[الصافات : 8] لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ
8 - (لا يسمعون) أي الشياطين مستأنف وسماعهم هو في المعنى المحفوظ عنه (إلى الملأ الأعلى) الملائكة في السماء وعدي السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء وفي قراءة بتشديد الميم والسين أصله يتسمعون ادغمت التاء في السين (ويقذفون) الشياطين بالشهب (من كل جانب) من آفاق السماء
وقوله: "لا يسمعون إلى الملإ الأعلى" اختلفت القراء في قراءة قوله "لا يسمعون"، فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض الكوفيين : لا يسمعون بتخفيف السين من يسمعون، بمعنى أنهم يتسمعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين بعد لا يسمعون ، فمعنى : لا يتسمعون ، ثم أدغموا التاء في السين فشددوها.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف ، لأن الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، أن الشياطين قد تتسمع الوحي ، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع.
ذكر رواية بعض ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : كانت للشياطين مقاعد في السماء، قال : فكانوا يسمعون الوحي ، قال : وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا ترمى ، قال : فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض ، فزادوا في الكلمة تسعاً قال : فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب ، فلم يخطه حتى يحرقه ، قال : فشكوا ذلك إلى إبليس ، فقال ،: ما هو إلا لأمر حدث، قال : فبعث جنوده ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة -قال أبوكريب : قال وكيع : يعني بطن نخلة- قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه ، قال : فقال هذا الذي حدث.
حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفي قالا: ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : كانت الجن يصعدون إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي ، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فيكون باطلاً فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم ، فذكروا ذلك لإبليس ، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبليس : ما هذا إلا لأمر حدث في الأرض ، فبعث جنوده ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي ، فأتوه فأخبروه ، فتال : هذا الحدث الذي حدث.
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال: كانت الجن لهم مقاعد، ثم ذكر نحوه.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن ابن عباس ، قال : حدثني رهط من الأنصار، قالوا : "بينا نحن جلوس ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ رأى كوكباً رمي به ، فقال : ما تقولون في هذا الكوكب الذي يرمى به ؟ فقلنا : يولد مولود، أو يهلك هالك ، ويموت ملك ويملك ملك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس كذلك ، ولكن الله كان إذا قضى أمراً في السماء سبح لذلك حملة العرش ، فيسبح لتسبيحهم من يليهم من تحتهم من الملائكة، فما يزالون كذلك حتى ينتهي التسبيح إلى السماء الدنيا، فيقول أهل السماء الدنيا لمن يليهم من الملائكة : مم سبحتم ؟ فيقولون : ما ندري ، سمعنا من فوقنا من الملائكة سبحوا فسبحنا الله لتسبيحهم ولكنا سنسأل ، فيسألون من فوقهم ، فما يزالون كذلك حتى ينتهي إلى حملة العرش ، فيقولون : قضى الله كذا وكذا، فيخبرون به من يليهم حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا، فتسترق الجن ما يقولون ، فينزلون إلى أوليائهم من الإنس ، فيلقونه على ألسنتهم بتوهم منهم ، فيخبرونهم به ، فيكون بعضه حقاً وبعضه كذباً، فلم تزل الجن كذلك حتى رموا بهذه الشهب".
حدثنا ابن وكيع وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن ابن عباس ، قال : "بينما النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال النبي : ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم ، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإنه لا يرمى به لموت أحد ولا لحياته . ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم حتى يبالغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش : ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم ، ثم يستخبر أهل كل سماء، حتى يبغ الخبر أهل السماء الدنيا، وتخطف الشياطين السمع ، فيرمون ، فيقذفونه إلى أوليائهم ، فما جاءوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يزيدون".
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا محمد بن جعفر، قال : أخبرنا معمر، قال : ثنا ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن ابن عباس قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه ، قال. فرمي بنجم ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه : قلت للزهري : أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال : نعم ، ولكنها غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم".
حدثني علي بن داود، قال : ثنا عاصم بن علي ، قال : ثنا أبي علي بن عاصم، عن عطاء ابن السائب ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : "كان للجن مقاعد في السماء يسمعون الوحي وكان الوحي إذا أوحي سمعت الملائكة كهيئة الحديدة يرمى بها على الصفوان ، فإذا سمعت الملائكة صلصلة الوحي خر لجباههم من في السماء من الملائكة، فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي "قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير" [سبأ: 23] قال : فيتنادون ، قال : ربكم الحق وهو العلي الكبير، قال : فإذا أنزل إلى السماء الدنيا، قالوا : يكون في الأرض كذا وكذا موتاً، وكذا وكذا حياة، وكذا وكذا جدوبة، وكذا وكذا خصباً، وما يريد أن يصنع وما يريد أن يبتدئ تبارك وتعالى ، فنزلت الجن ، فأوحوا إلى أوليائهم من الإنس ، مما يكون في الأرض ، فبينا هم كذلك ، إذ بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ، فزجرت الشياطين عن السماء ورموهم بكواكب ، فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق ، وفزع أهل الأرض لما رأوا في الكواكب ، ولم يكن قبل ذلك ، وقال: هلك من في السماء، وكان أهل الطائف أول من فزع ، فينطلق الرجل إلى إبله ، فينحر كل يوم بعيراً لآلهتهم ، وينطلق صاحب الغنم ، فيذبح كل يوم شاة، وينطلق صاحب البقر، فيذبح كل يوم بقرة، فقال لهم رجل : ويلكم لا تهلكوا أموالكم ، فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء ، فأقلعوا وقد أسرعوا في أموالهم . وقال إبليس : حدث في الأرض حدث فأتي من كل أرض بتربة، فجعل لا يؤتي بتربة أرض إلا شمها، فلما أتي بتربة تهامة قال : ههنا حدث الحدث ، وصرف الله إليه نفراً من الجن وهو يقرأ القرآن ، فقالوا "إنا سمعنا قرآنا عجبا" [الجن: 1] حتى ختم الآية. فولوا إلى قومهم منذرين".
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة، عن عائشة أنها قالت :" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر ما قضى في السماء، فتسترق الشياطين السمع ، فتسمعه فتوحيه إلى الكقان ، فيكذبون معها مئة كذبة من عثد أنفسهم ، فهذه الأخبار تنبئ عن أن الشياطين تسمع ، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع.
فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام إلى، كان التسمع أولى بالكلام من السمع ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أن العرب تقول : سمعت فلاناً يقول كذا، وسمعت إلى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان".
وتأويل الكلام : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد أن لا يسمع إلى الملأ الأعلى، فحذفت إن اكتفاء بدلالة الكلام عليها، كما قيل : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به ، بمعنى : أن لا يؤمنوا به ، ولو كان مكان لا أن ، لكان فصيحاً، كما قيل : "يبين الله لكم أن تضلوا" [النساء: 176]بمعنى : أن لا تضلوا، وكما قال : "وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم" [النحل :15] بمعنى : أن لا تميد بكم . والعرب قد تجزم مع لا في مثل هذا الموضع من الكلام ، فتقول : ربطت الفرس لا ينفلت ، كما قال بعض بني عقيل:
وحتى رأينا أحسن الود بيننا مساكنةً لا يقرف الشر قارف
ويروى : لا يقرف رفعاً ، والرفع لغة أهل الحجاز فيما قيل.
وقال قتادة في ذلك ما:
حدثني بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "لا يسمعون إلى الملإ الأعلى" قال : منعوها. ويعني بقوله "إلى الملإ" : إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم.
وقوله "ويقذفون من كل جانب * دحورا" ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دحورا والدحور: مصدر من قولك : دحرته أدحره دحراً ودحوراً ، والدحر: الدفع الإبعاد، يقال منه : ادحر عنك الشيطان : أي ادفعه عنك وأبعده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ويقذفون من كل جانب * دحورا" قذفاً بالشهب.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "ويقذفون" يرمون "من كل جانب" قال : من كل مكان.
قوله تعالى : " لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " قال أبو حاتم : أي لئلا يسمعوا ثم حذف < أن > فرفع الفعل . الملأ الأعلى : أهل السماء الدنيا فما فوقها ، وسمي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملإ الأرض . الضمير في < يسمعون > للشياطين . وقرأ جمهور الناس < يسمعون > بسكون السين وتخفيف الميم . وقرأ حمزة و عاصم في رواية حفص < لا يسمعون > بتشديد السين والميم من التسميع . فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون ، وهو المعنى الصحيح ، ويعضده قوله تعالى : " إنهم عن السمع لمعزولون " [ الشعراء : 212 ] . وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع . قال مجاهد : كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون . وروي عن ابن عباس < لايسمعون إلى الملإ > قال : هم لا يسمعون ولا يتسمعون . وأصل < يسمعون > يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها . واختارها أبو عبيد ، لأن العرب لا تكاد تقول : سمعت إليه وتقول تسمعت إليه . " ويقذفون من كل جانب " أي يرمون من كل جانب ، أي بالشهب .
يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب, قرىء بالإضافة وبالبدل وكلاهما بمعنى واحد فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض كما قال تبارك وتعالى: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير " وقال عز وجل "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين" فقوله جل وعلا ههنا: "وحفظاً" تقديره وحفظناها حفظاً "من كل شيطان مارد" يعني المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ولهذا قال جل جلاله " لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " أي لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى وهي السموات ومن فيها من الملائكة إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مما يقوله من شرعه وقدرته كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تبارك وتعالى: "حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير" ولهذا قال تعالى: "ويقذفون" أي يرمون "من كل جانب" أي من كل جهة يقصدون السماء منها "دحوراً" أي رجماً يدحرون به ويزجرون ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون "ولهم عذاب واصب" أي في الدار الاخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر كما قال جلت عظمته "وأعتدنا لهم عذاب السعير" وقوله تبارك وتعالى: "إلا من خطف الخطفة" أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الاخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الأخر إلى الكاهن كما تقدم في الحديث ولهذا قال "إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب" أي مستنير. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للشياطين مقاعد في السماء قال فكانوا يستمعون الوحي قال وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا ترمى قال فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعاً قال فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قصد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه قال فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله فقال ما هو إلا من أمر حدث قال فبعث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة قال وكيع يعني بطن نخلة قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه فقال هذا الذي حدث, وستأتي إن شاء الله تعالى الأحاديث الواردة مع الاثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخباراً عن الجن أنهم قالوا " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ".
8- وجملة " لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " مستأنفة لبيان حالهم بعد السماء منهم . وقال أبو حاتم : أي لئلا يسمعوا ، ثم حذف إن فرفع الفعل ، وكذا قال الكلبي ، والملأ الأعلى : أهل السماء الدنيا فما فوقها ، وسمي الكل منهم أعلى بإضافته إلى ملإ الأرض ، والضمير في يسمعون إلى الشياطين . وقيل إن جملة لا يسمعون صفة لكل شيطان ، وقيل جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل : فما كان حالهم بعد حفظ السماء عنهم ؟ فقال : " لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " قرأ الجمهور يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم . وقرأ حمزة و الكسائي و عاصم في رواية حفص عنه بتشديد الميم والسين ، والأصل يتسمعون فأدغم التاء في السين ، فالقراءة الأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم ، والقراءة الثانية تدل على انتفائهما وفي معنى القراءة الأولى قوله تعالى :" إنهم عن السمع لمعزولون " قال مجاهد : كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون. واختار أبوعبيدة القراءة الثانية ، قال : لأن العرب لا تكاد تقول : سمعت إليه ، وتقول تسمعت إليه .
8. " لا يسمعون "، قرأ حمزة ، و الكسائي ، وحفص: (( يسمعون )) بتشديد السين والميم، أي: لا يتسمعون، فأدغمت التاء في السين، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم، " إلى الملإ الأعلى "، أي: إلى الكتبة من الملائكة.
و (( الملأ الأعلى )) هم الملائكة لأنهم في السماء، ومعناه: أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى، " ويقذفون "، يرمون، " من كل جانب "، من آفاق السماء بالشهب.
8-" لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " كلام مبتدأ لبيان حالهم بعدما حفظ السماء عنهم ، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن و اهدارها كقوله :
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى فإن اجتماع ذلك منكر والضمير لـ " كل " باعتبار المعنى ، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلاً لما يمنعهم عنه ، ويدل عليه قراءة حمزة و الكسائي و حفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و " الملإ الأعلى " الملائكة وأشرافهم ز " ويقذفون " ويرمون . " من كل جانب " من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده .
8. They cannot listen to the Highest Chiefs for they are pelted from every side,
8 - (So) they should not strain their ears in the direction of the Exalted Assembly but be cast away from every side,