[يس : 6] لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ
6 - (لتنذر) به (قوما) متعلق بتنزيل (ما أنذر آباؤهم) أي لم ينذروا في زمن الفترة (فهم) القوم (غافلون) عن الإيمان والرشد
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " فقال بعضهم: معناه: لتنذر قوماً ما أنذر الله من قبلهم من آبائهم.
ذكر من قال:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " قال: قد أنذروا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " قال: بعضهم: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم. وقال بعضهم: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم: أي هذه الأمة لم يأتهم نذير، حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم.
واختلف أهل العربية في معنى ( ما) التي في قوله " ما أنذر آباؤهم " إذا وجه معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا، ولم يرد بها الجحد، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك إذا أريد به غير الجحد: لتنذرهم الذي أنذر آباؤهم " فهم غافلون ". وقال: فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز، والله أعلم. قال: وهو على الجحد أحسن، فيكون معنى الكلام: إنك لمن المرسلين إلى قوم لمن ينذر آباؤهم لأنهم كانوا في الفترة.
وقال بعض نحويي الكوفة: إذا لم يرد بما الجحد، فإن معنى الكلام: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، فتلقي الباء، فتكون ( ما) في موضع نصب " فهم غافلون " يقول: فهم غافلون عما الله فاعل بأعدائه المشركين به، من إحلال نقمته، وسطوته بهم.
قوله تعالى : " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " ( ما ) لا موضع لها من الإعراب عند أكثر أهل التفسير ، منهم قتادة ، لأنها نفي والمعنى : لتنذر قوماً ما أتى آباءهم قبلك نذير . وقيل : هي بمعنى الذي فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم ، قاله ابن عباس و عكرمة و قتادة أيضاً . وقيل : إن ( ما ) والفعل مصدر ، أي لتنذر قوماً إنذار آبائهم . ثم يجوز أن تكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء ، فالمعنى لم ينذروا برسول الله من أنفسهم . لقوم لم يبلغهم خبر نبي ، وقد قال الله : " وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " [ سبأ : 44 ] وقال : " لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون " [ السجدة : 3 ] أي لم يأتهم نبي . وعلى قول من قال بلغهم خبر الأنبياء ، فالمعنى فهم معرضون الآن متغافلون عن ذلك ، ويقال للمعرض عن الشيء إنه غافل عنه وقيل : " فهم غافلون " عن عقاب الله .
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما و عكرمة والضحاك والحسن وسفيان بن عيينة أن يس بمعنى يا إنسان. وقال سعيد بن جبير : هو كذلك في لغة الحبشة, وقال مالك عن زيد بن أسلم : هو اسم من أسماء الله تعالى: "والقرآن الحكيم" أي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "إنك" أي يا محمد" لمن المرسلين * على صراط مستقيم " أي على منهج ودين قويم وشرع مستقيم "تنزيل العزيز الرحيم" أي هذا الصراط والمنهج والدين الذي جئت به تنزيل من رب العزة الرحيم بعباده المؤمنين, كما قال تعالى: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ".
وقوله تعالى: "لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون" يعني بهم العرب, فإنه ما أتاهم من نذير من قبله, وذكرهم وحدهم لا ينفي من عداهم, كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم, وقد تقدم ذكر الايات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته صلى الله عليه وسلم عند قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً". وقوله تعالى: "لقد حق القول على أكثرهم" قال ابن جرير : لقد وجب العذاب على أكثرهم بأن الله تعالى قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون " فهم لا يؤمنون " بالله ولا يصدقون رسله.
واللام في 6- "لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم" يجوز أن تتعلق بتنزيل، أو بفعل مضمر يدل عليه من المرسلين: أي أرسلناك لتنذر، و ما في "ما أنذر آباؤهم" هي النافية: أي لم ينذر آباؤهم، ويجوز أن تكون موصولة أو موصوفة: أي لتنذر قوماً الذي أنذره آباؤهم، أو لتنذرهم عذاباً أنذره آباؤهم، ويجوز أن تكون مصدرية: أي إنذار آبائهم، وعلى القول بأنها نافية يكون المعنى: ما أنذر آباؤهم برسول من أنفسهم، ويجوز أن يراد ما أنذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة، وقوله: "فهم غافلون" متعلق بنفي الإنذار على الوجه الأول: أي لم ينذر آباؤهم فهم بسبب ذلك غافلون، وعلى الوجوه الآخرة متعلق بقوله لتنذر: أي فهم غافلون عما أنذرنا به آباءهم، وقد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المعنى على النفي، وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله.
6. " لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم " قيل: (( ما )) للنفي أي: لم ينذر آباؤهم، لأن قريشاً لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: (( ما )) بمعنى الذي، أي: لتنذر قوماً بالذي أنذر آباؤهم، " فهم غافلون "، عن اإيمان والرشد.
6 -" لتنذر قوماً " متعلق بـ " تنزيل " أو بمعنى " لمن المرسلين " . " ما أنذر آباؤهم " قوماً غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الأقربين لتطاول مدة الفترة ، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله ، أو الذي أنذر به أو شيئاً أنذر به آباؤهم الأبعدون ، فيكون مفعولاً ثانياً " لتنذر " ، أو إنذار آبائهم على المصدر . " فهم غافلون " متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين ، أو بقوله " إنك لمن المرسلين " على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون .
6. That thou mayst warn a folk whose fathers were not warned, so they are heedless.
6 - In order that thou mayest admonish a people, whose fathers had received no admonition, and who therefore remain heedless (of the Signs of God).