[يس : 54] فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
54 - (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا) جزاء (ما كنتم تعملون)
يقول تعالى ذكره " فاليوم " يعني يوم القيامة " لا تظلم نفس شيئا " كذلك ربنا لا يظلم نفساً شيئاً، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل عليها وزر غيرها، لكنه يوفي كل نفس أجر ما عملت من صالح، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " يقول: ولا تكافئون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا.
قوله تعالى : " فاليوم لا تظلم نفس شيئاً " أي لا تنقص من ثواب عمل . " لا تجزون إلا ما كنتم تعملون " < ما > في محل نصب من وجهين : الأول أنه مفعول ثان لما لم يسم فاعله . والثاني بنزع حرف الصفة ، تقديره : إلا بما كنتم تعملون ، أي تعملونه فحذف .
هذه هي النفخة الثالثة, وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور, ولهذا قال تعالى: "فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون" والنسلان هو المشي السريع كما قال تعالى: " يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون " " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها, فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم "قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم, لأنه بالنسبة إلى مابعده في الشدة كالرقاد. قال أبي بن كعب رضي الله عنه و مجاهد والحسن وقتادة : ينامون نومة قبل البعث. قال قتادة : وذلك بين النفختين, فلذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا, فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون, قاله غير واحد من السلف "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" وقال الحسن : إنما يجيبهم بذلك الملائكة, ولا منافاة إذ الجمع ممكن, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد : الجميع من قول الكفار "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" نقله ابن جرير , واختار الأول, وهو أصح, وذلك لقوله تبارك وتعالى في الصافات: " وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين * هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون " وقال الله عز وجل: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ".
وقوله تعالى: "إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون" كقوله عز وجل: " فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال جلت عظمته: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب" وقال جل جلاله: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً" أي إنما نأمرهم أمراً واحداً, فإذا الجميع محضرون " فاليوم لا تظلم نفس شيئا " أي من عملها "ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".
54- "فاليوم لا تظلم نفس" من النفوس "شيئاً" مما تستحقه: أي لا ينقص من ثواب عملها شيئاً من النقص، ولا تظلم فيه بنوع من أنواع الظلم "ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون" أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا، أو إلا بما كنتم تعملونه: أي بسببه، أو في مقابلته.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: " أنا حملنا ذريتهم " الآية قال: في سفينة نوح حمل فيها من كل زوجين اثنين "وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" قال: السفن التي في البحر والأنهار التي يركق الناس فيها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" قال: هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يعني الإبل خلقها الله كما رأيت، فهي سفن البر يحملون عليها ويركبونها. ومثله عن الحسن وعكرمة وعبد الله بن شداد ومجاهد. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة في قوله: "فلا يستطيعون توصية" الآية قال: تقوم الساعة والناس في أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثياب ويحلبون اللقاح، وفي حوائجهم فلا يستطيعون توصية "ولا إلى أهلهم يرجعون" وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن الزبير بن العوام قال: إن الساعة تقوم والرجل يذرع الثوب والرجل يحلب الناقة، ثم قرأ: "فلا يستطيعون توصية" الآية. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في قوله: "من بعثنا من مرقدنا" قال: ينامون قبل البعث نومة.
54. " فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ".
54 -" فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " حكاية لما يقال هلم حينئذ تصويراً للموعود وتمكيناً له في النفوس وكذا قوله :
54. This day no soul is wronged in aught; nor are ye requited aught save what ye used to do.
54 - Then, on that Day, not a soul will be wronged in the least, and ye shall but be repaid the meeds of your past Deeds.