[ص : 17] اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
17 - (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد) القوة في العبادة كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه (إنه أواب) رجاع إلى مرضاة الله
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك ، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك ، ثم جاعلو العلو والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا، فاذكره ذا الأيد، ويعني بقوله "ذا الأيد" ذا القوة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبى، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "داود ذا الأيد" قال : ذا القوة.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "ذا الأيد" قال : ذا القوة في طاعة الله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "واذكر عبدنا داود ذا الأيد" قال : أعطي قوة في العبادة، وفقها في الإسلام.
وقد ذكر لنا أن داود صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال ثنا أسباط، عن السدي ، قوله "داود ذا الأيد" ذا القوة في طاعة الله.
حدثني يونس قال : قال ابن زيد، في قوله "داود ذا الأيد" قال : ذا القوة في عبادة الله ، الأيد : القوة ، وقرأ "والسماء بنيناها بأيد" قال : بقوة .
وقوله "إنه أواب" يقول : إن داود رجاع لما يكرهه الله إلى ما يرضيه أواب، وهو من قولهم : آب الرجل إلى أهله : إذا رجع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "إنه أواب" قال : رجاع عن الذنوب .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "إنه أواب" قال : الراجع عن الذنوب.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "إنه أواب": أي كان مطيعاً لله كثير الصلاة.
حدثنا محمد بن الحسين، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي، قوله "إنه أواب" قال : المسبح.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "إنه أواب" قال : الأواب التواب الذي يئوب إلى طاعة الله ويرجع إليها ، وذلك الأواب ، قال : والأواب : المطيع .
قوله تعالى : " اصبر على ما يقولون " أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر لما استهزءوا به . وهذه منسوخة بآية السيف .
قوله تعالى : " واذكر عبدنا داود ذا الأيد " لما ذكر من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على أذاهم ، وسلاه بكل ما تقدم ذكره . ثم أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء ، ليتسلى بصبر من صبر منهم ، وليعلم أن له في الآخرة أضعاف ما أعطيه داود وغيره من الأنبياء . وقيل : المعنى اصبر على قولهم ، واذكر لهم أقاصيص الأنبياء ، لتكون برهاناً على صحة نبوتك . < ذا الأيد > ذا القوة في العبادة . وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وذلك أشد الصوم وأفضله ، وكان يصلي نصف الليل ، وكان لا يفر إذا لاقى العدو ، وكان قوياً في الدعاء إلى الله تعالى . وقوله : < عبدنا > إظهاراً لشرفه بهذه الإضافة . ويقال : الأيد والاد كما تقول العيب والعاب قال :
* لم يك يناد فأمسى انادا *
ومنه رجل أيد أي قوي وتأيد الشيء تقوى ، قال الشاعر :
إذا القوس وترها أيد رمى فأصاب الكلى والدوا
يقول : إذا الله وتر القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل واسنمتها بالشحم . يعني من النبات الذي يكون من المطر . " إنه أواب " قال الضحاك : أي تواب . وعن غيره : أنه كلما ذكر ذنبه أو خطر على باله استغفر منه ، " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة " .
ويقال آب يؤوب إذا رجع ، كما قال :
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
فكان داود رجاعاً إلى طاعة الله ورضاه في كل أمر فهو أهل لأن يقتدى به .
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد والأيد القوة في العلم والعمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وابن زيد, الأيد القوة, وقرأ ابن زيد "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وقال مجاهد الأيد القوة في الطاعة. وقال قتادة أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقهاً في الإسلام, وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر, وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود, وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وأنه كان أواباً" وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشؤونه.
وقوله تعالى: "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال عز وجل: "يا جبال أوبي معه والطير" وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعاً له. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغه أن أم هانىء رضي الله عنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول عز وجل: " يسبحن بالعشي والإشراق " ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس رضي الله عنهما كان لا يصلي الضحى فأدخلته على أم هانىء رضي الله عنها فقلت أخبري هذا ما أخبرتني به فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء قريب بعضهن من بعض فخرج ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الان "يسبحن بالعشي والإشراق" وكنت أقول أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول صلاة الإشراق ولهذا قال عز وجل: "والطير محشورة" أي محبوسة في الهواء "كل له أواب" أي مطيع يسبح تبعاً له, وقال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد "كل له أواب" أي مطيع.
وقوله تعالى: "وشددنا ملكه" أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك, قال ابن أبي نجي عن مجاهد كان أشد أهل الدنيا سلطاناً, وقال السدي كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف, وقال بعض السلف بلغني أنه كان يحرسه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفاً لا تدور عليهم النوبة إلى مثلها من العام القابل, وقال غيره أربعون ألفاً مشتملون بالسلاح, وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الاخر إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه اغتصبه بقراً فأنكر الاخر ولم يكن للمدعي بينة فأرجأ أمرهما فلما كان الليل أمر داود عليه الصلاة والسلام في المنام بقتل المدعي, فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي فقال يا نبي الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري ؟ فقال له إن الله تعالى أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة, فقال والله إن الله لم يأمر بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه وإني لصادق فيما ادعيت ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد فأمر به داود عليه السلام فقتل, قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وهو الذي يقول الله عز وجل "وشددنا ملكه".
وقوله عز وعلا: "وآتيناه الحكمة" قال مجاهد يعني الفهم والعقل والفطنة, وقال مرة: الحكمة والعدل, وقال مرة: الصواب, وقال قتادة كتاب الله واتباع ما فيه, فقال السدي "الحكمة" النبوة وقوله جل جلاله "وفصل الخطاب" قال شريح القاضي والشعبي: فصل الخطاب الشهود والأيمان وقال قتادة شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذي فصل به الأنبياء والرسل أو قال المؤمنون والصالحون وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة, وكذا قال أبو عبد الرحمن السلمي وقال مجاهد والسدي هو إصابة القضاء وفهم ذلك وقال مجاهد أيضاً هو الفصل في الكلام وفي الحكم وهذا يشمل هذا كله وهو المراد واختاره ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شيبة النميري حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أول من قال: أما بعد داود عليه السلام وهو فصل الخطاب, وكذا قال الشعبي فصل الخطاب: أما بعد.
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يصبر على ما يسمعه من أقوالهم فقال 17- "اصبر على ما يقولون" من أقوالهم الباطلة التي هذا القول المحكي عنهم من جملتها، وهذه الآية منسوخة بآية السيف "واذكر عبدنا داود ذا الأيد" لما فرغ من ذكر قرون الضلالة، وأمم الكفر والتكذيب، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يسمعه زاد في تسليته بذكر قصة داود وما بعدها. ومعنى "اذكر عبدنا داود" اذكر قصته فإنك تجد فيها ما تتسلى به، والأيد: القوة ومنه رجل أيد: أي قوي، وتأيد الشيء: تقوى والمراد ما كان فيه عليه السلام من القوة على العباد. قال الزجاج: وكانت قوة داود على العبادة أتم قوة، ومن قوته ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يصلي نصف الليل وكان لا يفر إذا لاقى العدو، وجملة "إنه أواب" تعليل لكونه ذا الأيد، والأواب: الرجاع عن كل ما يكرهه الله سبحانه إلى ما يحبه، ولا يستطيع ذلك إلا من كان قوياً في دينه. وقيل: معناه كلما ذكر ذنبه استغفر منه وتاب عنه، وهذا داخل تحت المعنى الأول، يقال آب يؤوب: إذا رجع.
17. قال الله تعالى: " اصبر على ما يقولون "، [أي على ما يقوله] الكفار من تكذيبك، " واذكر عبدنا داود ذا الأيد "، قال ابن عباس: أي القوة في العبادة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه ".
وقيل: ذو القوة في الملك.
" إنه أواب "، رجاع إلى الله عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره، قال ابن عباس: مطيع. قال سعيد بن جبير : مسبح بلغة الحبش.
17-" اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود " واذكر لهم قصته تعظيماً للمعصية في أعينهم ، فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان ، أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال . " ذا الأيد " ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد و آد وأياد بمعنى ز " إنه أواب " رجاع إلى مرضاة الله تعالى، وهو تعليل لـ " الأيد " ودليل على أن المراد به القوة في الدين ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويقوم نصف الليل .
17. Bear with what they say, and remember Our bondman David, lord of might. Lo! he was ever turning in repentance (toward Allah).
17 - Have patience at what they say, and remember Our Servant David, the men of strength for he ever turned (to God).