على أصناف صوته ، وكان شديد الاجتهاد دائب العبادة، فأقام في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر الله مستخلفاً، وكان شديد الاجتهاد من الأنبياء ، كثير البكاء، ثم عرض من فتنة تلك المرأة ما عرض له ، وكان له محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور، ولصلاته إذا صلى ، وكان أسفل منه جنينة لرجل من بني إسرائيل ، كان عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داود فيها ما أصابه.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا، سلمة، عن محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم ، قال : لا يدخلن علي محرابي اليوم أحد حتى الليل ، ولا يشغلني شيء عما خلوت له حتى أمسي . ودخل محرابه ، ونشر زبوره يقرؤه وفي المحراب كوة تطلعه على تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره ، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوة، فرفع رأسه فرآها، فأعجبته ، ثم ذكر ما كان قال : لا يشغله شيء عما دخل له ، فنكس رأسه وأقبل على زبوره ، فتصوبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوه ، فوقعت بين يديه ، فتناولها بيده ، فاستأخرت غير بعيد، فاتبعها، فنهضت إلى الكوة، فتناولها في الكوة، فتصوبت إلى الجنينة ، فأتبعها بصره أين تقع ، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة الله أعلم بها في الجمال والحسن والخلق ، فيزعمون أنها لما وأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه ، واختطفت قلبه ، ورجع إلى زبوره ومجلسه ، وهي من شأنه لا يفارق قلبه ذكرها، وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجها، ثم أمر صاحب جيشه فيما يزعم أهل الكتاب أن يقدم زوجها للمهالك حتى أصابه بعض ما أراد به من الهلاك ، ولداود تسع وتسعون إمرأة، فلما أصيب زوجها خطبها داود، فنكحها، فبعث الله إليه وهو في محرابه ملكين يختصمان إليه مثلاً يضربه له ولصاحبه ، فلم يرع داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه ، فقال: ما أدخلكما علي ؟ قالا: لا تخف لم ندخل لبأس ولا لريبة "خصمان بغى بعضنا على بعض" فجئناك لتقضي بيننا "فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط": أي احملنا على الحق ، ولا تخالف بنا إلى غيره ، قال الملك الذي يتكلم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة "إن هذا أخي" أي على ديني "له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها" أي احملني عليها، ثم عزني في الخطاب : أي قهرني في الخطاب ، وكان أقوى مني هو وأعز، فحاز نعجتي إلى نعاجه وتركني لا شيء لي . فغضب داود، فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم ، فقال : لئن كان صدقني ما يقول لأضربن بين عينيك بالفأس ، ثم ارعوى داود، فعرف أنه هو الذي يراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجداً تائباً منيباً باكياً، فسجد أربعين صباحاً صائماً لا يأكل فيها ولا يشرب ، حتى أنبت دمعه الخضر تحت وجهه ، وحتى أندب السجود في لحم وجهه ، فتاب الله عليه وقبل منه.
ويزعمون أنه قال : أي رب هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم ؟ قيل : يا داود -فيما زعم أهل الكتاب - أمما إن ربك لم يظلمه بدمه، ولكنه سيسأله فيعطيه ، فيضعه عنك. فلما فرج عن داود ما كان فيه ، رسم خطيئته في كفه اليمنى بطن راحته ، فما رفع إلى فيه طعاماً ولا شراباً قط إلا بكى إذا رآها ، وما قام خطيباً في الناس قط إلا نشر راحته ، فاستقبل بها الناس ليروا رسم خطيئته في يده .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال : ثنا ابن إدريس، قال : سمعت ليثاً يذكر عن مجاهد، قال : لما أصاب داود الخطيئة خر لله ساجداً أربعين يوماً حتى نبت من دموع عينيه من البقل ما غطى رأسه ، ثم نادى : رب قرح الجبين ، وجمدت العين، وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء ، فنودي : أجائع فتطعم ، أم مريض فتشفى، أم مظلوم فينتصر لك ؟ قال : فنحب نحبة هاج كل شيء كان نبت ، فعند ذلك غفر له وكانت خطيئته مكتوبة بكفه يقرؤها، وكان يؤتى بالإناء ليشرب فلا يشرب إلا ثلثه أو نصفه ، وكان يذكر خطيئته ، فينحب النحبة تكاد مفاصله تزول بعضها بن بعض ، ثم ما يتم شرابه حتى يملأه من دموعه . وكان يقال : إن دمعة داود، تعدل دمعة الخلائق ، ودمعة آدم تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق ، قال : فهو يجيء يوم القيامة خطيئته مكتوبة بكفه ، فيقول : رب ذنبي ذنبي قدمني! قال : فيقدم فلا يأمن فيقول : رب أخرني فيؤخر فلا يأمن.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك سمعه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن داود النبي صلى الله عليه وسلم حين نظر إلى المرأة فأهم ، قطع على بني إسرائيل ، فأوصى صاحب البعث ، فقال : إذا حضر العدو، فقرب فلاناً بين يدي التابوت ، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به ، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش ، فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته ، ففطن داود فسجد فمكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه ، وأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده ، فلم أحص من الرقاشي إلا هؤلاء الكلمات : رب زل داود زلة أبعد ما بين المشرق والمغرب ، إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه ، جعلت ذنبه حديثاً في الخلوف من بعده . فجاءه جبرائيل صلى الله عليه وسلم من بعد الأربعين ليلة، فقال : يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به ، فقال داود: علمت أن، الرب قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به ، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال يا رب دمي الذي عند داود؟ فقال جبرائيل صلى الله عليه وسلم: ما سألت ربك عن ذلك ، ولئن شئت لأفعلن، فقال : نعم ، فعرج جبريل وسجد داود، ، فمكث ما شاء الله ، ثم نزل فقال : قد سألت ربك عز وجل يا داود عن الذي أرسلتني فيه ، فقال : قل لداود: إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول : هب لي دمك الذي عند داود، فيقول : هو لك يا رب ، فيقول : فإن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضاً.
حدثني علي بن سهل، قال : ثنا الوليد بن مسلم، قال : ثنا ابن جابر، عن عطاء الخراساني: أن كتاب صاحب البعث جاء ينعي من قتل ، فلما قرأ داود نعي رجل منهم رجع ، فلما انتهى إلى اسم الرجل قال : كتب الله على كل نفس الموت ، قال : فلما انقضت عدتها خطبها.
الحادية عشرة : قوله تعالى : " قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه " قال النحاس : ويقال إن هذه كانت خطيئة داود عليه السلام ، لأنه قال : لقد ظلمك من غير تثبت ببينة ، ولا إقرار من الخصم ، هل كان هذا كذا أو لم يكن . فهذا قول .
وسيأتي بيانه في المسألة بعد هذا ، وهو حسن إن شاء الله تعالى . وقال أبو جعفر النحاس : فأما قول العلماء الذي لا يدفع قولهم ، منهم عبد الله بن مسعود و وابن عباس فإنهم قالوا : ما زاد داود صلى الله على نبينا وعليه على أن قال للرجل أنزل لي عن امرأتك . قال أبو جعفر فعاتبه الله عز وجل ونبهه عله ، وليس هذا بكبير من المعاصي ، ومن تخطى إلى غير هذا فإنما يأتي بما لا يصح عن عالم ، فيلحقه فيه إثم عظيم . كذا قال : في كتاب إعراب القرآن . وقال : في كتاب معاني القرآن له بمثله . قال رضي الله عنه : قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود عليه السلام وأوريا ، وأكثرها لا يصح ولا يتصل إسناده ، ولا ينبغي أن يجترأ على مثلها إلى بعد المعرفة بصحتها . وأصح ما روي في ذلك مارواه مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : ما زاد داود عليه السلام على أن قال : < اكفلنيها > أي إنزل لي عنها . وروى المنهال عن سعيد بن جبير قال : ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على أن قال : < إكفلنيها > أي تحول لي عنها وضمها إلي . قال أبو جعفر وهذا أجل ما روي في هذا ، والمعنى عليه أن داود عليه السلام سأل أوريا أن يطلق امرأته ، كما يسأل الرجل الرجل أن يبيعه جاريته ، فنبهه الله عز وجل على ذلك ، وعاتبه لما كان نبياً وكان له تسع وتسعون أنكر عليه أن يتشاغل في الدنيا في التزيد منها ، فأما غير هذا فلا ينبغي الإجتراء عليه . قال ابن العربي : وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله فهذا باطل قطعاً ، فإن داود صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه ، وإنما كان من الأمر أن داود قال لبعض أصحابه : إنزل لي عن أهلك وعزم عليه في ذلك ، كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة برغبة صادقة ، كانت في الأهل أو في المال وقد قال سعيد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف حين آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما إن لي زوجتين أنزل لك عن أحسنهما ، فقال له : بارك الله لك في أهلك . وما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبه ، وليس في القرآن أن ذلك كان ، ولا أنه تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها ، ولا ولادتها لسليمان ، فعمن يروى هذا ويسند ؟ ! وعلى من في نقله يعتمد ، وليس يؤثره عن الثقات الأثبات أحد . أما أن في سورة < الأحزاب > نكة تدل على أن داود قد صارت له المرأة زوجة ، وذلك قوله : " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل " [ الأحزاب : 38 ] يعني في أحد الأقوال : تزويج داود المرأة التي نظر إليها ، " كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش " ، إلا أن تزويج زينب كان من غير سؤال للزوج في فراق ، بل أمره بالتمسك بزوجته ، وكان تزويج داود للمرأة بسؤال زوجها فراقها . فكانت هذه المنقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم على داود مضافة إلى مناقبه العلية صلى الله عليه وسلم ولكن قد قيل : إن معنى " سنة الله في الذين خلوا من قبل " [ الأحزاب : 38 ] تزويج الأنبياء بغير صداق من وهبت نفسها لهم من النساء بغير صداق . وقيل : أراد بقوله : " سنة الله في الذين خلوا من قبل " [ الأحزاب : 38 ] أن الأنبياء صلوات الله عليهم فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره وهذا أصح الأقوال وقد روى المفسرون أن داود عليه السلام نكح مائة امرأة ، وهذا نص القرآن . وروي أن سليمان كانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة جارية ، وربك أعلم . وذكر الكيا الطبري في أحكامه في قول الله عز وجل : " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " الآية : ذكر المحققون الذي يرون تنزيه الأنبياء عليهم السماء عن الكبائر ، أن داود عليه السلام كان قد أقدم على خطبة امرأة قد خطبها غيره ، يقال : هو أوريا ، فمال القوم إلى تزويجها من داود راغبين فيه ، وزاهدين في الخاطب الأول ، ولم يكن بذلك داود عارفاً ، وقد كان يمكنه أن يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة ، وعن الخطبة بها فلم يفعل ذلك ، من حيث أعجب بها إما وصفاً أو مشاهدة على غير تعمد ، وقد كان لداود عليه السلام من النساء العدد الكثير وذلك الخاطب لا إمرأة له ، فنبهه الله تعالى على مافعل بما كان من تسور الملكين ، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض ، لكي يفهم من ذلك موقع العتب فيعدل عن هذه الطريقة ، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة .
الثانية عشرة : قوله تعالى : " قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه " فيه الفتوى النازلة بعد السماع من أحد الخصمين ، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر هذا القول . قال ابن العربي : وهذا مما لا يجوز عند أحد ، ولا في ملة من الملل ، ولا يمكن ذلك للبشر . وإنما تقدير الكلام أن أحد الخصمين ادعى والآخر سلم في الدعوى فوقعت بعد ذلك الفتوى .
" وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر " وقيل : إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك . وقيل : تقديره لقد ظلمك إن كان كذلك . والله أعلم بتعيين ما يمكن من هذه الوجوه .
قلت : ذكر هذين الوجهين القشيري و الماوردي وغيرهما . قال القشيري : وقوله : " لقد ظلمك بسؤال نعجتك " من غير أن يسمع كلام الخصم مشكل ، فيمكن أن يقال إنما قال هذا بعد مراجعة الخصم الآخر وبعد اعترافه . وقد روي هذا وإن لم تثبت روايته ، فهذا معلوم من قرائن الحال ، أو أراد لقد ظلمك إن كان الأمر على ما تقول ، فسكته بهذا فصبره إلى أن يسأل خصمه . قال ويحتمل أن يقال : كان من شرعهم التعويل على قول المدعي عند سكوت المدعى عليه ، إذا لم يظهر منه إنكار بالقول . و قال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : ومما جاء في شكر النعمة المنتظرة إذا حضرت ، أو كانت خافية فظهرت : السجود لله عز وجل . قال : والأصل في ذلك قوله عز وجل : " وهل أتاك نبأ الخصم " إلى قوله : " وحسن مآب " . أخبر الله عز وجل عن داود عليه السلام : أنه سمع قول المتظلم من الخصمين ، ولم يخبر عنه أنه سأل الآخر ، إنما حكى أنه ظلمه ، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل الضعف والهضيمة ، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول ، ودعاه ذلك إلىألا يسأل الخصم ، فقال له مستعجلاً : < لقد ظلمك > مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول : كانت لي مائة نعجة ولا شيء لهذا ، فسرق مني هذه النعجة ، فلما وجدتها عنده قلت له ارددها ، وما قلت له اكفلنيها ، وعلم أني مرافعه إليك ، فجرني قبل أن أجره ، وجاءك متظلماً من قبل أن أحضره ، لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم . ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه ، علم أن الله عز وجل خلاه ونفسه في ذلك الوقت ، وهو الفتنة التي ذكرناها ، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه ، فاستغفر ربه وخر راكعاً لله تعالى شكراً على أن عصمه ، بأن اقتصر على تظليم المشكو ، ولم يزده على ذلك شيئاً من انتهار أو ضرب أو غيرهما ، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم ، فغفر الله له ثم أقبل عليه يعاتبه ، فقال : < يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله > فبان بما قصه الله تعالى من هذه الموعظة التي توخاه بها بعد المغفرة ، أن خطيئته أنها كانت التقصير في الحكم ، والمبادرة إلى تظليم من لم يثبت عنده ظلمه . ثم جاء عن ابن عباس أنه قال : سجدها داود شكراً ، وسجدها النبي صلى الله عليه وسلم إتباعاً فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن الأنبياء صلوات الله عليهم . " بسؤال نعجتك " أي بسؤاله نعجتك ، فأضاف المصدر إلى المفعول ، وألقى الهاء من السؤال ، وهو كقوله تعالى : " لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " [ فصلت : 49 ] أي من دعائه الخير .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : " وإن كثيرا من الخلطاء " يقال : خليط وخلطاء ولا يقال طويل وطولاء ، لثقل الحركة في الواو . وفيه وجهان أحدهما أنهما الأصحاب . الثاني أنهما الشركاء .
قلت : أطلاق الخلطاء على الشركاء فيه بعد ، وقد اختلف العلماء في صفة الخلطاء فقال أكثر العلماء : هو أن يأتي كل واحد بغنمة فيجمعهما راع واحد والدلو والمراح . وقال طاوس و عطاء : لا يكون الخلطاء إلا الشركاء . وهذا خلاف الخبر ، " وهو قوله صلى الله عليه وسلم : لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " وروي " فإنهما يترادان الفضل " ولا موضع لتراد الفضل بين الشركاء ، فاعلمه . وأحكام الخلطة مذكورة في كتب الفقه . و مالك وأصحابه وجمع من العلماء لا يرون الصدقة من ليس في حصته ما تجب فيه الزكاة . وقال الربيع و الليث وجمع من العلماء منهم الشافعي : إذا كان في جميعهما ما تجب فيه الزكاة أخذت منهم الزكاة . قال مالك : وإن أخذ المصدق بهذا ترادوا بينهم للإختلاف في ذلك ، وتكون كحكم حاكم اختلف فيه .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : " ليبغي بعضهم على بعض " أي يتعدى ويظلم . " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم لا يظلمون أحد . " وقليل ما هم " يعني الصالحين ، أي وقليل هم فـ < ـمـا > زائدة . وقيل : بمعنى الذين وتقديره وقليل الذين هم . وسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول في دعائه : اللهم اجعلني من عبادك القليل . فقال له عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال أردت قول الله عز وجل : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم " فقال عمر : كل الناس أفقه منك يا عمر !
الخامسة عشرة : قوله تعالى : " وظن داود أنما فتناه " أي ابتليناه . < وظن > معناه أيقن . قال أبو عمرو و الفراء : ظن بمعنى أيقن ، إلا أن الفراء شرحه بأنه لا يجوز في المعاين أن يكون ظن إلا بمعنى اليقين . والقراءة < فتناه > بتشديد النون دون التاء وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه < فتناه > بتشديد التاء والنون على المبالغة . وقرأ قتادة و عبيد بن عمير و ابن السميقع < فتناه > بتخفيفهما . ورواه علي بن نصر عن أبي عمرو ، والمراد به الملكان اللذان دخلا على داود عليه السلام .
السادسة عشرة : قيل : لما قضى داود بينهما في المسجد ، نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ، فلم يفطن داود ، فأحبا أن يعرفهما ، فصعدا إلى السماء حيال وجهه ، فعلم داود عليه السلام أن الله تعالى ابتلاه بذلك ونبهه على ما ابتلاه .
قلت : وليس في القرآن ما يدل على القضاء في المسجد إلا هذه الآية ، وبها استدل من قال بجواز القضاء في المسجد ولو كان ذلك لا يجوز كما قال الشافعي لم أقرهم داود على ذلك . ويقول : انصرفا إلى موضع القضاء . وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء يقضون في المسجد وقد قال مالك القضاء في المسجد من الأمر القديم . يعني في أكثر الأمور . لا بأس في أن يجلس في رحبته ، ليصل إليه الضعيف والمشرك والحائض ، ولا يقيم فيه الحدود ، ولا بأس بخفيف الأدب . وقد قال أشهب : يقضي في منزله وأين أحب .
السابعة عشرة : قال مالك رحمه الله : وكان الخلفاء يقضون بأنفسهم ، وأول من استقضى معاوية . قال مالك : وينبغي للقضاء مشاورة العلماء . وقال عمر بن عبد العزيز : لا يستقضي حتى يكون عالماً بآثار من مضى ، مستشيراً لذوي الرأي حليما نزهاً . قال : ويكون ورعاً . قال مالك : وينبغي أن يكون متيقظاً كثير التحذر من الحيل ، وأن يكون عالماً بالشروط ، عارفاً بما لا بد له منه من العربية ، فإن الأحكام تختلف باختلاف العبارات والدعاوى والإقرارات والشهادات والشروط التي تتضمن حقوق المحكوم له . وينبغي له أن يقول قبل إنجاز الحكم للمطلوب : أبقيت لك حجة ؟ فإن قال لا حكم عليه ، ولا يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه إلا أن يأتي بما له وجه أو بينة . وأحكام القضاء والقضاة فيما لهم وعليهم مذكورة في غير هذا الموضع .
الثامنة عشرة : قوله تعالى : " فاستغفر ربه " اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه على أقوال ستة : الأول : أنه نظر إلى المرأة حتى شبع منها . قال سعيد بن جبير : إنما كانت فتنة النظرة . قال أبو إسحاق : ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة ولكنه عاود النظر إليها ، فصارت الأولى له والثانية عليه . الثاني أنه أغزى زوجها في حملة التابوت . الثالث أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها . الرابع : أن أوريا كان خطب تلك المرأة ، فلما غاب خطبها داود فزوجت منه لجلالته ، فاغتنم لذلك أوريا فعتب الله على داود إذ لم يتركها لخاطبها ، وقد كان عنده تسع وتسعون امرأة . الخامس : أنه لم يجزع على قتل أوريا ، كما كان يجزع على من هلك من الجند ، ثم تزوج امرأته فعاتبه الله تعالى على ذلك ، لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله . السادس : أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر . قال القاضي ابن العربي : أما قول من قال : إنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر فلا يجوز على الأنبياء ، وذلك تعريض زوجها للقتل . وأما من قال : أنه نظر إليها حتى شبع فلا يجوز ذلك عندي بحال ، لأن طموح النظر لا يليق بالأولياء المتجردين للعبادة ، فكيف بالأنبياء الذين هم وسائط الله المكاشفون بالغيب ! وحكى السدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لو سمعت رجلاً يذكر أن داود عليه السلام قارف من تلك المرأة محرماً لجلدته ستين ومائة ، لأن حد قاذف الناس ثمانون وحد قاذف الأنبياء ستون ومائة . ذكره الماوردي و الثعلبي أيضاً . قال الثعلبي : وقال الحارث الأعور عن علي : من حدث بحديث داود ما ترويه القصاص معتقداً جلدته حدين ، لعظم ما ارتكب برمي من قد رفع الله محله ، وارتضاه من خلقه رحمة للعالمين وحجة للمجتهدين . قال ابن العربي وهذا مما لا يصح عن علي . فإن قيل : فما حكمه عندكم ؟ قلنا : أما من قال أن نبياً زنى فإنه يقتل ، وأما من نسب إليه ما دون ذلك من النظر والملامسة فقد اختلف نقل الناس في ذلك ، فإن صمم أحد على ذلك فيه ونسبه إليه قتلته ، فإنه يناقض التعزير المأمور به ، فأما قولهم : أنه وقع بصره على إمرأة تغتسل عريانة ، فلما رأته أسبلت شعرها فسترت جسدها ، فهذا لا حرج عليه فيه بإجماع من الأمة ، لأن النظرة الأولى تكشف المنظور إليه ولا يأثم الناظر بها ، فأما النظرة الثانية فلا أصل لها . وأما قولهم : إنه نوى إن مات زوجها تزوجها فلا شيء فيه إذ لم يعرضه للموت . وأما قولهم : إنه خطب على خطبة أوريا فباطل يرده القرآن والآثار التفسيرية كلها وقد روى أشهب عن مالك قال : بلغني أن تلك الحمامة أتت فوقعت قريباً من داود عليه السلام وهي من ذهب ، فلما رأها أعجبته فقام ليأخذها فكانت قرب يده ، ثم صنع مثل ذلك مرتين ثم طارت واتبعها ببصره فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغتسل ولها شعر طويل ، فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجداً حتى نبت العشب من دموع عينيه .قال ابن العربي : وأما قول المفسرين إن الطائر درج عنده فهم بأخذه واتبعه فهذا يناقض العبادة ، لأنه مباح فعله ، لا سيما وهو حلال وطلب الحلال فريضة ، وإنما اتبع الطير لذاته لا لجماله فإنه لا منفعة له فيه ، وإنما ذكرهم لحسن الطائر خرق في الجهالة . أما أنه روي أنه كان طائراً من ذهب فاتبعه ليأخذه ، لأنه من فضل الله سبحانه وتعالى كما روي في الصحيح : < إن أيوب عليه السلام كان يغتسل عرياناً فخر عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحثي منه ويجعل في ثوبه ، فقال الله تعالى له : < يا أيوب ألم أكن أغنيتك > قال : < بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك > . وقال القشيري : فهم داود بأن يأخذه ليدفعه إلى إبن له صغير فطار ووقع على كوة البيت ، وقاله الثعلبي أيضاً وقد تقدم .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : " وخر راكعا وأناب " أي خر ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع . قال الشاعر :
فخر على وجهه راكعاً وتاب إلى الله من كل ذنب
قال ابن العربي : لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع ها هنا السجود ، فإن السجود هو الميل والركوع هو الإنحناء وأحدهما يدخل على الآخر ، ولكنه قد اختص كل واحد بهيئته ، ثم جاء هذا على تسمية أحدهما بالآخر ، فسمى السجود ركوعاً . وقال المهدوي : وكان ركوعهم سجوداً . وقيل : بل كان سجودهم ركوعاً وقال مقاتل : فوقع من ركوعه ساجداً لله عز وجل . أي لما أحس بالأمر قام إلى الصلاة ثم وقع من الركوع إلى السجود ، لاشتمالهما جميعاً على الإنحناء . " وأناب " أي تاب من خطيئته ورجع إلى الله . وقال الحسين بن الفضل : سألني عبد الله بن طاهر وهو الوالي عن قول الله عز وجل : " وخر راكعا " فهل يقال للراكع خر ؟ . قلت : لا . قال : فما معنى الآية ؟ قلت : معناه فخر بعد أن كان راكعاً أي سجد .
الموفية عشرين : واختلف في سجدة داود هل هي من عزائم السجود المأمور به في القرآن أم لا ؟ " فروى أبو سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر " ص والقرآن ذي الذكر " فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأ بها فتشزن الناس للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود ونزل وسجد . " وهذا لفظ أبي داود . وفي البخاري " وغيره عن ابن عباس أنه قال : < ص > ليست من عزائم القرآن ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها " . وقد روي من طريق ابن مسعود أنه قال : < ص > توبة نبي لا يسجد فيها ، وعن ابن عباس أنها توبة نبي ونبيكم ممن أمر يقتدى به . قال ابن العربي : والذي عندي أنها ليست موضع سجود ، " ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها فسجدنا بالاقتداء به " ومعنى السجود أن داود سجد خاضعاً لربه ، معترفاً بذنبه ، تائباً من خطيئته ، فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية فلعل الله أن يغفر له بحرمة داود الذي اتبعه ، وسواء قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا ؟ فإن هذا أمر مشروع في كل أمة لكل أحد . والله أعلم .
الحادية والعشرون : قال ابن خويز منداد : قوله : " وخر راكعا وأناب " فيه دلالة على أن السجود للشكر مفرداً لا يجوز ، لأنه ذكر معه الركوع : وإنما الذي يجوز أن يأتي بركعتين شكراً فأما سجدة مفردة فلا ، وذلك أن البشارات كانت تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده ، فلم ينقل عن أحد منهم أنه سجد شكراً ولو كان ذلك مفعولاً لهم لنقل نقلاً متظاهراً لحاجة العامة إلى جوازه وكونه قربا .
قلت : وفي سنن ابن ماجة " عن عبد الله بن أبي أوفى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين " . وخرج من حديث أبي بكرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره - أو يسره به - خر ساجداً شكراً لله " . وهذا قول الشافعي وغيره .
الثانية والعشرون : روى الترمذي وغيره واللفظ للغير : أن رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل يستتر بشجرة وهو يقرأ : " ص والقرآن ذي الذكر " فلما بلغ السجدة سجد وسجدت معه الشجرة ، فسمعها وهي تقول : اللهم اعظم لي بهذه السجدة أجراً ، وارزقني بها شكراً .
قلت : خرج ابن ماجة في سننه " عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل فقال : إني رأيت البارحة فيما يرى النائم ، كأني أصلي إلى أصل شجرة ، فقرأت السجدة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي ، فسمعتها تقول : اللهم احطط بها عني وزراً ، واكتب لي بها أجراً ، واجعلها لي عندك ذخراً قال ابن عباس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ < السجدة > فسجد ، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة " . ذكره الثعلبي عن " أبي سعيد الخدري قال : قلت يا رسول الله رأيتني في النوم كأني تحت شجرة والشجرة تقرأ < ص > فلما بلغت السجدة سجدت فيها ، فسمعتها تقول في سجودها : اللهم اكتب لي بها أجراً ، وحط عني بها وزراً ، وارزقني بها شكراً ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أفسجدت أنت يا أبا سعيد ، فقلت : لا والله يا رسول الله . فقال : لقد كنت أحق بالسجود من الشجرة ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم < ص > حتى بلغ السجدة فسجد ثم قال مثل ما قالت الشجرة " .

قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم حديثاً لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضاً. وقوله تعالى: "ففزع منهم" إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل: "وعزني في الخطاب" أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب. وقوله تعالى: "وظن داود أنما فتناه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي اختبرناه. وقوله تعالى "وخر راكعاً" أي ساجداً "وأناب" ويحتمل أنه ركع أولاً ثم سجد بعد ذلك, وقد ذكر أنه استمر ساجداً أربعين صباحاً "فغفرنا له ذلك" أي ما كان منه مما يقال فيه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقد اختلف الأئمة في سجدة "ص" هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر, والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال السجدة في "ص" ليست من عزائم السجود, وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي حسن صحيح. وقال النسائي أيضاً عند تفسير هذه الاية أخبرني إبراهيم بن الحسن هو المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمرو بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص" وقال: "سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ونسجدها شكراً" تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات.
وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع, أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي حدثنا زاهر بن أبي طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعيد الكنجدروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت, فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: اللهم اكتب لي عندك أجراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وضع بها عني وزراً, واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.
قال ابن عباس رضي الله عنهما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل عن كلام الشجرة, رواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه, وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال البخاري عند تفسيرها أيضاً حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهداً عن سجدة "ص" فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت فقال أو ما تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فكان داود عليه الصلاة والسلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه الصلاة والسلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر هو ابن عبد الله المزني أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رأى رؤيا أنه يكتب "ص" فلما بلغ إلى الاية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً قال فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها بعد, تفرد به أحمد, وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص" فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشرف الناس للسجود فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشرفتم" فنزل وسجد وتفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيحين.
وقوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" أي وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع وهو الدرجات العالية في الجنة لتوبته وعدله التام في ملكه كما جاء في الصحيح "المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون في أهليهم وما ولوا" وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا فضيل عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل, وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر" ورواه الترمذي من حديث فضيل وهو ابن مرزوق الأغر عن عطية به, وقال لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان سمعت مالك بن دينار في قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" قال يقام داود يوم القيامة عند ساق العرش ثم يقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا فيقول وكيف وقد سلبته ؟ فيقول الله عز وجل إني أرده عليك اليوم قال فيرفع داود عليه الصلاة والسلام بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان.
24- "قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" أي بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه التسع والتسعين إن كان الأمر على ما تقول، واللام هي الموطئة للقسم، وهي وما بعدها جواب للقسم المقدر، وجاء بالقسم في كلامه مبالغة في إنكار ما يسمعه من طلب صاحب التسع والتسعين النعجة أن يضم إليه النعجة الواحدة التي مع صاحبه ولم يكن معه غيرها. ويمكن أنه إنما قال بهذا بعد أن سمع الاعتراف من الآخر. قال النحاس. ويقال إن خطيئة داود هي قوله: "لقد ظلمك" لأنه قال ذلك قبل أن يتثبت "وإن كثيراً من الخلطاء" وهم الشركاء واحدهم خليط: وهو المخالط في المال "ليبغي بعضهم على بعض" أي يتعدى بعضهم على بعض ويظلمه غير مراع لحقه "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" فإنهم يتحامون ذلك، ولا يظلمون خليطاً ولا غيره "وقليل ما هم" أي وقليل هم، وما زائدة للتوكيد والتعجيب. وقيل هي موصولة، وهم مبتدأ، وقليل خبره "وظن داود أنما فتناه". قال أبو عمرو والفراء: ظن يعني أيقن. ومعنى فتناه ابتليناه، والمعنىأنه عند أن تخاصما إليه وقال ما قال علم عند ذلك أن المراد، وأن مقصودهما التعريض به وبصاحبه الذي أراد أن ينزل له عن امرأته. قال الواحدي: قال المفسرون: فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك، فعند ذلك علم داود بما أراده. قرأ الجمهور: "فتناه" بالتخفيف للتاء وتشديد النون. وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء بالتشديد للتاء والنون ، وهي مبالغة في الفتنة. وقرأ الضحاك افتناه وقرأ قتادة وعبيد بن عمير وابن السميفع "فتناه" بتخفيفهما وإسناد الفعل إلى الملكين، ورويت هذه القراءة عن السجود. قال ابن العربي: لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع هنا السجود، فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء وأحدهما يدخل في الآخر ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة. ثم جاء في هذا على تسمية أحدهما بالآخر. وقيل المعنى للسجود راكعاً: أي مصلياً. وقيل بل كان ركوعهم سجوداً، وقيل بل كان سجودهم ركوعاً "وأناب" أي رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه.
وقد اختلف المفسرون في ذنب داود الذي استغفر له وتاب عنه على أقوال: الأول أنه نظر إلى امرأة الرجل التي أراد أن تكون زوجة له، كذا قال سعيد بن جبير وغيره. قال الزجاج: ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها، وصارت الأولى له والثانية عليه. القول الثاني أنه أرسل زوجها في جملة الغزاة. الثالث أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها. الرابع أن أوريا كان خطب تلك المرأة فلما غاب خطبها داود فزوجت منه لجلالته فاغتم لذلك أوريا، فعتب الله عليه حيث لم يتركها لخاطبها. الخامس أنه لم يجزع على قتل أوريا كما كان يجزع على من هلك من الجند، ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك، لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة. السادس أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر كما قدمنا.
وأقول الظاهر من الخصومة التي وقعت بين الملكين تعريضاً لداود عليه السلام أنه طلب من زوج المرأة الواحدة أن ينزل له عنها ويضمها إلى نسائه، ولا ينافي هذا العصمة الكائنة للأنبياء، فقد نبه الله على ذلك وعرض له بإرسال ملائكته إليه ليتخاصموا في مثل قصته حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه فاستغفر وتاب. وقد قال سبحانه: "وعصى آدم ربه فغوى" وهو أبو البشر وأول الأنبياء، ووقع لغيره من الأنبياء ما قصه الله علينا في كتابه.
24. " قال "، داود، " لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه "، أي: بسؤال نعجتك ليضمها إلى نعاجه.
فإن قيل: كيف قال لقد ظلمك ولم يكن سمع قول صاحبه؟.
قيل: معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك، وقيل: قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما يقول.
" وإن كثيراً من الخلطاء "، الشركاء، " ليبغي بعضهم على بعض "، يظلم بعضهم بعضاً، " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "، فإنهم لا يظلمون أحداً. " وقليل ما هم "، أي: قليل هم، و (( ما )) صلة يعني: الصالحين الذين لا يظلمون قليل.
قالوا: فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك وصعد إلى السماء، فعلم داود أن الله تعالى قد ابتلاه، وذلك قوله:
" وظن داود "، أيقن وعلم، " أنما فتناه "، إنما ابتليناه.
وقال السدي بإسناده: أن أحدهما لما قال: (( هذا أخي )) الآية، قال داود للآخر: ما تقول؟ فقال: إن لي تسعاً وتسعين نعجة ولأخي نعجة واحدة وأنا أريد أن آخذها منه فأكمل نعاجي مائة، قال: وهو كاره، إذاً لا ندعك وإن رمت ذلك ضربت منك هذا وهذا وهذا، يعني: طرف الأنف وأصله والجبهة، فقال: يا داود أنت أحق بذلك حيث لم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة، ولك تسع وتسعون امرأة، فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته، فنظر داود فلم ير أحداً فعرف ما وقع فيه.
وقال القائلون بتنزيه الأنبياء في هذه القصة: إن ذنب داود إنما كان أنه تمنى أن تكون امرأة أوريا حلالاً له، فاتفق غزو أوريا وتقدمه في الحرب وهلاكه، فلما بلغ قتله داود لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده إذا هلك، ثم تزوج امرأته، فعاتبه الله على ذلك، لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله.
وقيل: كان ذنب داود أن أوريا كان خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها، فلما غاب في غزاته خطبها داود فتزوجت منه لجلالته، فاغتم لذلك أوريا، فعاتبه الله على ذلك حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها وعنده تسع وتسعون امرأة.
أخبرنا أبو سعيد لبشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي قال: ومما يصدق ما ذكرنا عن المتقدمين ما أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد الفقيه أن المعافى بن زكريا القاضي ببغداد أخبره عن محمد بن جرير الطبري ، قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصيرفي ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه سمعه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم أن يجمع على بني إسرائيل وأوصى صاحب البعث، فقال إذا حضر العدو فقرب فلاناً بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به وبمن قدم بين يدي التابوت، فلم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان يقصان عليه قصته، ففطن داود فسجد ومكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه وهو يقول في سجوده: رب زل داود زلةً أبعد مما بين المشرق والمغرب، رب إن لم ترحم ضعف داود، ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلق من بعده، فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به، فقال داود: إن الرب قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة، فقال: يارب دمي الذي عند داود، فقال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك وإن شئت لأفعلن، فقال: نعم، فعرج جبريل وسجد داود، فمكث ما شاء الله ثم نزل جبريل، فقال: سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يارب، فيقول: إن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضاً عنه ".
وروي عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، و وهب بن منبه قالوا جميعاً: إن داود لما دخل عليه الملكان فقضى على نفسه، فتحولا في صورتهما فعرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، وعلم داود إنما عني به فخر ساجداً أربعين يوماً، لا يرفع رأسه إلا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة، ثم يعود ساجداً تمام أربعين يوماً، لا يأكل ولا يشرب، وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو ينادي ربه عز وجل، ويسأل التوبة، وكان من دعائه في سجوده: سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء، سبحان خالق النور، سبحان الحائل بين القلوب، سبحان خالق النور، إلهي أنت خليت بيني وبين عدوي إبليس فبم أقم لفتنته إذ نزل بي، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان من سابق علمك ما أنا إليه صائر، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء، فيقال: هذا داود الخاطئ، سبحان خالق النور، إلهي بأي عين انظر إليك يوم القيامة، وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي، [سبحان خالق النوري، إلهي بأي قدم أمشي أمامك وأقوم بين يديك يوم القيامة يوم تزول أقدام الخاطئين، سبحان خالق النور، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده؟ سبحان خالق النور،إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك، فكيف أطيق حر نارك؟ سبحان خالق النور،إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك؟ فكيف أطيق سوط جهنم؟ سبحان خالق النور،إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب، سبحان خالق النور،إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري، سبحان خالق النور،إلهي برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواي، سبحان خالق النور،إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني، سبحان خالق النور، فررت إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين، ولا تخزني يوم الدين، سبحان خالق النور.
وقال مجاهد : مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينه حتى غطى رأسه، فنودي: يا داود أجائع فتطعم؟ أو ظمآن فتسقى؟ أو عار فتكسى؟ فأجيب في غير ما طلب، قال فنحب نحبةً هاج لها العود فاحترق من حر جوفه، ثم أنزل الله له التوبة والمغفرة.
قال وهب : إن داود أتاه نداء: أني قد غفرت لك، قال: يارب كيف وأنت لا تظلم أحداً؟ قال: اذهب إلى قبر أوريا فناده، فأنا أسمعه نداءك فتحلل منه، قال: فانطلق وقد لبس المسوح حتى جلس عند قبره، ثم نادى أوريا فقال: لبيك من هذا الذي قطع علي لذتي وأيقظني؟ قال: أنا داود، قال: ما جاء بك يا نبي الله، قال: أسألك أن تجعلني في حل مما كان مني إليك، قال: وما كان منك إلي؟ قال: عرضتك للقتل، قال: عرضتني للجنة فأنت حل، فأوحى الله إليه: يا داود ألم تعلم أني حكم لا أقضي بالعنت، ألا أعلمته أنك قد تزوجت امرأته؟ قال فرجع فناداه فأجابه فقال: من هذا الذي قطع علي لذتي؟ قال: أنا داود، قال: يا نبي الله أليس قد عفوت عنك؟ قال: نعم ولكن إنما فعلت ذلك بك لمكان امرأتك وقد تزوجتها، قال: فسكت ولم يجبه، ودعاه فلم يجبه، وعاوده فلم يجبه، فقام على قبره وجعل التراب على رأسه، ثم نادى: الويل لداود ثم الويل الطويل لداود، سبحان خالق النور، والويل لداود إذا نصبت الموازين بالقسط، سبحان خالق النور،الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم، سبحان خالق النور، الويل ثم الويل الطويل له جين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار، سبحان خالق النور، فأتاه نداء من السماء: يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت بكاءك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك، قال: يارب كيف وصاحبي لم يعف عني؟ قال: يا داود أعطيه من الثواب يوم القيامة ما لم تر عيناه ولم تسمع أذناه، فأقول له رضي عبدي؟ فيقول: يارب من أين لي هذا ولم يبلغه عملي؟ هذا عوض من عبدي داود فأستوهبك منه فيهبك لي، قال: يارب الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي. فذلك قوله تعالى: " فاستغفر ربه وخر راكعاً "، أي ساجداً، عبر بالركوع عن السجود، لأن كل واحد في انحناء.
قال الحسين بن الفضل : سألني عبد الله بن طاهر عن قوله: (( وخر راكعاً )) هل يقال للراكع: خر؟ قلت: لا، ومعناه، فخر بعدما كان راكعاً، أي: سجد. " وأناب "، أي: رجع وتاب.
24-" قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه " جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه ولعه قال ذلك بعد اعترافه ، أو على تقدير صدق المدعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة . " وإن كثيراً من الخلطاء " الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط " ليبغي " ليتعدى " بعضهم على بعض " وقرئ بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله :
اضرب عنك الهموم طارقها
وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة . " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم " أي وهم قليل ، و " ما " مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم . "وظن داود أنما فتناه " ابتليناه بالذنب أو امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها . " فاستغفر ربه " لذنبه . " وخر راكعاً " ساجداً على تسمية السجود ركوعاً لأنه مبدؤه ، أو خر للسجود راكعاً أي مصلياً كأنه أحرم بركعتي الاستغفار ." وأناب " ورجع إلى الله بالتوبة ، وأقصى ما في هذه القضية الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ود أن يكون له ما لغيره ، وكان له أمثاله فنبهه الله بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه . وما روي أن بصره وقع على امرأة فعشقها وسعى حتى تزوجها وولدت منه سليمان ، إن صح فلعله خطب مخطوبته أو استنزله عن زوجته ، وكان ذلك معتاداً فيما بينهم وقد واسى الأنصار المهاجرين بهذا المعنى . وما قيل إنه أرسل أوريا إلى الجهاد مراراً وأمر أن يقدم حتى قتل فتزوجها هزء وافتراء ، ولذلك قال علي رضي الله عنه : من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين .وقيل إن قوماً قصدوا أن يقتلوه فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده أقواماً فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم غرضهم وأراد أن ينتقم منهم ، فظن أن ذلك ابتلاء من الله له " فاستغفر ربه " مما هم به " وأناب " .
24. (David) said : He hath wronged thee in demanding thine ewe in addition to his ewes, and lo! many partners oppress one another, save such as believe and do good works, and they are few. And David guessed that We had tried him, and he sought forgiveness of his Lord, and he bowed himself and fell down prostrate and repented.
24 - (David) said: He has undoubtedly wronged thee in demanding thy (single) ewe to be added to his (flock of) ewes: truly many are the Partners (in business) who wrong each other: not so do those who believe and work deeds of righteousness, And how few are they? And David gathered that we had tried him: he asked forgiveness of his Lord, fell down, bowing (in prostration), and turned (to God in repentance).