[الروم : 18] وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ
18 - (وله الحمد في السماوات والأرض) اعتراض ومعناه يحمده أهلهما (وعشيا) عطف على حين وفيه صلاة العصر (وحين تظهرون) تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر
" وله الحمد في السماوات والأرض " يقول: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السماوات من سكانها من الملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها، " وعشيا " يقول: وسبحوه أيضاً عشياً، وذلك صلاة العصر " وحين تظهرون " يقول: وحين تدخلون في وقت الظهر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس: هل نجد ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله؟ قال: نعم " فسبحان الله حين تمسون " المغرب " وحين تصبحون " الفجر " وعشيا " العصر " وحين تظهرون " الظهر، قال: ( ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) ( النور: 58).
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن، قال: نعم، فقرأ " فسبحان الله حين تمسون " قال: صلاة المغرب " وحين تصبحون " قال: صلاة الصبح " وعشيا " قال: صلاة العصر " وحين تظهرون " صلاة الظهر، ثم قرأ ( ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) ( النور: 58).
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم بن أبي عياض، عن ابن عباس، قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة " فسبحان الله حين تمسون " قال: المغرب والعشاء " وحين تصبحون " الفجر " وعشيا " العصر " وحين تظهرون " الظهر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس، بنحوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس في قوله: " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " ... إلى قوله " وحين تظهرون " قال: جمعت الصلوات، " فسبحان الله حين تمسون " المغرب والعشاء " وحين تصبحون " صلاة الصبح " وعشيا " صلاة العصر " وحين تظهرون " صلاة الظهر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد " فسبحان الله حين تمسون " المغرب والعشاء " وحين تصبحون " الفجر " وعشيا " العصر " وحين تظهرون " الظهر، وكل سجدة في القرآن فهي صلاة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فسبحان الله حين تمسون " لصلاة المغرب " وحين تصبحون " لصلاة الصبح " وعشيا " لصلاة العصر " وحين تظهرون " صلاة الظهر أربع صلوات.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ". قال: حين تمسون: صلاة المغرب، وحين تصبحون: صلاة الصبح، وعشياً: صلاة العصر، وحين تظهرون: صلاة الظهر.
الثانية: قوله تعالى: "وله الحمد في السماوات والأرض" اعتراض بين الكلام بدوؤب الحمد على نعمه وآلائة. وقيل: معنى وله الحمد أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد. والأول أظهر، فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته، فيكون نوعاً آخر خلاف الصلاة، والله أعلم. وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدم النهار. وفي سورة سبحان بدأ بصلاة الظهر إذ هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم. الماوردي: وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلباً في أحوال توجب حمد الله تعالى عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها، فذلك صار الحم به صلاة الليل.
الثالثة: قرأ عكرمة حيناً تمسون وحيناً تصحبون والمعنى: حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه، فحذف فيه تخفيفاً، والقول فيه كالقول في "اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا" البقرة:123 . وعشيا قال الجوهري: العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة، تقول: أتيته عشية أمس وعشي أمس. وتصغير العشي: عشيان، على غير قياس مكبره، كأنهم صغروا عشياناً، والجمع عشيانات. وقيل أيضاً في تصغيره: بالكسر والمد مثل العشي. والعشاءان المغرب والعتمة. وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا:
غدونـا غدوة سحراً بليل عشاء بعد ما انتصف النهار
الماوردي: والفرق بين المساء والعشاء: أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب، وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس.
هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة, وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء, وهو إقبال الليل بظلامه, وعند الصباح وهو إسفار النهار عن ضيائه. ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد, فقال تعالى: "وله الحمد في السموات والأرض" أي هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض, ثم قال تعالى: "وعشياً وحين تظهرون" فالعشاء هو شدة الظلام, والإظهار قوة الضياء, فسبحان خالق هذا وهذا, فالق الإصباح, وجاعل الليل سكناً, كما قال تعالى: "والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها" وقال تعالى: "والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى" وقال تعالى: " والضحى * والليل إذا سجى " والايات في هذا كثيرة.
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون, وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون" وقال الطبراني : حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي , حدثنا عبد الله بن صالح , حدثني الليث بن سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه , عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ومن قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون, وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون, الاية بكمالها أدرك ما فاته في يومه, ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته" إسناد جيد ورواه أبو داود في سننه..
وقوله تعالى: "يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي" هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة, وهذه الايات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط, فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها, ليدل خلقه على كمال قدرته, فمن ذلك إخراج النبات من الحب والحب من النبات, والبيض من الدجاج والدجاج من البيض, والإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان, والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وقوله تعالى: "ويحيي الأرض بعد موتها" كقوله تعالى: " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون " وقال تعالى: " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " وقال تعالى: " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " ولهذا قال ههنا "وكذلك تخرجون".
وجملة 18- "وله الحمد في السموات والأرض" معترضة مسوقة للإرشاد إلى الحمد والإيذان بمشروعية الجمع بينه وبين التسبيح كما في قوله سبحانه: "فسبح بحمد ربك" وقوله: "ونحن نسبح بحمدك" وقيل معنى وله الحمد: أي الاختصا له بالصلاة التي يقرأ فيها الحمد، والأول أولى. وقرأ عكرمة حينا تمسون وحينا تصبحون والمعنى: حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه والعشي من صلاة المغرب إلى العتمة. قاله الجوهري، وقال قوم: هو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، ومنه قول الشاعر:
غدونا غدوه سحراً بليل عشيا بعد ما انتصف النهار
وقوله: "عشياً" معطوف على حين، وفي السموات متعلق بنفس الحمد: أي الحمد له يكون في السموات والأرض.
18- "وله الحمد في السموات والأرض"، قال ابن عباس: يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له، "وعشياً"، أي: صلوا لله عشياً، يعني صلاة العصر، "وحين تظهرون"، تدخلون في الظهيرة، وهو صلاة الظهر.
قال نافع بن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وقرأ هاتين الآيتين، وقال: جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، حدثنا السري بن خزيمة الأبيوردي، حدثنا المعلى بن سعد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا محمد بن فضيل، أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا علي بن المديني، أخبرنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال: سمعت كريباً أبا رشدين/ يحدث عن ابن عباس، عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها، وكان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية، وكره أن يقال خرج من عند برة، فخرج وهي في المسجد، ورجع بعدما تعالى النهار، فقال: ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد؟ قالت: نعم، فقال: لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بكلماتك لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته".
18 -" وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون " وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر ، ويجوز أن يكون " عشياً " معطوفاً على " حين تمسون " وقوله " وله الحمد في السموات والأرض " اعتراضاً . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الآية جامعة للصلوات الخمس " تمسون " صلاتا المغرب والعشاء ، و " تصبحون " صلاة الفجر ، و" عشيا " صلاة العصر ، و" تظهرون " صلاة الظهر . ولذلك زعم الحسن أنها مدنية لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة ، والأكثر على أنها فرضت بمكة . وعنه عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قاله حين يمسي أدرك ما فاته في يومه " . وقرئ (( حيناً تمسون )) و (( حيناً تصبحون )) أي تمسون فيه وتصبحون فيه .
18. Unto Him be praise in the heavens and the earth! and at the sun's decline and in the noonday.
18 - Yea, to Him be praise, in the heavens and on earth; and in the late afternoon and when the day begins to decline.