[لقمان : 20] أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ
20 - (ألم تروا) تعلموا يا مخاطبين (أن الله سخر لكم ما في السماوات) من الشمس والقمر والنجوم لتنتفعوا بها (وما في الأرض) من الثمار والأنهار والدواب (وأسبغ) أوسع وأتم (عليكم نعمه ظاهرة) وهي حسن الصورة وتسوية الأعضاء وغير ذلك (وباطنة) هي المعرفة وغيرها (ومن الناس) أهل مكة (من يجادل في الله بغير علم ولا هدى) من رسول (ولا كتاب منير) أنزله الله بل بالتقليد
يقول تعالى ذكره " ألم تروا " أيها الناس " أن الله سخر لكم ما في السماوات " من شمس وقمر ونجم وسحاب " وما في الأرض " من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ".
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين ( وأسبع عليكم نعمة) على الواحدة، ووجهوا معناها إلى أنه الإسلام، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلا الله. وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة " نعمه " على الجماع، ووجهوا معنى ذلك، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السماوات والأرض، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله ( شاكرا لأنعمه) ( النحل: 121) قالوا: فهذا جمع النعم.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار متقاربتا المعنى، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة، ومعنى الجماع، وقد يدخل في الجماع الواحدة. وقد قال جل ثناؤه ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) ( إبراهيم: 34) فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة. وقال في موضع آخر: ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه، فجمعها، فبأي القراءتين قرأ القارىء ذلك فمصيب.
ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد، وفسره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، قال: ثني مستور الهنائي، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأها ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة) وفسرها الإسلام.
حدثت عن الفراء، قال: ثني شريك بن عبد الله، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قرأ ( نعمة) واحدة. قال: ولو كانت نعمه، لكانت نعمة دون نعمة، أو نعمة فوق نعمة ( الشك من الفراء ).
حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حميد، قال: قرأ مجاهد ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة) قال: لا إله إلا الله.
حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا ابن أبي بكير، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة) قال: كان يقول: هي لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنه) قال: لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عيسى، عن قيس، عن ابن عباس (نعمة ظاهرة وباطنة) قال: لا إله إلا الله. وقوله " ظاهرة " يقول: ظاهرة على الألسن قولاً، وعلى الأبدان وجوارح الجسد عملاً. وقوله " وباطنة " يقول وباطنة في القلوب اعتقاداً ومعرفة.
وقوله " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى " يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يخاصم في توحيد الله، وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم، ولاهدى: يقول: ولا بيان يبين به صحة ما يقول " ولا كتاب منير " يقول: ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعي، يبين حقية دعواه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " ليس معه من الله برهان ولا كتاب.
قوله تعالى: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض"
يقول تعالى منبهاً خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والاخرة بأنه سخر لهم ما في السموات من نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم, وما يخلق فيها من سحاب وأمطار وثلج وبرد, وجعله إياها لهم سقفاً محفوظاً, وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار, وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة الشبه والعلل, ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم, بل منهم من يجادل في الله, أي في توحيده وإرساله الرسل ومجادلته في ذلك بغير علم, ولا مستند من حجة صحيحة, ولا كتاب مأثور صحيح, ولهذا قال تعالى: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" أي مبين مضيء "وإذا قيل لهم" أي لهؤلاء المجادلين في توحيد الله "اتبعوا ما أنزل الله" أي على رسوله من الشرائع المطهرة"قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" أي لم يكن لهم حجة إلا اتباع الاباء الأقدمين, قال الله تعالى: " أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " أي فما ظنكم أيها المحتجون بصنيع آبائهم أنهم كانوا على ضلالة وأنتم خلف لهم فيما كانوا فيه, ولهذا قال تعالى: " أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ".
لما فرغ سبحانه من قصة لقمان رجع إلى توبيخ المشركين وتبكيتهم وإقامة الحجج عليهم فقال: 20- "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض" قال الزجاج: معنى تسخيرها للآدميين الانتفاع بها انتهى، فمن مخلوقات السموات المسخرة لبني آدم: أي التي ينتفعون بها الشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك. ومن جملة ذلك الملائكة فإنهم حفظة لبني آدم بأمر الله سبحانه، ومن مخلوقات الأرض المسخرة لبني آدم الأحجار والتراب والزرع والشجر والثمر والحيوانات التي ينتفعون بها والعشب الذي يرعون فيه دوابهم وغير ذلك مما لا يحصى كثرة، فالمراد بالتسخير جعل المسخر بحيث ينتفع به المسخر له سواء كان منقاداً له وداخلاً تحت تصرفه أم لا "وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" أي أتم وأكمل عليكم نعمه، يقال سبغت النعمة إذا تمت وكملت. قرأ الجمهور "أسبغ" بالسين، وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة أصبغ بالصاد مكان السين. والنعم جمع نعمة على قراءة نافع وأبي عمرو وحفص، وقرأ الباقون "نعمةً" بسكون العين على الإفراد والتنوين اسم جنس يراد به الجمع ويدل به على الكثرة، كقوله: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" وهي قراءة ابن عباس. والمراد بالنعم الظاهرة ما يدرك بالعقل أو الحس ويعرفه من يتعرفه، وبالباطنة ما لا يدرك للناس ويخفى عليهم. وقيل الظاهرة الصحة وكمال الخلق، والباطنة المعرفة والعقل. وقيل الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال وفعل الطاعات، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفعه الله عن البعد من الآفات. وقيل الظاهرة نعم الدنيا، والباطنة نعم الآخرة. وقيل الظاهرة الإسلام والجمال، والباطنة ما ستره الله على العبد من الأعمال السيئة "ومن الناس من يجادل في الله" أي في شأن الله سبحانه في توحيده وصفاته مكابرة وعناداً بعد ظهور الحق له وقيام الحجة عليه، ولهذا قال: "بغير علم" من عقل ولا نقل "ولا هدىً" يهتدي به إلى طريق الصواب "ولا كتاب منير" أنزله الله سبحانه، بل مجرد تعنت ومحض عناد، وقد تقدم تفسيبر هذه الآية في سورة البقرة.
قوله تعالى: 20- "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم"، أتم وأكمل، "نعمه"، قرأ أهل المدينة، وأبو عمرو، وحفص، نعمه بفتح العين وضم الهاء على الجمع، وقرأ الآخرون منونة على الواحد، ومعناها الجمع أيضاً كقوله: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" (إبراهيم-14)، "ظاهرة وباطنة"، قال عكرمة عن ابن عباس: النعمة الظاهرة: الإسلام والقرآن، والباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة.
وقال الضحاك: الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء، والباطنة: المعرفة. وقال مقاتل: الظاهرة: تسوية الخلق، والرزق، والإسلام. والباطنة: ما ستر من الذنوب.
وقال الربيع: الظاهرة بالجوارح، والباطنة: بالقلب.
وقيل: الظاهرة الإقرار: باللسان، والباطنة: الاعتقاد بالقلب.
وقيل: الظاهرة: تمام الرزق والباطنة: حسن الخلق. وقال عطاء: الظاهرة: تخفيف الشرائع، والباطنة: الشفاعة.
وقال مجاهد: الظاهرة: ظهور الإسلام والنصر على الأعداء، والباطنة: الإمداد بالملائكة. وقيل: الظاهرة: الإمداد بالملائكة، والباطنة: إلقاء الرعب في قلوب الكفار.
وقال سهل بن عبد الله: الظاهرة: اتباع الرسول، والباطنة: محبته.
"ومن الناس من يجادل في الله بغير علم"، نزلت في النضر بن الحارث، وأبي بن خلف، وأمية بن خلف، وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته بغير علم، "ولا هدى ولا كتاب منير".
20 -" ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات " بأن جعله أسباباً محصلة لمنافعكم . " وما في الأرض " بأن مكنكم من الانتفاع به بوسط أو غير وسط " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً " محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقد مر شرح النعمة وتفصيلها في الفاتحة ، وقرئ (( وأصبغ )) بالإبدال وهو جار في كل سين اجتمع من الغين أو الخاء أو القاف كصلخ وصقر، وقرأ نافع و أبو عمرو و حفص (( نعمه )) بالجمع والإضافة . " ومن الناس من يجادل في الله " في توحيده وصفاته . " بغير علم " مستفاد من دليل . " ولا هدى " راجع إلى رسول . " ولا كتاب منير " أنزله الله بل بالتقليد كما قال :
20. See ye not how Allah hath made serviceable unto you whatsoever is in the skies and whatsoever is in the earth and hath loaded you with His favors both without and within? Yet of mankind is he who disputeth concerning Allah, without knowledge or guidance or a Scripture giving light.
20 - Do ye not see that God has subjected to Your (use) all things in the heavens and on earth, and has made His bounties flow to you in exceeding measure, (both) seen and unseen? yet there are among men those who dispute about God, without knowledge and without guidance, And without a Book to enlighten them.