[ص : 12] كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ
12 - (كذبت قبلهم قوم نوح) تأنيث قوم باعتبار المعنى (وعاد وفرعون ذو الأوتاد) كان يتد لكل من يغضب عليه أربعة أوتاد يشد إليها يديه ورجليه ويعذبه
يقول تعالى ذكره : كذبت قبل هؤلاء المشركين من قريش ، القائلين : أجعل الآلهة إلهاً واحداً، رسلها ، قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد.
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله قيل لفرعون ذو الأوتاد، فقال بعضهم : قيل ذلك له لأنه كانت له ملاعب من أوتاد، يلعب له عليها.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن علي بن الهيثم ، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "وفرعون ذي الأوتاد" قال : كانت ملاعب يلعب له تحتها.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "وفرعون ذو الأوتاد" قال : كان له أوتاد وأرسان ، وملاعب يلعب له عليها.
وقال آخرون : بل قيل ذلك له كذلك لتعذيبه الناس بالأوتاد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قول "ذو الأوتاد" قال : كان يعذب الناس بالأوتاد، يعذبهم بأربعة أوتاد، ثم يرفع صخرة تمد بالحبال ، ثم تلقى عليه فتشدخه . .
حدثت عن علي بن الهيثم ، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال : كان يعذب الناس بالأوتاد.
وقال آخرون : معنى ذلك : ذو البنيان ، قالوا : والبنيان : هو الأوتاد.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن المحاربي ، عن جويبر، عن الضحاك "ذو الأوتاد" قال : ذو البنيان . ، وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني بذلك الأوتاد، إما لتعذيب الناس ، وإما للعب ، كان يلعب له بها، وذلك أن ذلك هو المعروف من معنى الأوتاد. وثمود وقوم لوط ، وقد ذكرنا أخبار كل هو علاء فيما مضى قبل من كتابنا هذا.
قوله تعالى : " كذبت قبلهم قوم نوح " ذكرها تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له ، أي هؤلاء من قومك يا محمد جند من الأحزاب المتقدمين الذين تحزبوا على أنبيائهم ، وقد كانوا أقوى من هؤلاء فأهلكوا . وذكر الله تعالى القوم بلفظ التأنيث ،واختلف أهل العربية في ذلك على قولين : أحدهما -أنه قد يجوز فيه التذكير والتأنيث . الثاني - أنه مذكر اللفظ لا يجوز تأنيثه ، إلا أن يقع المعنى على العشيرة والقبيلة ، فيغلب في اللفظ حكم المعنى المضمر تنبيهاً عليه ، كقوله تعالى : " كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره " [ عبس : 11 -12 ] ولم يقل ذكرها ، لأنه لما كان المضمر فيه مذكراً ذكره ، وإن كان اللفظ مقتضياً للتأنيث . ووصف فرعون بأنه ذو الأوتاد . وقد اختلف في تأويل ذلك ، فقال ابن عباس : المعنى ذو البناء المحكم . وقال الضحاك كان كثير البنيان ، والبنيان يسمى أوتاداً . وعن ابن عباس أيضاً و قتادة و عطاء : أنه كان له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب له عليها . وعن الضحاك أيضاً : ذو القوة والبطش . وقال الكلبي و مقاتل كان يعذب الناس بالأوتاد وكان إذا غضب على أحد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد في الأرض ، ويرسل عليه العقارب والحيات حتى يموت . وقيل : كان يشبح المعذب بين أربعة سوار . كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه وتد من حديد ويتركه حتى يموت . وقيل : ذو الأوتاد أي ذو الجنود الكثيرة فسميت الجنود أوتاداً ، لأنهم يقوون أمره كما يقوي الوتد البيت . وقال ابن قتيبة : العرب تقول هم في عز ثابت الأوتاد ، يريدون دائماً شديداً . فأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالأوتاد . قال الأسود بن يعفر :
ولقد غنى فيها بإنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
وواحد الأوتاد وتد بالكسر ، وبالفتح لغة . وقال الأصمعي يقال وتد واتد كما يقال : شغل شاغل . وأنشد :
لاقت على الماء جذيلا واتداً ولم يكن يخلفها المواعدا
قال : شبه الرجل بالجذل .
يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء القرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال والنقمات في مخالفة الرسل وتكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقد تقدمت قصصهم مبسوطة في أماكن متعددة وقوله تعالى: "أولئك الأحزاب" أي كانوا أكثر منكم وأشد قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فما دفع ذلك عنهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك ولهذا قال عز وجل: "إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب" فجعل علة إهلاكهم هو تكذيبهم بالرسل فليحذر المخاطبون من ذلك أشد الحذر.
وقوله تعالى: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق" قال مالك عن زيد بن أسلم: أي ليس لها مثنوية أي ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها أي فقد اقتربت ودنت وأزفت وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله تعالى إسرافيل أن يطولها فلا يبقى أحد من أهل السموات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله عز وجل.
وقوله جل جلاله: "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب" هذا إنكار من الله تعالى على المشركين في دعائهم على أنفسهم بتعجيل العذاب فإن القط هو الكتاب وقيل هو الحظ والنصيب. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والضحاك والحسن وغير واحد سألوا تعجيل العذاب, زاد قتادة كما قالوا "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" وقيل سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة إن كانت موجودة ليلقوا ذاك في الدنيا وإنما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد والتكذيب. وقال ابن جرير سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير أو الشر في الدنيا وهذا الذي قاله جيد وعليه يدور كلام الضحاك وإسماعيل بن أبي خالد والله أعلم. ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد. قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً له بالصبر على أذاهم ومبشراً له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر.
لما ذكر سبحانه أحوال الكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أمثالهم ممن تقدمهم وعمل عملهم من الكفر والتكذيب، فقال: 12- "كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد" قال المفسرون: كانت له أوتاد يعذب بها الناس، وذلك أنه كان إذا غضب على أحد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض. وقيل المراد بالأوتاد: الجموع والجنود الكثيرة، يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون سلطانه كما تقوي الأوتاد ما ضربت عليه، فالكلام خارج مخرج الاستعارة على هذا. قال ابن قتيبة: العرب تقول هم في عز ثابت الأوتاد، وملك ثابت الأوتاد، يريدون ملكاً دائماً شديداً، وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالأوتاد. وقيل المراد بالأوتاد هنا البناء المحكم: أي وفرعون ذو الأبنية المحكمة. قال الضحاك: والبنيان يسمى أوتاداً، والأوتاد جمع وتد أفصحها فتح الواو وكسر التاء، ويقال وتد بفتحها وود بإدغام التاء في الدال وودت. قال الأصمعي ويقال وتد واتد مثل شغل شاغل وأنشد:
لاقت على الما جديلاً واتدا ولم يكن يخلفها المواعدا
12. " كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد "، قال ابن عباس، ومحمد بن كعب: ذو البناء المحكم، وقيل: أراد ذو الملك الشديد الثابت.
وقال القتيبي : تقول العرب: هم في عز ثابت الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد.
وقال الأسود بنيعفر:
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
فأصل هذا أن بيوتهم كانت تثبت بالأوتاد.
وقال الضحاك : ذو القوة والبطش. وقال عطية : ذو الجنود والجموع الكثيرة، يعني: أنهم كانوا يقوون أمره، ويشدون ملكه، كما يقوي الوتد الشيء، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم، وهو رواية عطية عن ابن عباس.
وقال الكلبي و مقاتل : (( الأوتاد )): جمع الوتد، وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها، وكان إذا غضب على أحد مده مستلقياً بين اربعة أوتاد، وشد كل يد ورجل منه إلى سارية، ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت.
وقال مجاهد ، و مقاتل بن حيان : كان يمد الرجل مستلقياً على الأرض، يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد.
وقال السدي : كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات.
وقال قتادة و عطاء : كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه.
12-" كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد " ذو الملك الثابت بالأوتاد كقوله:
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
مأخوذ من ثبات البيت المطنب بأوتاده ، أو ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضاً كالوتد يشد البناء . وقيل نصب أربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليها ويضرب عليها أوتاداً ويتركه حتى يموت .
12. The folk of Noah before them denied (their messenger) and (so did the tribe of) Aad, and Pharaoh firmly planted,
12 - Before them (were many who) rejected apostles, the People of Noah, and Ad, and Pharaoh the Lord of Stakes,