[يس : 57] لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ
57 - (لهم فيها فاكهة ولهم) فيها (ما يدعون) يتمنون
وقوله " لهم فيها فاكهة " يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة " ولهم ما يدعون " يقول: ولهم فيها ما يتمنون. وذكر عن العرب أنها تقول: دع علي ما شئت: أي تمن علي ما شئت.
" لهم فيها فاكهة " ابتداء وخبر . " ولهم ما يدعون " الدال الثانية مبدلة من تاء لأنه يفتعلون من دعا ، أي من دعا بشيء أعطيه . قاله أبو عبيدة ، فمعنى < يدعون > يتمنون من الدعاء . وقيل : المعنى أن من ادعى منه شيئاً فهو له ، لأن الله تعالى قد طبعهم على إلا يدعي منهم أحد إلا ما يجمل ويحسن أن يدعيه . وقال يحيى بن سلام : < يدعون > يشتهون . ابن عباس : يسألون . والمعنى متقارب . قال ابن الأنباري : < ولهم ما يدعون > وقف حسن ، ثم تبتدىء : < سلام > على معنى ذلك لهم سلام . ويجوز أن يرفع السلام على معنى ولهم ما يدعون مسلم خالص . فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على < ما يدعون > . وقال الزجاج : < سلام > مرفوع على البدل من < ما > أي ولهم أن يسلم الله عليهم ، وهذا منى أهل الجنة .
يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات, فنزلوا في روضات الجنات, أنهم في شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم. قال الحسن البصري وإسماعيل بن أبي خالد : في شغل عما فيه أهل النار من العذاب. وقال مجاهد "في شغل فاكهون" أي في نعيم معجبون أي به, وكذا قال قتادة , وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فاكهون أي فرحون. قال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما و سعيد المسيب وعكرمة والحسن وقتادة والأعمش وسليمان التيمي والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى: "إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار, وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه "في شغل فاكهون" أي بسماع الأوتار, وقال أبو حاتم : لعله غلط من المستمع, وإنما هو افتضاض الأبكار.
وقوله عز وجل: "هم وأزواجهم" قال مجاهد : وحلائلهم, "في ظلال" أي في ظلال الأشجار "على الأرائك متكئون". قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والسدي وخصيف "الأرائك" هي السرر تحت الحجال. (قلت) نظيره في الدنيا هذه التخوت تحت البشاخين, والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله عز وجل: "لهم فيها فاكهة" أي من جميع أنواعها " ولهم ما يدعون " أي مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ. قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي , حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار , حدثنا محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى . حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها, هي ورب الكعبة نور كلها يتلألأ, وريحانه تهتز, وقصر مشيد ونهر مطرد, وثمرة نضيجة, وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة, ومقام في أبد في دار سلامة, وفاكهة خضرة وخير ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها, قال صلى الله عليه وسلم: قولوا إن شاء الله فقال القوم: إن شاء الله " , وكذا رواه ابن ماجه في كتاب الزهد من سننه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به.
وقوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" قال ابن جريج : قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فإن الله تعالى نفسه سلام على أهل الجنة, وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما, كقوله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام". وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً, وفي إسناده نظر, فإنه قال: حدثنا موسى بن يوسف , حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , حدثنا أبو عاصم العباداني , حدثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أهل الجنة في نعيمهم, إذ سطع لهم نور, فرفعوا رؤوسهم, فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم, فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة , فذلك قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" قال: فينظر إليهم وينظرون إليه, فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم". ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب به.
وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , حدثنا حرملة عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إذا فرغ الله تعالى من أهل الجنة والنار, أقبل في ظلل من الغمام والملائكة, قال: فيسلم على أهل الجنة, فيردون عليه السلام, قال القرظي , وهذا في كتاب الله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فيقول الله عز وجل: سلوني, فيقولون: ماذا نسألك أي رب ؟ قال: بلى سلوني, قالوا: نسألك أي رب رضاك, قال: رضائي أحلكم دار كرامتي, قالوا: يا رب فما الذي نسألك, فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لاينقصنا ذلك شيئاً. قال تعالى إن لدي مزيداً, قال: فيفعل ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه, قال: ثم تأتيهم التحف من الله عز وجل, تحملهم إليهم الملائكة, ثم ذكر نحوه. وهذا خبر غريب, أورده ابن جرير من طرق, والله أعلم.
وجملة 57- "لهم فيها فاكهة" مبينة لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب ونحوها. والمراد فاكهة كثيرة من كل نوع من أنواع الفواكه "ولهم ما يدعون" ما هذه هي الموصولة والعائد محذوف أو موصوفة أو مصدرية، ويدعون مضارع ادعى. قال أبو عبيدة: يدعون بتمنون، والعرب تقول: ادع علي ما شئت: أي تمن، وفلان في خير ما يدعي: أي ما يتمنى. وقال الزجاج هو من الدعاء: أي ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم، من دعوت غلامي، فيكون الافتعال بمعنى الفعل كالاحتمال بمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحل. وقيل افتعل بمعنى تفاعل: أي ما يتداعونه كقولهم ارتموا وتراموا. وقيل المعنى: إن من اجعى منهم شيئاً فهو له، لأن الله قد طبعهم على أن لا يدعي أحد منهم شيئاً إلا وهو يحسن ويجمل به أن يدعيه، وما مبتدأ وخبرها لهم والجملة معطوفة على ما قبلها. وقرئ يدعون بالتخفيف ومعناها واضح. قال ابن الأنباري: والوقف على يدعون وقف حسن.
57. " لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون "، يتمنون ويشتهون.
57 -" لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون " ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه ، أو ما يتداعونه كقولك ارتموه بمعنى تراموه ، أو يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت بمعنى تمنه علي ، أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و " ما " موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء ، و" لهم " خبرها وقوله :
57. Theirs the fruit (of their good deeds) and theirs (all) that they ask;
57 - (Every) fruit (enjoyment) will be there for them; they shall have whatever they call for;