[سبإ : 51] وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
51 - (ولو ترى) يا محمد (إذ فزعوا) عند البعث لرأيت أمرا عظيما (فلا فوت) لهم منا أي لا يفوتونا (وأخذوا من مكان قريب) أي القبور
يقول تعالى ذكره لنبي محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى يا محمد إذ فزعوا.
واختلف أهل التأويل في المعنيين بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها هؤلاء المشركون الذين وصفهم تعالى ذكره بقوله " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم " قال: وعني بقوله " إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " عند نزول نقمة الله بهم في الدنيا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " ... إلى آخر الآية، قال: هذا من عذاب الدنيا.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال سمعت الضحاك يقول في قوله " وأخذوا من مكان قريب " قال: هذا عذاب الدنيا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " ... إلى آخر السورة، قال: هؤلاء المشركين من أهل بدر، نزلت فيهم هذه الآية، قال: وهم الذين بدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار جهنم، أهل بدر من المشركين.
وقال آخرون: عني بذلك يخسف بهم ببيداء من الأرض.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " قال: هم الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه.
حدثنا عصام بن رواد بن الجراح، قال: ثني أبي، قال: ثنا سفيان بن سعيد، قال: ثني منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: " قال رسول الله وذكر فتنة تكون بين أهل المشرقو المغرب. قال: فبينما هم كذلك، إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك، حتى ينزل دمش، فيبعث جيشين: جيشاً إلى المشرق، وجيشاً إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة، والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مئة امرأة، ويقتلون بها ثلاث مئة كبش من بني العباس، ثم ينحدورن إلى الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشأم، فتخرج راية هذا من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم، لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويخلي جيشه التالي بالمدينة، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبريل، فيقول: يا جبرائيل اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله في سورة سبأ " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " ... الآية، ولا ينفلت منهم إلا رجلان: أحدهما بشير، والآخر نذير، وهما من جهينة "، فلذلك جاء القول:
وعند جهينة الخبر اليقين
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: سألت رواد بن الجراح، عن الحديث الذي حدث به عنه، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن قصة ذكرها في الفتنة، قال: فقلت له: أخبرني عن هذا الحديث سمعته من سفيان الثوري؟ قال: لا، قلت: فقراته عليه؟ قال: لا، قلت: فقرىء عليه وأنت حاضر؟ قال: لا قلت: فما قصته، فما خبره؟ قال: جاءني قوم فقالوا: معنا حديث عجيب، أو كلام هذا معناه، نقرؤه وتسمعه، قلت لهم: هاتوه، فقرءوه علي، ثم ذهبوا فحدثوا به عني، أو كلام هذا معناه.
قال أبو جعفر:
وقد حدثني ببعض هذا الحديث محمد بن خلف، قال: ثنا عبد العزيز بن أبان، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث طويل، قال: رأيته في كتاب الحسين بن علي الصدائي، عن شيخ، عن رواد، عن سفيان بطوله.
وقال آخرون: بل عني بذلك المشركون إذا فزعوا عند خروجهم من قبورهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قوله " ولو ترى إذ فزعوا " قال: فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم.
وقال قتادة " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " حين عاينوا عذاب الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ابن معقل " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " قال: أفزعهم يوم القيامة فلم يفوتوا.
والذي هو أولى بالصواب في تأويل ذلك، وأشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل قول من قال: وعيد الله المشركين الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه لأن الآيات قبل هذه الآية جاءت بالإخبار عنهم وعن أسبابهم، وبوعيد الله إياهم مغبته، وهذه الآية في سياق تلك الآيات، فلأن يكون ذلك خبراً عن حالهم أشبه منه بأن يكون خبراً لما لم يجر له ذكر. وإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ولو ترى يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، فتعاينهم حين فزعوا من معاينتهم عذاب الله " فلا فوت " يقول فلا سبيل حينئذ أن يفوتوا بأنفسهم، أو يعجزونا هرباً، وينجوا من عذابنا.
كما حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " يقول: فلا نجاة.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان، عن جويبر، عن الضحاك ، في قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " قال: لا هرب.
وقوله " وأخذوا من مكان قريب " يقول: وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب، لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه.
قوله تعالى: "ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت" ذكر أحوال الكفار في وقت ما يضطرون فيه إلى معرفة الحق. والمعنى: لو ترى إذا فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس الله تعالى بهم، روي معناه عن ابن عباس. الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة. وعنه أن ذلك الفزع إنما هو إذا خرجوا من قبورهم وقاله قتادة. وقال ابن مغفل: إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة. السدي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فراراً ولا رجوعاً إلى التوبة. سعيد بن خبير: هو الجيش الذي يخسف بهم في البيداء فيبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون، فهذا هو فزعهم. "فلا فوت" فلا نجاة قاله ابن عباس. مجاهد: فلا مهرب. "وأخذوا من مكان قريب" أي من القبور. وقيل: من حيث كانوا، فهم من الله قريب لا يعزبون عنه ولا يفوتونه. وقال ابن عباس : نزلت في ثمانين ألفاً يغزون في آخر الزمان الكعبة ليخربوها، وكما يدخلون البيداء يخسف بهم، فهو الأخذ من. مكان قريب.
قلت: وفي هذا المعنى خبر مرفوع عن حذيفة وقد ذكرناه في كتاب التذكرة، قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب-: فبيناهم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين، جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة، فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة يعني مدينة بغداد، قال فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفتضون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من ولد العباس، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم لا يفيت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ويحل جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، وذلك قوله تعالى: " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب" فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة، ولذلك جاء القول: وعند جهينة الخبر اليقين. وقيل: أخذوا من مكان قريب أي قبضت أرواحهم في أماكنها فلم يمكنهم الفرار من الموت، وهذا على قول من يقول: هذا الفزع عند النزع. ويحتمل أن يكون هذا من الفزع الذي هو بمعنى الإجابة يقال: فرخ الرجل أي أجاب الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف. ومنه الخبر إذا قال للأنصار:إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع ". ومن قال: أراد الخسف أو القتل في الدنيا كيوم بدر قال: أخذوا في الدنيا قبل أن يؤخذوا في الآخرة. ومن قال: هو نزع يوم القيامة قال: أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها. وقيل: أخذوا من مكان قريب من جهنم فألقوا فيها
يقول تبارك وتعالى: ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة, فلا فوت أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ "وأخذوا من مكان قريب" أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم. وقال مجاهد وعطية العوفي وقتاده : من تحت أقدامهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما و الضحاك : يعني عذابهم في الدنيا. وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني قتلهم يوم بدر, والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة, وهو الطامة العظمى, وإن كان ما ذكر متصلاً بذلك, وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس رضي الله عنهم. ثم أورد في ذلك حديثاً موضوعاً بالكلية, ثم لم ينبه على ذلك, وهذا أمر عجيب غريب منه "وقالوا آمنا به" أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ولهذا قال تعالى: "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" أي وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم, وصاروا إلى الدار الأخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء, فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الأخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان, كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.
قال مجاهد "وأنى لهم التناوش" قال: التناول لذلك. وقال الزهري : التناوش تناولهم الإيمان وهم في الاخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا, وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال تعاطوا الإيمان من مكان بعيد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة, وكذا قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله.
وقوله تعالى: "وقد كفروا به من قبل" أي كيف يحصل لهم الإيمان في الاخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل "ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" قال مالك عن زيد بن أسلم "ويقذفون بالغيب" قال: بالظن, قلت: كما قال تعالى: "رجماً بالغيب" فتارة يقولون شاعر, وتارة يقولون كاهن, وتارة يقولون ساحر, وتارة يقولون مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة, ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد " إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " قال قتادة ومجاهد : يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولانار.
وقوله تعالى: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما: يعني الإيمان وقال السدي "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" وهي التوبة, وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله. وقال مجاهد " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل, وروي نحوه عن ابن عمر وابن عباس والربيع بن أنس رضي الله عنهم, وهو قول البخاري وجماعه, والصحيح أنه لا منافاة بين القولين, فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الأخرة فمنعوا منه.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا أثراً غريباً عجيباً جداً فنذكره بطوله, فإنه قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا بشر بن حجر السامي , حدثنا علي بن منصور الأنباري عن الشرقي بن قطامي عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" إلى آخر الاية, قال: كان رجل من بني إسرائيل فاتحاً أي فتح الله تعالى له مالاً, فمات فورثه ابن له تافه أي فاسد, فكان يعمل في مال الله تعالى بمعاصي الله تعالى عز وجل, فلما رأى ذلك أخوات أبيه, أتوا الفتى فعذلوه ولاموه, فضجر الفتى فباع عقاره بصامت, ثم رحل فأتى عيناً ثجاجة فسرح فيها ماله وابتنى قصراً, فبينما هو ذات يوم جالس إذ حملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقالت: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل, قالت: فلك هذا القصر وهذا المال ؟ فقال: نعم. قالت: فهل لك من زوجة ؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك ؟ قال: قد كان ذاك, قال: فهل لك من بعل ؟ قالت: لا, قال: فهل لك إلا أن أتزوجك ؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل, فإذا كان الغد فتزود زاد يوم وائتني, وإن رأيت في طريقك هولاً فلا يهولنك, فلما كان من الغد تزود زاد يوم وانطلق, فانتهى إلى قصر فقرع رتاجه, فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا الإسرائيلي, قال: فما حاجتك ؟ قال: دعتني صاحبة القصر إلى نفسها, قال: صدقت, قال: فهل رأيت في الطريق هولاً ؟ قال: نعم ولولا أنها أخبرتني أن لابأس علي لهالني الذي رأيت, قال: ما رأيت ؟ قال: أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بكلبة فاتحة فاها, ففزعت فوثبت فإذا أنا من ورائها, وإذا جراؤها ينبحن من بطنها, فقال له الشاب: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويسرهم حديثه, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بمائة عنز حفل, وإذا فيها جدي يمصها, فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان ملك يجمع صامت الناس كلهم حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بشجر فأعجبني غصن من شجرة منها ناضرة, فأردت قطعه فنادتني شجرة أخرى: يا عبد الله منا فخذ حتى ناداني الشجر أجمع يا عبد الله مني فخذ, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقل الرجال ويكثر النساء حتى أن الرجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل, فإذا أنا برجل قائم على عين يغرف لكل إنسان من الماء, فإذا تصدعوا عنه صب في جرته فلم تعلق جرته من الماء بشيء, فال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها, وإذا رجل قد أخذ بقرنيها, وإذا رجل قد أخذ بذنبها, وإذا راكب قد ركبها, وإذا رجل يحتلبها, فقال: أما العنز فهي الدنيا, والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها, وأما الذي أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقاً, وأما الذي أخذ بدنبها فقد أدبرت عنه, وأما الذي ركبها فقد تركها, وأما الذي يحلبها فبخ بخ ذهب ذلك بها, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يمتح على قليب كلما أخرج دلوه صبه في الحوض فانساب الماء راجعاً إلى القليب, قال: هذا رجل رد الله عليه صالح عمله فلم يقبله, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يبذر بذراً فيستحصد فإذا حنطة طيبة, قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل مستلق على قفاه, قال: يا عبد الله ادن مني فخذ بيدي وأقعدني, فوالله ما قعدت منذ خلقني الله تعالى, فأخذت بيده, فقام يسعى حتى ما أراه, فقال له الفتى هذاعمر الأبعد نفد, أنا ملك الموت, وأنا المرأة التي أتتك أمرني الله تعالى بقبض روح الأبعد في هذا المكان, ثم أصيره إلى نار جهنم, قال: ففيه نزلت هذه الاية " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " الاية, هذا أثر غريب وفي صحته نظر, وتنزيل الاية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا, كما جرى لهذا المغرور المفتون, ذهب يطلب مراده فجاءه ملك الموت فجأة بغتة وحيل بينه وبين ما يشتهي.
وقوله تعالى: "كما فعل بأشياعهم من قبل" أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ". وقوله تبارك وتعالى: "إنهم كانوا في شك مريب" أي كانوا في الدنيا في شك ريبة, فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب, قال قتاده إياكم والشك والريبة, فإن من مات على شك بعث عليه, ومن مات على يقين بعث عليه. آخر تفسير سورة سبأ والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
ثم ذكر سبحانه حالاً من أحوال الكفار فقال: 51- "ولو ترى إذ فزعوا" والخطاب لرسول الله، أو لكل من يصلح له، قيل المراد فزعهم عند نزول الموت بهم. وقال الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة، وقال قتادة: هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم. وقال السدي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فراراً ولا رجوعاً إلى التوبة. وقال ابن مغفل: هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير: هو الخسف الذي يخسف بهم في البيداء، فيبقى رجل منهم فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون. وجواب لو محذوف: أي لرأيت أمراً هائلاً، ومعنى "فلا فوت" فلا يفوتني أحد منم ولا ينجو منهم ناج. قال مجاهد: فلا مهرب "وأخذوا من مكان قريب" من ظهر الأرض أو من القبور أو من موقف الحساب وقيل من حيث كانوا، فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه. قيل ويجوز أن يكون هذا الفزع هو الفزع الذي بمعنى الإجابة، يقال فزع الرجل: إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث بهم كفزعهم إلى الحرب يوم بدر.
51- "ولو ترى إذ فزعوا"، قال قتادة عند البعث حين يخرجون من قبورهم، "فلا فوت"، أي: فلا يفوتونني كما قال: "ولات حين مناص" (ص-3)، وقيل: إذ فزعوا فلا فوت ولا نجاة، "وأخذوا من مكان قريب"، قال الكلبي من تحت أقدامهم، وقيل: أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها، وحيثما كانوا فهم من الله قريب، لا يفوتونه. وقيل: من مكان قريب يعني عذاب الدنيا. وقال الضحاك: يوم بدر. وقال ابن أبزي: خسف بالبيداء، وفي الآية حذف تقديره: ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمراً تعتبر به.
51ـ " ولو ترى إذ فزعوا " عند الموت أو البعث أو يوم بدر ، وجواب
" لو " محذوف تقديره لرأيت أمراً فظيعاً . " فلا فوت " فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن . " وأخذوا من مكان قريب " من ظهر الأرض إلى باطنها ، أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب ، والعطف على
" فزعوا " أو لا فوت ويؤيده أنه قرئ (( وأخذ )) عطفاً على محله أي : فلا فوت هناك وهناك أخذ .
51. Couldst thou but see when they are terrified with no escape, and are seized from near at hand.
51 - If thou couldst but see when they will quake with terror; but then there will be no escape (for them), and they will be seized from a position (Quite) near.