[آل عمران : 85] وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) لمصيره إلى النار المؤيدة عليه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه، "وهو في الآخرة من الخاسرين"، يقول: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عز وجل.
وذكر أن أهل كل ملة ادعوا أنهم هم المسلمون، لما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بالحج إن كانوا صادقين، لأن من سنة الإسلام الحج، فامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم.
ذكر الخبر بذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح قال ، زعم عكرمة: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا"، فقالت الملل: نحن المسلمون! فأنزل الله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" [آل عمران: 97]، فحج المسلمون، وقعد الكفار.
حدثني المثنى قال، حدثني القعنبي قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"، قالت اليهود: فنحن المسلمون! فأنزل الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يحجهم أن: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" [آل عمران: 97].
حدثني يونس قال ، أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لما نزلت: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا" إلى آخر الآية، قالت اليهود: فنحن مسلمون! قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم أن: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر" من أهل الملل "فإن الله غني عن العالمين" [آل عمران: 97].
وقال آخرون في هذه الآية بما:
حدثنا به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر" إلى قوله: "ولا هم يحزنون" [البقرة: 62]، فأنزل الله عز وجل بعد هذا: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".
(( غير )) مفعول بـ (( يبتغ )) ، (( دينا )) منصوب على التفسير ، ويجوز أن ينتصب دينا بـ يبتغ ، وينتصب غير على أنه حال من الدين . قال مجاهد والسدي : نزلت هذه الآيةفي الحارث بن سويد أخو الجلاس بن سويد ، وكان من الأنصار ، ارتد عن الأسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفارا ، فنزلت هذه الآية ، ثم أرسل إلى أخيه يطلب التوبة . وروي ذلك عن ابن عباس وغيره . قال ابن عباس : وأسلم بعد نزول الآيات . " وهو في الآخرة من الخاسرين " قال هشام : أي هو خاسر في الآخرة من الخاسرين ، ولولا هذا لفرقت بين الصلة والموصول . وقال المازني : الألف واللام مثلها في الرجل . وقد تقدم هذا في البقرة عند قوله : " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " .
يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين الله الذي أنزل به كتبه, وأرسل به رسله, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, الذي "له أسلم من في السموات والأرض" أي استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً, كما قال تعالى: "ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً" الاية, وقال تعالى: " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله, والكافر مستسلم لله كرهاً, فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع, وقد ورد حديث في تفسير هذه الاية على معنى آخر فيه غرابة, فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن النضر العسكري , حدثنا سعيد بن حفص النفيلي , حدثنا محمد بن محصن العكاشي , حدثنا الأوزاعي , عن عطاء بن أبي رباح , عن النبي صلى الله عليه وسلم "وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً", "أما من في السموات فالملائكة, وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام, وأما كرهاً فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون". وقد ورد في الصحيح "عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" وسيأتي له شاهد من وجه آخر, ولكن المعنى الأول للاية أقوى, وقد قال وكيع في تفسيره, حدثنا سفيان عن منصور , عن مجاهد "وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً" قال: هو كقوله "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" وقال أيضاً: حدثنا سفيان , عن الأعمش , عن مجاهد , عن ابن عباس "وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً" قال: حين أخذ الميثاق, "وإليه يرجعون" أي يوم المعاد فيجازي كلاً بعمله ثم قال تعالى: "قل آمنا بالله وما أنزل علينا" يعني القرآن, "وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب" أي من الصحف والوحي, "والأسباط" وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ الاثني عشر, "وما أوتي موسى وعيسى" يعني بذلك التوراة والإنجيل, "والنبيون من ربهم" وهذا يعم جميع الأنبياء جملة "لا نفرق بين أحد منهم" يعني: بل نؤمن بجميعهم "ونحن له مسلمون" فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل, وبكل كتاب أنزل, لا يكفرون بشيء من ذلك, بل هم يصدقون بما أنزل من عند الله, وبكل نبي بعثه الله.
ثم قال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" الاية, أي من سلك طريقاً سوى ما شرعه الله, فلن يقبل منه " وهو في الآخرة من الخاسرين " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم , حدثنا عباد بن راشد , حدثنا الحسن , حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تجىء الأعمال يوم القيامة, فتجىء الصلاة فتقول: يا رب, أنا الصلاة، فيقول إنك على خير، وتجيء الصدقة فتقول: يا رب, أنا الصدقة فيقول إنك على خير, ثم يجي الصيام فيقول: يا رب, أنا الصيام, فيقول: إنك على خير, ثم تجىء الأعمال كل ذلك يقول الله تعالى: إنك على خير, ثم يجىء الإسلام فيقول: يا رب, أنت السلام وأنا الإسلام, فيقول الله تعالى: إنك على خير, بك اليوم آخذ وبك أعطى, قال الله في كتابه " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " " تفرد به أحمد , قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : عباد بن راشد ثقة, ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .
قوله 85- "ديناً" مفعول للفعل: أي يبتغ ديناً حال كونه غير الإسلام، ويجوز أن ينتصب غير الإسلام على أنه مفعول الفعل، وديناً إما تمييز أو حال إذا أول بالمشتق، أو بدل من غير. قوله "وهو في الآخرة من الخاسرين" إما في محل نصب على الحال أو جملة مستأنفة: أي من الواقعين في الخسران يوم القيامة.
وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "وله أسلم من في السموات والأرض" قال: أما من في السموات فالملائكة، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأما كرهاً فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون. وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية: "الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار، وعبد القيس أطاعوه في الأرض". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال في الآية "أسلم من في السموات والأرض" حين أخذ عليهم الميثاق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله "وله أسلم" قال: المعرفة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منه "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه " أفغير دين الله يبغون "". وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرا في أذنها " أفغير دين الله يبغون " الآية إلا ذلت بإذن الله عز وجل. وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، وتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة، فيقول إنك على خير، ويجيء الصيام فيقول: أنا الصيام، فيقول إنك على خير، ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، قال الله تعالى في كتابه " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "".
85-قوله :"ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" ، نزلت في اثنى عشر رجلاً ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفاراً ، منهم الحارث بن سويد النصاري ، فنزل فيهم " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ".
85" ومن يبتغ غير الإسلام دينا " أي غير التوحيد والإنقياد لحكم الله. " فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " الواقعين في الخسران، والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع واقع في الخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها، واستدل به على أن الإيمان هو الإسلام إذا لو كان غيره لم يقبل. والجواب إنه ينفي قبول كل دين يغايره لا قبول كل ما يغايره، ولعل الدين أيضاً للأعمال.
85. And whoso seeketh as religion other than the Surrender (to Allah) it will not be accepted from him, and he will be a loser in the Hereafter.
85 - If anyone desires a religion other than Islam (submission to God), never will it be accepted of him; and in the hereafter he will be in the ranks of those who have lost (all spiritual good).