[سبإ : 21] وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
21 - (وما كان له عليهم من سلطان) تسليط (إلا لنعلم) علم ظهور (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) فنجازي كلا منهما (وربك على كل شيء حفيظ) رقيب
يقول تعالى ذكره: وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حجة يضلهم بها، إلا بتسليطنا عليهم، ليعلم حزبنا وأولياؤنا " من يؤمن بالآخرة " يقول: من يصدق بالبعث والثواب والعقاب " ممن هو منها في شك " فلا يوقن بالمعاد، ولا يصدق بثواب ولا عقاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وما كان له عليهم من سلطان " قال: قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا سيف ولا سوط، إلا أماني وغروداً دعاهم إليها.
قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " قال: وإنما كان بلاءاً ليعلم الله الكافر من المؤمن. وقيل: عني بقوله " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة " إلا لنعلم ذلك موجوداً ظاهراً ليستحق به الثواب أو العقاب.
وقوله " وربك على كل شيء حفيظ " يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به، وغير ذلك من الأشياء كلها " حفيظ " لا يعزب عنه علم شيء منه، وهو مجاز جميعهم يوم القيامة، بما كسبوا في الدنيا من خير وشر.
قوله تعالى: "وما كان له عليهم من سلطان" أي لم يقهرهم إبليس على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والتزيين. والسلطان: القوة. وقيل الحجة، أي لم تكن له حجة يستتبعهم بها، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس لا عن حجة ودليل. "إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة" يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب، فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى. ومذهب الفزاء أن يكون المعنى: إلا لنعلم ذلك عندكم كما قال: " أين شركائي" (النحل: 27) على قولكم وعندكم، وليس قوله: "إلا لنعلم " جواب "وما كان له عليهم من سلطان " في ظاهره إنما هو محمول على المعنى أي وما جعلنا له سلطاناً إلا لنعلم، فالاستثناء منقطع، أي لا سلطان له عليهم ولكنا ابتليناهم بوسوسته لنعلم، فـ(ـإلا) بمعنى لكن. وقيل هو متصل، أي ما كان له عليهم من سلطان، غير أنا سلطناه عليهم ليتم الابتلاء. وقيل: كان زائدة أي وما له عليهم من سلطان، كقوله: "كنتم خير أمة" (آل عمران: 110،) أي أنتم خير أمة. وقيل: لما اتصل طرف منه بقصة سبأ قال: وما كان لإبليس على أولئك الكفار من سلطان. وقيل: وما كان له في قضائنا السابق سلطان عليهم. وقيل:إلا لنعلم إلا لنظهر، وهو كما تقول: النار تحرق الحطب، فيقول آخر لا بل الحطب يحرق النار فيقول الأول تعال حتى نجرب الناروالحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه، أي لنظهر ذلك وإن كان معلوماً لهم ذلك. وقيل: إلا لتعلموا أنتم. وقيل: أي ليعلم أولياؤنا والملائكة كقوله: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" ( المائدة: 133) أي يحاربون أولياء الله ورسوله. وقيل: أي ليميز كقوله: "ليميز الله الخبيث من الطيب " (الأنفال: 37،) وقد مضى هذا المعنى في البقرة وغيرها. وقرأ الزهري: إلا ليعلم على ما لم يسم فاعله. "وربك على كل شيء حفيظ " أي أنه عالم بكل شيء. وقيل: يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه.
لما ذكر تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان, أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى وخالف الرشاد والهدى, فقال: "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن إبليس حين امتنع من السجود لادم عليه الصلاة والسلام, ثم قال: "أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً" وقال: " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " والايات في هذا كثيرة, وقال الحسن البصري : لما أهبط الله آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ومعه حواء, هبط إبليس فرحاً بما أصاب منهما, وقال: إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف, وكان ذلك ظناً من إبليس, فأنزل الله عز وجل "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين" فقال عند ذلك إبليس: لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح أعده وأمنيه وأخدعه, فقال الله تعالى: "وعزتي وجلالي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت, ولا يدعوني إلا أجبته, ولا يسألني إلا أعطيته, ولا يستغفر إلا غفرت له", رواه ابن أبي حاتم .
وقوله تبارك وتعالى: "وما كان له عليهم من سلطان" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي من حجة. وقال الحسن البصري : والله ما ضربهم بعصا ولا أكرهم على شيء, وما كان إلا غروراً وأماني, دعاهم إليها فأجابوه, وقوله عز وجل: " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " أي إنما سلطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالاخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء, فيحسن عبادة ربه عز وجل في الدنيا ممن هو منها في شك.
وقوله تعالى: "وربك على كل شيء حفيظ" أي ومع حفظه ضل من ضل من أتباع إبليس, وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرسل.
21- "وما كان له عليهم من سلطان" أي ما كان له تسلط عليهم: أي لم يقهرهم على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والوسوسة والتزيين، وقيل السلطان والقوة، وقيل الحجة، والاستثناء في قوله: "إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك" منقطع، والمعنى: لا سلطان له عليهم، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم. وقيل هو متصل مفرغ من أعم العام: أي ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال ولا لعلة من العلل إلا ليتميز من يؤمن، ومن لا يؤمن، لأنه سبحانه قد علم ذلك علماً أزلياً. وقال الفراء: المعنى إلا لنعلم ذلك عندكم، وقيل إلا لتعلموا أنتم، وقيل ليعلم أولياؤنا والملائكة. وقال الزهري إلا ليعلم على البناء للمفعول، والأولى حمل العلم هنا على التمييز والإظهار كما ذكرنا "وربك على كل شيء حفيظ" أي محافظ عليه. قال مقاتل: علم كل شيء من الإيمان والشك.
وقد أخرج أحمد والبخاري والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهم عن فروة بن مسيك المرادي قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده أرسل في أثري فردني فقال: ادع القوم، فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك، وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل، يا رسول الله وما سبأ: أرض أم امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا، فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار؟ قال: الذي منهم خثعم وبجيلة". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبراني وابن عدي والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بأخصر منه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " سيل العرم " قال: الشديد. وأخرج ابن جرير عنه قال: "سيل العرم" واد كان باليمن كان يسيل إلى مكة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "أكل خمط" قال: الأراك. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "وهل نجازي إلا الكفور" قال: تلك المناقشة. وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عنه أيضاً في قوله: "وجعلنا بينهم" يعني بين مساكنهم "وبين القرى التي باركنا فيها" يعني الأرض المقدسة "قرى ظاهرة" يعني عامرة مخصبة "وقدرنا فيها السير" يعني فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام "سيروا فيها" إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من المقدسة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" قال إبليس: إن آدم خلق من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون خلقاً ضعيفاً، وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء لأحتنكن ذريته إلا قليلاً. قال فصدق ظنه عليهم "فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين" قال هم المؤمنون كلهم.
قال الله تعالى: 21- "وما كان له عليهم من سلطان"، أي: ما كان تسليطنا إياه عليهم، "إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك"، أي: إلا لنعلم، لنرى ونميز المؤمن من الكافر، وأراد علم الوقوع والظهور، وقد كان معلوماً عنده بالغيب، "وربك على كل شيء حفيظ"، رقيب.
21ـ " وما كان له عليهم من سلطان " تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء . " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقاً يترتب عليه الجزاء أو ليتميز المؤمن من الشاك ، أو ليؤمن من قدر إيمانه وسيشك من قدر ضلاله ، والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة ، في نظم الصلتين نكتة لا تخفى . " وربك على كل شيء حفيظ " محافظ والزنتان متآخيتان .
21. And he had no warrant whatsoever against them, save that We would know him who believeth in the Hereafter from him who is in doubt thereof; and thy Lord (O Muhammad) taketh note of all things.
21 - But he had no authority over them, except that We might test the man who believes in the Hereafter from him who is in doubt concerning it: and thy Lord doth watch over all things.