[آل عمران : 71] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
(يا أهل الكتاب لم تلبسون) تخلطون (الحق بالباطل) بالتحريف والتزوير (وتكتمون الحق) أي نعت النبي (وأنتم تعلمون) أنه حق
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أهل التوراة والإنجيل، "لم تلبسون"، يقول : لم تخلطون ، "الحق بالباطل".
وكان خلطهم الحق بالباطل ، إظهارهم بألسنتهم من التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله، غير الذي في قلوبهم من اليهودية والنصرانية.
كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف ، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف ، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوةً ونكفر به عشيةً، حتى نلبس عليهم دينهم ، لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعوا عن دينهم! فأنزل الله عز وجل فيهم: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل"، إلى قوله: "والله واسع عليم".
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل"، يقول: لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره ، الإسلام، ولا يجزى إلا به؟.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بمثله، إلا أنه قال: الذي لا يقبل من أحد غيره، الإسلام، ولم يقل: ولا يجزى إلا به.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل"، الإسلام باليهودية والنصرانية.
وقال آخرون في ذلك، بما:
حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قول الله عز وجل: "لم تلبسون الحق بالباطل"، قال : "الحق" التوراة التي أنزل الله على موسى، و"الباطل"، الذي كتبوه بأيديهم.
قال أبو جعفر: وقد بينا معنى اللبس فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولم تكتمون، يا أهل الكتاب، الحق؟.
و"الحق" الذي كتموه : ما في كتبهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه ونبوته، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"، كتموا شأن محمد، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"، يقول: يكتمون شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل: يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: "وتكتمون الحق"، الإسلام، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم، "وأنتم تعلمون" أن محمداً رسول الله، وأن الدين الإسلام.
وأما قوله: "وأنتم تعلمون"، فإنه يعني به : وأنتم تعلمون أن الذي تكتمونه من الحق حق، وأنه من عند الله.
وهذا القول من الله عز وجل ، خبر عن تعمد أهل الكتاب الكفر به، وكتمانهم ما قد علموا من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووجدوه في كتبهم ، وجاءتهم به أنبياؤهم.
اللبس : الخلط ، وقد تقدم في البقرة.ومعنى هذه الاية والتي قبلها معنى ذلك .
وتكتمون الحق ويجوزتكتموا على جواب الاستفهام . وانتم تعلمون جملة في موضع الحال .
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين, وبغيهم إياهم الإضلال, وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم, ثم قال تعالى منكراً عليهم "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره" الاية, هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم, وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار, ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح, فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين, ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون". وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخباراً عن اليهود بهذه الاية, يعني يهوداً صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكراً منهم, ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب: إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا, وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك .
وقوله تعالى: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم, ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: "قل إن الهدى هدى الله" أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الايات البينات, والدلائل القاطعات, والحجج الواضحات، وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين. وقوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين, فيتعلموه منكم, ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به, أو يحاجوكم به عند ربكم, أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم, فتقوم به عليكم الدلالة, وتتركب الحجة في الدنيا والاخرة, قال الله تعالى: "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" أي الأمور كلها تحت تصرفه, وهو المعطي المانع, يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام, ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته, ويختم على قلبه وسمعه, ويجعل على بصره غشاوة, وله الحجة التامة والحكمة البالغة "والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء, وهداكم به إلى أكمل الشرائع.
ولبس الحق بالباطل خلطه بما يتعمدونه من التحريف 71- "وأنتم تعلمون" جملة حالية.
71-" يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل " تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية التي أنزلت على موسى بالباطل الذي حرفتموه وكتبتموه بأيديكم " وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " أن محمداً صلى الله عليه وسلم ودينه حق.
71"يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل" بالتحريف وإبراز الباطل في صورته، أو في التقصير بالتمييز بينهما. وقريء تلبسون بالتشديد وتلبسون بفتح الباء أي تلبسون الحق مع الباطل كقوله عليه السلام "كلابس ثوبي زور" "وتكتمون الحق" نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته. "وأنتم تعلمون" عالمين بما تكتمونه.
71. O People of the Scripture! Why confound ye truth with falsehood and knowingly conceal the troth?
71 - Ye people of the book why do ye clothe truth with falsehood, and conceal the truth, while ye have knowledge?