[سبإ : 47] قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
47 - (قل) لهم (ما سألتكم) على الانذار والتبليغ (من أجر فهو لكم) أي لا أسألكم عليه أجرا (إن أجري) ما ثوابي (إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) مطلع بعلم صدقي
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك المكذبيك، الرادين عليك ما أتيتهم به من عند ربك: ما أسألكم من جعل على إنذاركم عذاب الله، وتخويفكم به بأسه، ونصيحتي لكم في أمري إياكم بالإيمان بالله، والعلم بطاعته، فهو لكم لا حاجة لي به. وإنما معنى الكلام: قل لهم: إني لم أسألكم على ذلك جعلاً فتتهموني، وتظنوا أني إنما دعوتكم إلى اتباعي لما آخذه منكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " قل ما سألتكم من أجر ": أي جعل " فهو لكم " يقول: لم أسألكم على الإسلام جعلاً.
وقوله " إن أجري إلا على الله " يقول: ما ثوابي على دعائكم إلى الإيمان بالله، والعلم بطاعته، وتبليغكم رسالته، إلا على الله " وهو على كل شيء شهيد " يقول: والله على حقيقة ما أقول لكم شهيد يشهد لي به، وعلى غير ذلك من الأشياء كلها.
قوله تعالى: "قل ما سألتكم من أجر" أي جعل على تبليغ الرسالة "فهو لكم " أي ذلك الجعل لكم إن كنت سألتكموه " إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد" أي رقيب وعالم وحاضر لأعمالي وأعمالكم، لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع.
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين "ما سألتكم من أجر فهو لكم" أي لا أريد منكم جعلاً ولا عطاء على أداء رسالة الله عز وجل إليكم ونصحي إياكم وأمركم بعبادة الله "إن أجري إلا على الله" أي إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله "وهو على كل شيء شهيد" أي عالم بجميع الأمور بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم وما أنتم عليه.
وقوله عز وجل: "قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب" كقوله تعالى: "يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده" أي يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض, وهو علام الغيوب فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض. وقوله تبارك وتعالى: " قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " أي: جاء الحق من الله والشرع العظيم, وذهب الباطل وزهق واضمحل, كقوله تعالى: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح, ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها بسية قوسه ويقرأ "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" " قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الاية, كلهم من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة , عن ابن مسعود رضي الله عنه به, أي لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة وزعم قتاده والسدي أن المراد بالباطل ههنا إبليس, أي أنه لا يخلق أحداً ولا يعيده ولا يقدر على ذلك, وهذا وإن كان حقاً ولكن ليس هو المراد ههنا, والله أعلم.
وقوله تبارك وتعالى: "قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي" أي الخير كله من عند الله, وفيما أنزل الله عز وجل من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد, ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه, كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما سئل عن تلك المسألة في المفوضة أقول فيها برأيي, فإن يكن صواباً فمن الله, وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. وقوله تعالى: "إنه سميع قريب" أي سميع لأقوال عباده قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه, وقد روى النسائي هنا حديث أبي موسى في الصحيحين "إنكم لاتدعون أصم ولا غائباً, إنما تدعون سميعاً قريباً مجيباً".
ثم أمر سبحانه أن يخبرهم أنه لم يكن له غرض في الدنيا ولا رغبة فيها حتى تنقطع عندهم الشكوك ويرتفع الريب فقال: 47- "قل ما سألتكم من أجر فهو لكم" أي ما طلبت منكم من جعل تجعلونه لي مقابل الرسالة فهو لكم إن سألتكموه، والمارد نفي السؤال بالكلية، كما يقول القائل: ما أملكه في هذا فقد وهبته لك، يريد أنه لا ملك له فيه أصلاً، ومثل هذه الآية قوله: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" وقوله: " ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ". ثم بين لهم أن أجره عند الله سبحانه فقال: "إن أجري إلا على الله" أي ما أجري إلا على الله لا على غيره "وهو على كل شيء شهيد" أي مطلع لا يغيب عنه من شيء.
47- " قل ما أسألكم عليه "، على تبليغ الرسالة، "من أجر"، جعل "فهو لكم"، يقول: قل لا أسالكم على تبليغ الرسالة أجراً فتتهموني، ومعنى قوله: فهو لكم أي: لم أسألكم شيئاً كقول القائل: ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء، "إن أجري"، ما ثوابي، "إلا على الله وهو على كل شيء شهيد".
47ـ " قل ما سألتكم من أجر " أي شيء سألتكم من أجر على الرسالة . " فهو لكم " والمراد نفي السؤال عنه ، كأن جعل التنبي مستلزماً لأحد الأمرين إما الجنون وإما توقع نفع دنيوي عليه ، لأنه إما أن يكون لغرض أو لغيره وأياً ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلاً منهما . وقبل " ما " موصولة مراد بها ما سألهم بقوله : " ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً " وقوله : " لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " واتخاذ السبيل ينفعهم وقرباه قرباهم . " إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد " مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي ، وقرأ ابن كثير و أبو بكر و وحمزة و الكسائي بإسكان الياء .
47. Say: Whatever reward I might have asked of you is yours. My reward is the affair of Allah only. He is Witness over all things.
47 - Say: No reward do I ask of you: it is (all) in your interest: my reward is only due from God: and He is Witness to all things.