[فاطر : 2] مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
2 - (ما يفتح الله للناس من رحمة) كرزق ومطر (فلا ممسك لها وما يمسك) من ذلك (فلا مرسل له من بعده) أي بعد إمساكه (وهو العزيز) الغالب على أمره (الحكيم) في فعله
يقول تعالى ذكره: مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده، فما يفتح الله للناس من خير فلا مغلق له، ولا ممسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم، ولا يفتحه لهم، فلا فاتح له سواه، لأن الأمور كلها إليه وله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ما يفتح الله للناس من رحمة ": أي من خير " فلا ممسك لها " فلا يستطيع أحد حبسها " وما يمسك فلا مرسل له من بعده " وقال تعالى ذكره " فلا ممسك لها " فأنث ما لذكر الرحمة من بعده، وقال " وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فذكر للفظ ( ما) لأن لفظه لفظ مذكر، ولو أنث في موضع التذكير للمعنى، وذكر في موضع التأنيث للفظ جاز، ولكن الأفصح من الكلام التأنيث إذا ظهر بعد ما يدل على تأنيثها والتذكير إذا لم يظهر ذلك.
وقوله " وهو العزيز الحكيم " يقول: وهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه، وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحاً، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة.
قوله تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها" وأجاز النحويون في غير القرآن فلا ممسك له على لفظ ما ولهاعلى المعنى. وأجازوا وما يمسك فلا مرسل لها. وأجازوا ما يفتح الله للناس من رحمة (بالرفع) تكون ما بمعنى الذي. أي إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله. وقيل: ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أحد على أن يرسله. وقيل: هو الدعاء قاله الضحاك. ابن عباس: من توبة. وقيل: من توفيق وهداية.
قلت: ولفظ الرحمة يجمع ذلك إذ هي منكرة للإشاعة والإبهام، فهي متناولة لكل رحمة على البدل، فهو عام في جميع ما ذكر. وفي موطأ مالك: أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد فطر الناس: فطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها". "وهو العزيز الحكيم " تقدم.
يخبر تعالى أنه ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن, وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم , حدثنا مغيرة , أخبرنا عامر عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: إن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة اكتب لي بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعاني المغيرة فكتبت إليه: " إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وسمعته ينهى عن قيل وقال: وكثرة السؤال وإضاعة المال, وعن وأد البنات, وعقوق الأمهات, ومنع وهات " , وأخرجاه من طرق عن وراد به. وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده, اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض, وملء ما شئت من شيء بعد, اللهم أهل الثناء والمجد, أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وهذه الاية كقوله تبارك وتعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله" ولها نظائر كثيرة. وقال الإمام مالك رحمة الله عليه: كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا مطروا يقول: مطرنا بنوء الفتح, ثم يقرأ هذه الاية "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" ورواه ابن أبي حاتم عن يونس عن ابن وهب عنه.
2- "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها" أي ما يأتيهم الله به من مطر ورزق لا يقدر أحد أن يمسكه "وما يمسك" من ذلك لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه، وقيل المعنى: إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله، وقيل هو الدعاء، وقيل التوبة، وقيل التوفيق والهداية. ولا وجه لهذا التخصيص بل المعنى: كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته فيشمل كل نعمة ينعم الله بها على خلقه، وهكذا الإمساك يتناول كل شيء يمنعه الله من نعمه، فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه ولا منعم غيره. ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعد ولا تحصى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" ومعنى هذا الأمر لهم بالذكر هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها وطلب المزيد منها.
2- "ما يفتح الله للناس من رحمة"، قيل: من مطر ورزق، "فلا ممسك لها"، لا يستطيع أحد على حبسها، "وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز"، فيما أمسك "الحكيم". فيما أرسل.
أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا عبد الله بن أسباط، أخبرنا أبي، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة بن شعبة، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
2 -" ما يفتح الله للناس " ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب . " من رحمة " كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة . " فلا ممسك لها " يحسبها . " وما يمسك فلا مرسل له " يطلقه ، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب ، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه . " من بعده " من بعد إمساكه . " وهو العزيز " الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه . " الحكيم " لا يفعل إلا بعلم وإتقان . ثم لما بين أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال :
2. That which Allah openeth unto mankind of mercy none can withhold it; and that which He withholdeth none can release thereafter. He is the Mighty, the Wise.
2 - What God out of His Mercy doth bestow on mankind there is none can withhold: what He doth withhold, there is none can grant, apart from Him: and He is the Exalted in Power, Full of Wisdom.