[يس : 56] هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ
56 - (هم) مبندأ (وأزواجهم في ظلال) جمع ظلة أو ظل خبر أي لا تصيبهم الشمس (على الأرائك) جمع أريكة وهو السرير في الحجلة أو الفرش فيها (متكئون) خبر ثان متعلق على
يعني تعالى بقوله " هم " أصحاب الجنة " وأزواجهم " من أهل الجنة في الجنة.
كما حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " هم وأزواجهم في ظلال " قال: حلائلهم في ظلل.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم ( في ظلل) بمعنى: جمع ظلة، كما تجمع الحلة حللاً. وقرأه آخرون: " في ظلال "، وإذا قرىء ذلك كذلك كان له وجهان: أحدهما أن يكون مراداً به جمع الظلل الذي هو بمعنى الكن، فيكون معنى الكلمة حينئذ: هم وأزواجهم في كن لا يضحون لشمس كما يضحى لها أهل الدنيا، لأنه لا شمس فيها. والآخر: أن يكون مراداً به جمع ظلة، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة: الخلال، والقلة: قلال.
وقوله " على الأرائك متكئون " والأرائك: هي الحجال فيا السرور والفرش: واحدتها أريكة، وكان بعضهم يزعم أن كل فراش فأريكة، ويستشهد لقوله ذلك بقول ذي الرمة.
( خدوداً جفت في السير حتى) كأنما يباشون بالمعزاء مس الأرائك
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: " على الأرائك متكئون " قال: هي السرر في الحجال.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، في قول الله " على الأرائك متكئون " قال: الأرائك: السرر عليها الحجال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، في قوله: ( متكئين على الأرائك) قال: الأرائك: السرر في
الحجال.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حصين، عن مجاهد، في قوله " على الأرائك " قال: سرر عليها الحجال.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم محمد أن عكرمة قال: الأرائك: السرر في الحجال.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، وسأله رجل عن الأرائك قال: هي الحجال. أهل اليمن، يقولون: أريكة فلان. وسمعت عكرمة وسئل عنها فقال: هي الحجال على السرر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " على الأرائك متكئون " قال: هي الحجال فيها السرر.
" هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون " مبتدأ وخبره . ويجوز أن يكون < هم > توكيداً < وأزواجهم > عطف على المضمر ، و < متكئون > نعت لقوله < فاكهون > . وقراءة العامة : < في ظلال > بكسر الظاء والألف . وقرأ ابن مسعود و عبيد بن عمير و الأعمش و يحيى ، حمزة و الكسائي و خلف : في < ظلل > بضم الظائ من غير ألف ، فالظلال جمع ظل ، وظلل جمع ظلة . " على الأرائك " يعني السرر في الحجال واحدها أريكة ، مثل سفينة وسفائن ، قال الشاعر :
كأن احمرار الورد فوق غصونه بوقت الضحى في روضة المتضاحك
خدود عذارى قد خجلن من الحيا تهادين بالريحان فوق الأرائك
وفي الخبر " عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكاراً " . وقال ابن عباس : إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة ، لا يملها ولا تمله ، كلما أتاها وجدها بكراً ، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته ، فيجامعها بقوة سبعين رجلاً ، لا يكون بينهما مني ، يأتي من غير مني منه ولا منها .
يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات, فنزلوا في روضات الجنات, أنهم في شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم. قال الحسن البصري وإسماعيل بن أبي خالد : في شغل عما فيه أهل النار من العذاب. وقال مجاهد "في شغل فاكهون" أي في نعيم معجبون أي به, وكذا قال قتادة , وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فاكهون أي فرحون. قال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما و سعيد المسيب وعكرمة والحسن وقتادة والأعمش وسليمان التيمي والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى: "إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار, وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه "في شغل فاكهون" أي بسماع الأوتار, وقال أبو حاتم : لعله غلط من المستمع, وإنما هو افتضاض الأبكار.
وقوله عز وجل: "هم وأزواجهم" قال مجاهد : وحلائلهم, "في ظلال" أي في ظلال الأشجار "على الأرائك متكئون". قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والسدي وخصيف "الأرائك" هي السرر تحت الحجال. (قلت) نظيره في الدنيا هذه التخوت تحت البشاخين, والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله عز وجل: "لهم فيها فاكهة" أي من جميع أنواعها " ولهم ما يدعون " أي مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ. قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي , حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار , حدثنا محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى . حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها, هي ورب الكعبة نور كلها يتلألأ, وريحانه تهتز, وقصر مشيد ونهر مطرد, وثمرة نضيجة, وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة, ومقام في أبد في دار سلامة, وفاكهة خضرة وخير ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها, قال صلى الله عليه وسلم: قولوا إن شاء الله فقال القوم: إن شاء الله " , وكذا رواه ابن ماجه في كتاب الزهد من سننه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به.
وقوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" قال ابن جريج : قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فإن الله تعالى نفسه سلام على أهل الجنة, وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما, كقوله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام". وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً, وفي إسناده نظر, فإنه قال: حدثنا موسى بن يوسف , حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , حدثنا أبو عاصم العباداني , حدثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أهل الجنة في نعيمهم, إذ سطع لهم نور, فرفعوا رؤوسهم, فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم, فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة , فذلك قوله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" قال: فينظر إليهم وينظرون إليه, فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم". ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب به.
وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , حدثنا حرملة عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إذا فرغ الله تعالى من أهل الجنة والنار, أقبل في ظلل من الغمام والملائكة, قال: فيسلم على أهل الجنة, فيردون عليه السلام, قال القرظي , وهذا في كتاب الله تعالى: "سلام قولاً من رب رحيم" فيقول الله عز وجل: سلوني, فيقولون: ماذا نسألك أي رب ؟ قال: بلى سلوني, قالوا: نسألك أي رب رضاك, قال: رضائي أحلكم دار كرامتي, قالوا: يا رب فما الذي نسألك, فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لاينقصنا ذلك شيئاً. قال تعالى إن لدي مزيداً, قال: فيفعل ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه, قال: ثم تأتيهم التحف من الله عز وجل, تحملهم إليهم الملائكة, ثم ذكر نحوه. وهذا خبر غريب, أورده ابن جرير من طرق, والله أعلم.
56- "هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون" هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم سروراً وبهجة من كون أزواجهم معهم على هذه الصفة من الاتكاء على الأرائك، فالضمير وهو هم مبتدأ و أزواجهم معطوف عليه والخبر متكئون، ويجوز أن يكون هم تأكيداً للضمير في فاكهون و أزواجهم معطوف على ذلك الضمير، وارتفاع متكئون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و في ظلال متعلق به أو حال، وكذا على الأرائك وجوز أبو البقاء أن يكون "في ظلال" هو الخبر و "على الأرائك" مستأنف. قرأ الجمهور "في ظلال" بكسر الظاء وبالألف وهو جمع ظل. وقرأ ابن مسعود وعبد بن عمير والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف "في ظلل" بضم الظاء من غير ألف جمع ظلة، وعلى القراءتين فالمراد الفرش والستور التي تظللهم كالخيام والحجال، والأرائك جمع أريكة، كسفائن جميع سفينة، والمراد بها السرر التي في الحجال. قال أحمد بن يحيى ثعلب: الأريكة لا يكون إلا سريراً في قبة. وقال مقاتل: إن المراد بالظلال أكنان القصور.
56. " هم وأزواجهم "، أي: حلائلهم، " في ظلال "، قرأ حمزة و الكسائي : (( ظلل )) بضم الظاء من غير ألف، جمع ظله، وقرأ العامة: (( في ظلال )) بالألف وكسر الظاء على جمع ظل، " على الأرائك "، يعني السرر في الحجال، واحدتها: أريكة. قال ثعلب : لا تكون أريكة حتى يكون عليها حجلة. " متكئون "، ذوو اتكاء.
56 -" هم وأزواجهم في ظلال " جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة و الكسائي في (( ظلل )) . " على الأرائك " على السرر المزينة . " متكئون " و " هم " مبتدأ خبره " في ظلال " ، و " على الأرائك " جملة مستأنفة أو خبر ثان أو " متكئون " والجاران صلتان له ، أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون ، وعلى الأرائك متكئون خبر آخر لأن أزواجهم عطف على " هم " للمشاركة في الأحكام الثلاثة ، و " في ظلال " حال من المعطوف والمعطوف عليه .
56. They and their wives, in pleasant shade, on thrones reclining;
56 - They and their associates will be in groves of (cool) shade, reclining on Thrones (of dignity);