[سبإ : 22] قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ
22 - (قل) يا محمد لكفار مكة (ادعوا الذين زعمتم) أي زعمتموهم آلهة (من دون الله) غيره لينفعوكم بزعمكم قال تعالى فيهم (لا يملكون مثقال) وزن (ذرة) من خير أو شر (في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك) شركة (وما له) تعالى (منهم) من الآلهة (من ظهير) معين
يقول تعالى ذكره: فهذا فعلنا بولينا ومن أطاعنا، داود وسليمان الذي فعلنا بهما من إنعامنا عليهما النعم التي لا كفاء لها إذ شكرانا، وذاك فعلنا بسبإ الذين فعلنا بهم، إذ بطروا نعمتنا، وكذبوا رسلنا، وكفروا أيادينا، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم من قومك، الجاحدين نعمنا عندهم: ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم لله شريك من دونه، فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا، بالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إياس، فإن لم يقدروا على ذلك فاعلموا أنكم مبطلون، لأن الشركة في الربوبية لا تصلح ولا تجوز. ثم وصف الذين يدعون من دون الله، فقال: إنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض من خير ولا شر ولا ضر ولا نفع، فكيف يكون إلهاً من كان كذلك. وقوله " وما لهم فيهما من شرك " يقول تعالى ذكره: ولا هم إذ لم يكونوا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، منفردين بملكه من دون الله، يملكونه على وجه الشركة، لأن الأملاك في المملوكات، لا تكون لمالكها إلا على أحد وجهين: إما مقسوماً، وإما مشاعاً، يقول: وآلهتهم التي يدعون من دون الله، لا يملكون وزن ذرة في السماوات ولا في الأرض، لا مشاعاً ولا مقسوماً، فكيف يكون من كان هكذا شريكاً لمن له ملك جميع ذلك. وقوله " وما له منهم من ظهير " يقول: وما لله من الآلهة التي يدعون من دونه معين على خلق شيء من ذلك، ولا على حفظه، إذ لم يكن لها ملك شيء منه مشاعاً ولا مقسوماً، فيقال: هو لك شريك من أجل أنه أعان وإن لم يكن له ملك شيء منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك " يقول: ما لله من شريك في السماء ولا في الأرض " وما له منهم " من الذين يدعون من دون الله " من ظهير " من عون بشيء.
قوله تعالى: " قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله" أي هذا الذي مضى ذكره من أمر داود وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين هل عند شركائكم قدرة على شيء من ذلك. وهذا خطاب توبيخ، وفيه إضمار: أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لتنفعكم أو لتدفع عنكم ما قضاه الله تبارك وتعالى عليكم، فإنهم لا يملكون ذلك، و "لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير" أي ما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء، بل الله المنفرد بالإيجاد فهو الذي يعبد، وعبادة غيره محال.
بين تبارك وتعالى أنه الإله الواحد الأحد الفرد الصمد, الذي لا نظير له ولا شريك له, بل هو المستقل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض, فقال: "قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله" أي من الالهة التي عبدت من دونه " لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض " كما قال تبارك وتعالى: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " وقوله تعالى: " وما لهم فيهما من شرك " أي لا يملكون شيئاً استقلالاً ولا على سبيل الشركة "وما له منهم من ظهير" أي وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور, بل الخلق كلهم فقراء إليه عبيد لديه, قال قتادة في قوله عز وجل: " وما له منهم من ظهير " من عون يعينه بشيء.
ثم قال تعالى: "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" أي لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترىء أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة, كما قال عز وجل: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وقال جل وعلا: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" وقال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون" ولهذا ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم, وأكبر شفيع عند الله تعالى أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم أن يأتي ربهم لفصل القضاء قال: "فأسجد لله تعالى فيدعني ما شاء الله أن يدعني, ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الان, ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع" الحديث بتمامه.
وقوله تعالى: "حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق" وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة, وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السموات كلامه, أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي, قاله ابن مسعود رضي الله عنه ومسروق وغيرهما "حتى إذا فزع عن قلوبهم" أي زال الفزع عنها, قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم و أبو عبد الرحمن السلمي والشعبي وإبراهيم النخعي والضحاك والحسن وقتادة في قوله عز وجل: "حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق" يقول: خلى عن قلوبهم, وقرأ بعض السلف, وجاء مرفوعاً إذا فرغ بالغين المعجمة ويرجع إلى الأول فإذا كان كذلك سأل بعضهم بعضاً ماذا قال ربكم ؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ثم الذين يلونهم لمن تحتهم, حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا, ولهذا قال تعالى: "قالوا الحق" أي أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان "وهو العلي الكبير".
وقال آخرون: بل معنى قوله تعالى: "حتى إذا فزع عن قلوبهم" يعني المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة قالوا: ماذا قال ربكم ؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا, قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "حتى إذا فزع عن قلوبهم" كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال الحسن "حتى إذا فزع عن قلوبهم" يعني ما فيها من الشك والتكذيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم " حتى إذا فزع عن قلوبهم " يعني ما فيها من الشك قال: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم "قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير" قال: وهذا في بني آدم هذا عند الموت, أقروا حين لا ينفعهم الإقرار, وقد اختار ابن جرير القول الأول: إن الضمير عائد على الملائكة, وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه والاثار, ولنذكر منها طرفاً يدل على غيره.
قال البخاري عند تفسير هذه الاية الكريمة في صحيحه, حدثنا الحميدي , حدثنا سفيان , حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان, فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير, فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ـ ووصف سفيان بيده فحرفها, ونشر بين أصابعه ـ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته, ثم يلقيها الاخر إلى من تحته, حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن, فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها, وربما ألقاها قبل أن يدركه, فيكذب معها مائه كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا, كذا وكذا فيصد بتلك الكلمة التي سمعت من السماء" انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه, وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به, والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر , أخبرنا الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه, قال عبد الرزاق : من الأنصار, فرمي بنجم فاستنار, فقال صلى الله عليه وسلم: ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية قالوا: كنا نقول يولد عظيم أو يموت عظيم. قلت للزهري : أكان يرمى بها في الجاهلية, قال: نعم ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته, ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً سبح حملة العرش, ثم سبح أهل السماء الذي يلونهم حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا, ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش, فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم, ويخبر أهل كل سماء سماء, حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء وتخطف الجن السمع فيرمون, فما جاؤوا به على وجهه فهو حق, ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون" هكذا رواه الإمام أحمد , وقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث صالح بن كيسان والأوزاعي ويونس ومعقل بن عبيد الله , أربعتهم عن الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن رجل من الأنصار به. وقال يونس عن رجال من الأنصار رضي الله عنهم, وكذا رواه النسائي في التفسير من حديث الزبيدي عن الزهري به, ورواه الترمذي فيه عن الحسين بن حريث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي , عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل من الأنصار رضي الله عنه, والله أعلم.
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف وأحمد بن منصور بن سيار الرمادي , والسياق لمحمد بن عوف , قالا: حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا الوليد هو ابن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبد الله بن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحي بأمره تلكم بالوحي, فإذا تكلم أخذت السموات منه رجفة ـ أو قال رعدة ـ شديدة من خوف الله تعالى, فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجداً, فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه الصلاة والسلام, فيكلمه الله من وحيه بما أراد, فيمضي به جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة, كلما مر بسماء سماء يسأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول عليه السلام: قال الحق وهو العلي الكبير, فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل, فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض" وكذا رواه ابن جرير وابن خزيمة عن زكريا بن أبان المصري عن نعيم بن حماد به. وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول: ليس هذا الحديث بالتام عن الوليد بن مسلم رحمه الله, وقد روى ابن أبي حاتم من حديث العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما, وعن قتادة أنهما فسرا هذه الاية بابتداء إيحاء الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى عليه الصلاة والسلام, ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الاية.
قوله: 22- "قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله" هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لكفار قريش أو للكفار على الإطلاق هذا القول، ومفعولا زعمتم محذوفان: أي زعمتموهم آلهة لدلالة السياق عليهما. قال مقاتل: يقول ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سنين الجوع. ثم أجاب سبحانه عنهم فقال: "لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض" أي ليس لهم قدرة على خير ولا شر، ولا على جلب نفع ولا دفع ضرر في أمر من الأمور، وذكر السموات والأرض لقصد التعميم لكونهما ظرفاً للموجودات الخارجية "وما لهم فيهما من شرك" أي ليس للآلهة في السموات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف "وما له منهم من ظهير" أي وما لله سبحانه من تلك الآلهة من معين يعينه على شيء من أمر السوات والأرض ومن فيهما.
22- "قل"، يا محمد لكفار مكة، "ادعوا الذين زعمتم"، أنهم آلهة، "من دون الله"، وفي الآية حذف، أي: ادعوهم ليكشفوا الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، ثم وصفها فقال: "لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض"، من خير وشر ونفع وضر "وما لهم"، أي: للآلهة، "فيهما"، في السموات والأرض، "من شرك"، شركة، "وما له"، أي: وما الله، "منهم من ظهير"، عون.
22ـ " قل " للمشركين . " ادعوا الذين زعمتم " أي زعمتموهم آلهة ، وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه ، ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاماً ولا " لا يملكون " لأنهم لا يزعمونه . " من دون الله " والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ، ثم أجاب عنهم إشعاراً بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال : " لا يملكون مثقال ذرة " من خير أو شر . " في السموات ولا في الأرض " في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي ، أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام ، أو لأن الأسباب القريبة للشر والخير سماوية وأرضية والجملة استئناف لبيان حالهم . " وما لهم فيهما من شرك " من شركة لا خلقاً ولا ملكاً .
" وما له منهم من ظهير " يعينه على تدبير أمرهما .
22. Say (O Muhammad): Call upon those whom ye set up beside Allah! They possess not an atom's weight either in the heavens or the earth, nor have they any share either, nor hath He an auxiliary among them.
22 - Say: Call upon other (gods) whom ye fancy, besides God: they have no power, not the weight of an atom, in the heavens or on earth: no (sort of) share have they therein, nor is any of them a helper to God.