[الصافات : 5] رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ
5 - (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) أي والمغارب للشمس لها كل يوم مشرق ومغرب
وقوله "رب السماوات والأرض وما بينهما" يقول : واحد خالق السماوات السبع وما بينهما من الخلق ، ومالك ذلك كله ، والقيم على جميع ذلك ، يقول : فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته ، فلا تعبدوا غيره ، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع ، ولا يخلق شيئاً ولا ينفيه.
واختلف أهل العربية في وجه رفع رب السماوات ، فقال بعض نحوي البصرة : رفع على معنى : إن إلهكم لرب. وقال غيره : هو رد على إن إلهكم لواحد ثم فسر الواحد، فقال : رب السماوات ، وهو رد على واحد. وهذا القول عندي أشبه بالصواب في ذلك ، لأن الخبر هو قوله "لواحد"، وقوله "رب السماوات" ترجمة عنه ، وبيان مردود على إعرابه.
وقوله "ورب المشارق" يقول : ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف غاربها، والقيم على ذلك ومصلحه ، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه ، واستغنى بذكر المشارق من ذكرها ، إذ كان معلوماً أن معها المغارب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "إن إلهكم لواحد" وقع القسم على هذا إن إلهكم لواحد "رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق" قال : مشارق الشمس في الشتاء والصيف.
حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قول "رب المشارق" قال : المشارق ستون وثلاث مئة مشرق ، والمغارب مثلها ، عدد أيام السنة.
ثم تبتديء " رب السماوات والأرض " على معنى هو رب السماوات . النحاس : ويجوز أن يكون < رب السموات والأرض > خبراً بعد خبر ، ويجوز أن يكون بدلاً من < واحد > .
قلت : وعلى هذين الوجهين لا يوقف على < لواحد > . وحكى الأخفش : < رب السموات - ورب المشارق > بالنصب على النعت لاسم إن . بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه < رب السموات والأرض > أي خالقهما ومالكهما " وما بينهما ورب المشارق " أي مالك مطالع الشمس . ابن عباس : للشمس كل يوم مشرق ومغرب ، وذلك أن الله تعالى خلق للشمس تلثمائة وخمس وستين كوة في مطلعها ، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية ، تطلع في كل يوم في كوة منها ، وتغيب في كوة ، لا تطلع في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل . ولا تطلع إلا وهي كارهة فتقول : رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك . ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد ، وابن الأنباري في كتاب الرد عن عكرمة ، قال : " قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر قلبه " قال هو حق فما أنكرتم من ذلك ؟ قلت :أنكرنا قوله :
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد
ليست بطالعة لهم في رسلها إلا معذبة وإلا تجــــــلـد
ما بال الشمس تجلد ؟ فقال : والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك ، فيقولون لها اطلعي اطلعي ، فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله ، فيأتيها ملك فيستقل لضياء بني آدم ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها ، " فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلى بين قرني شيطان وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها " لفظ ابن الأنباري . وذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر :
زحل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لـــــونها يتورد
ليست بطالعة لهم في رسلها إلا معذبة وإلا تجـــــــــلـــد
قال عكرمة : فقلت لابن عباس : يا مولاي أتجلد الشمس ؟ فقال : إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها تخاف العقاب . ودل بذكر المطالع على المغارب ، فلهذا لم يذكر المغارب ، وهو كقوله : " سرابيل تقيكم الحر " [ النحل : 81 ] . وخص المشارق بالذكر ، لأن الشروق قبل الغروب . وقال في سورة < الرحمن > : " رب المشرقين ورب المغربين " [ الرحمن : 17 ] أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار على ما تقدم في < يس > والله أعلم .
قال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "والصافات صفا" وهي الملائكة "فالزاجرات زجراً" هي الملائكة "فالتاليات ذكراً" هي الملائكة, وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وقتادة والربيع بن أنس قال قتادة: الملائكة صفوف في السماء. وقال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعل لنا ترابها طهوراً إذا لم نجد الماء" وقد روى مسلم أيضاً وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟" قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم "يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف" وقال السدي وغيره معنى قوله تعالى: "فالزاجرات زجراً" أنها تزجر السحاب, وقال الربيع بن أنس "فالزاجرات زجراً" ما زجر الله تعالى عنه في القرآن, وكذا روى مالك عن زيد بن أسلم "فالتاليات ذكراً" قال السدي الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس وهذه الاية كقوله تعالى: " فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا ". وقوله عز وجل: " إن إلهكم لواحد * رب السماوات والأرض " هذا هو المقسم عليه أنه تعالى لا إله إلا هو رب السموات والأرض " وما بينهما " أي من المخلوقات "ورب المشارق" أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارات تبدو من المشرق وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه وقد صرح بذلك في قوله عز وجل: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون" وقال تعالى في الاية الاخرى: "رب المشرقين ورب المغربين" يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.
5- "رب السموات والأرض" يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون بدلاً من لواحد وأن يكون خبر مبتدأ محذوف. قال ابن الأنباري: الوقف على لواحد وقف حسن، ثم يبتدئ رب السموات والأرض على معنى هو رب السموات والأرض. قال النحاس: ويجوز أن يكون بدلاً من لواحد. والمعنى في الآية: أن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته، وأنه رب ذلك كله: أي خالقه ومالكه. والمراد بما بينهما: ما بين السموات والأرض من المخلوقات. والمراد بـ"المشارق" مشارق الشمس. قيل إن الله سبحانه خلق للشمس كل يوم مشرقاً ومغرباً بعدد أيام السنة، تطلع كل يوم من واحد منها وتغرب من واحد، كذا قال ابن الأنباري وابن عبد البر. وأما في قوله في سورة الرحمن "رب المشرقين ورب المغربين" فالمراد بالمشرقين: أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في الأيام القصار، وكذلك في المغربين. وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التي تشرق منها الشمس، والجهة التي تغرب منها، ولعله قد تقدم لنا في هذا كلام أوسع من هذا.
5. " رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق "، أي: مطالع الشمس [قيل: أراد به المشارق والمغارب، كما قال في موضع آخر: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب " (المعارج-40)].
فإن قبل: قد قال في موضع: " برب المشارق والمغارب "، وقال في موضع: " رب المشرقين ورب المغربين " (الرحمن-17) وقال في موضع: " رب المشرق والمغرب " (المزمل-9)، فكيف وجه التوفيق بين هذه الآيات؟
قيل: أما قوله: " رب المشرق والمغرب "، أراد به الجهة، فالمشرق جهة والمغرب جهة.
وقوله: " رب المشرقين ورب المغربين " أراد: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وأراد بالمغربين: مغرب الشتاء ومغرب الصيف.
وقوله: (( برب المشارق والمغارب ))، أراد أن الله تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق، وثلاثمائة وستين كوة في المغرب، على عدد أيام السنة، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها، وتغرب في كوة منها، لا ترجع إلى الكوة التي تطلع منها إلى ذلك اليوم من العام المقبل، فهي المشارق والمغارب، وقيل: كأنه أراد رب جميع ما أشرقت عليه الشمس وغربت.
5-" رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق " فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة ، " ورب " بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه ، و " المشارق " مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً ، تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة ، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو ما تختلف أوقات الانتقال .
5. Lord of the heavens and of the earth and all that is between them, and Lord of the sun's risings.
5 - Lord of the heavens and of the earth, and all between them, and Lord of every point at the rising of the sun.