[الصافات : 182] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
182 - (والحمد لله رب العالمين) على نصرهم وهلاك الكافرين
"والحمد لله رب العالمين" يقول تعالى ذكره : والحمد لله رب الثقلين الجن والإنس ، خالصاً دون ما سواه ، لأن كل نعمة لعباده فمنه ، فالحمد له خالص لا شريك له ، كما لا شريك له في نعمه عندهم ، بل كلها من قبله ، ومن عنده.
" والحمد لله رب العالمين " أي على إرسال المرسلين مبشرين ومنذرين . وقيل : أي على جميع ما أنعم الله به على الخلق أجمعين . وقيل : أي على هلاك المشركين ، دليله : " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " [ الأنعام : 45 ] . قلت : والكل مراد والحمد يعم . ومعنى < يصفون > يكذبون ، والتقدير عما يصفون من الكذب .
ينزه تبارك وتعالى نفسه ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون تعالى وتنزه وتقدس عن قولهم علواً كبيراً ولهذا قال تبارك وتعالى: "سبحان ربك رب العزة" أي ذي العزة التي لا ترام "عما يصفون" أي عن قول هؤلاء المعتدين المفترين "وسلام على المرسلين" أي سلام الله عليهم في الدنيا والاخرة لسلامة ما قالوه في ربهم وصحته وحقيته "والحمد لله رب العالمين" أي له الحمد في الأولى والاخرة في كل حال, ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه من النقص قرن بينهما في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة من القرآن ولهذا قال تبارك وتعالى: " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ", وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين فأنا رسول من المرسلين". هكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سعيد عنه كذلك, وقد أسنده ابن أبي حاتم رحمه الله فقال حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو بكر الأعين ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة قالا: حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين" وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا نوح حدثنا أبو هارون عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يسلم قال: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" ثم يسلم, إسناده ضعيف. وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمار بن خالد الواسطي حدثنا شبابة عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم "سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين" " . وروي من وجه آخر متصل موقوف على علي رضي الله عنه قال أبو محمد البغوي في تفسيره: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن منجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن سهلويه حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفية عن الأصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه قال: من أحب ان يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه "سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين" . وروى الطبراني من طريق عبد الله بن صخر بن أنس عن عبد الله بن زيد بن أرقم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال "من قال دبر كل صلاة "سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين" ثلاث مرات فقد اكتال بالجريب الأوفى من الأجر" وقد وردت أحاديث في كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وقد أفردت لها جزءاً على حدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
182- "والحمد لله رب العالمين" إرشاد لعباده إلى حمده على إرسال رسله إليهم مبشرين ومنذرين، وتعليم لهم كيف يصنعون عند إنعامه عليهم وما يثنون عليه به، وقيل إنه الحمد على هلاك المشركين ونصر الرسل عليهم، والأولى أنه حمد لله سبحانه على كل ما أنعم به على خلقه أجمعين كما يفيده حذف المحمود عليه، فإن حذفه مشعر بالتعميم كما تقرر في علم المعاني، والحمد هو الثناء الجميل بقصد التعظيم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً" بقال: زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله "فإنكم وما تعبدون" قال: فإنكم يا معشر المشركين وما تعبدون: يعني الآلهة "ما أنتم عليه بفاتنين" قال: بمضلين "إلا من هو صال الجحيم" يقول: إلا من سبق في علمي أنه سيصلى الجحيم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية يقول: إنكم لا تضلون أنتم ولا أيضاً في الآية قال: لا تفتنون إلا من هو صال الجحيم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه أيضاً في قوله: "وما منا إلا له مقام معلوم" قال الملائكة: "وإنا لنحن الصافون" قال الملائكة: "وإنا لنحن المسبحون" قال: الملائكة. وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة " وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون "" وأخرج محمد بن نصر وابن عساكر عن العلاء بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه "أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد، ثم قرأ " وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون "". وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: "إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائماً أو ساجداً، ثم قرأ " وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون "". وأخرج الترمذي وحسنه ابن جرير وابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، إن السماء أطت وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله" وقد ثبت في الصحيح وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يصفوا كما تصف الملائكة عند ربهم، فقالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال: يقيمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "لو أن عندنا ذكراً من الأولين" قال: لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأولين وعلم الآخرين كفروا بالكتاب "فسوف يعلمون". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال "صبح رسول الله
صلى الله عليه وسلم خيبر وقد خرجوا بالمساحي، فلما نظروا إليه قالوا: محمد والخميس، فقال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" الحديث. وأخرج ابن سعد وابن مردويه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلمتم على المرسلين فسلموا علي فإنما أنا بشر من المرسلين". وأخرج ابن مردويه من طريق أبي العوام عن قتادة عن أنس مرفوعاً نحوه بأطول منه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن مردويه عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال: " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كنا نعرف انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة بقوله: "سبحان ربك" إلى أخر الآية. وأخرج الخطيب نحوه من حديث أبي سعيد. وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قال دبر كل صلاة: " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين "ثلاث مرات، فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر". وأخرج حميد بن زنجويه في ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب نحوه.
وإلى هنا انتهى الجزء الثالث من هذا التفسير المبارك بمعونة الله، المقبول بفضل الله، بقلم مصنفه الحقير محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما، في نهار الخميس الحادي والعشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة تسعو عشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية، حامداً لله شاكراً له مصلياً مسلماً على رسوله وآله، ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة ص.
انتهى سماع هذا الجزء على مؤله حفظه الله في يوم الاثنين غرة شهر جمادي الآخرة سنة 1239هـ.
كتبه
يحيى بن علي الشوكاني
غفر الله لهما
182. " والحمد لله رب العالمين "، على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم السلام.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن سهلويه ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا وكيع ، عن ثابت بن أبي صفية، عن أصبغ بن نباتة، عن علي قال: (( من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه من مجلسه: " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ".
182-" والحمد لله رب العالمين " على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة ولذلك أخره عن التسليم ، والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله . وعن علي رضي الله عنه : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه : سبحان ربك إلى آخر السورة .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان ، وتباعدت عنه مردة الجن والشياطين ، وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمناً بالمرسلين " .
182. And praise be to Allah, Lord of the Worlds!
182 - And Praise to God, the Lord and Cherisher of the Worlds.