[آل عمران : 66] هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
(ها) للتنبيه (أنتم) مبتدأ يا (هؤلاء) والخبر (حاججتم فيما لكم به علم) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم من دينهما (فلم تحاجُّون فيما ليس لكم به علم) من شأن إبراهيم (والله يعلم) شأنه (وأنتم لا تعلمون) قال تعالى تبرئة لإبراهيم:
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ها أنتم"، القوم الذين [قالوا في إبراهيم ما قالوا "حاججتم"]، خاصمتم وجادلتم، "فيما لكم به علم"، من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم ، وأتتكم به رسل الله من عنده ، وفي غير ذلك مما أوتيتموه وثبتت عندكم صحته ، "فلم تحاجون"، يقول : فلم تجادلون وتخاصمون ، "فيما ليس لكم به علم"، يعني: في الذي لا علم لكم به من أمر إبراهيم ودينه ، ولم تجدوه في كتب الله ، ولا أتتكم به أنبياؤكم ، ولا شاهدتموه فتعلموه؟ كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم"، أما الذي لهم به علم، فما حرم عليهم وما أمروا به. وأما الذي ليس لهم به علم، فشأن إبراهيم.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم"، يقول : فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم ، "فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم"، فيما لم تشاهدوا ولم تروا ولم تعاينوا ، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
وقوله: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، يقول : والله يعلم ما غاب عنكم فلم تشاهدوه ولم تروه ، ولم تأتكم به رسله من أمر إبراهيم وغيره من الأمور ومما تجادلون فيه ، لأنه لا يغيب عنه شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء في السموات ولا في الأرض، "وأنتم لا تعلمون"، من ذلك إلا ما عاينتم فشاهدتم، أو أدركتم علمه بالإخبار والسماع.
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " ها أنتم هؤلاء حاججتم " يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يعلمونه فيما يجدون من نعته في كتابهم فحاجوا فيه بالباطل . فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم يعني دعواهم في إبراهيم أنه كان يهوديا أو نصرانيا . والأصل في ها أنتم أأنتم فأبدل من الهمزة الأولى هاء لأنها أختها ، عن أبي عمرو ابن العلاء والأخفش . قال النحاس : وهذا قول حسن . وقرأ قنبل عن ابن كثير ها أنتم مثل هعنتم . والأحسن منه أن يكون الهاء بدلا من همزة فيكون أصله أأنتم . ويجوز أن تكون ها للتنبيه دخلت على أنتم وحذفت الألف لكثرة الاستعمال . وفي هؤلاء لغتان المد والقصر ومن العرب من يقصرها . وأنشد أبو حاتم :
لعمرك إنا والأحاليف هاؤلى لفي محنة أظفارها لم تقلم
وهؤلاء هاهنا في موضع النداء يعني يا هؤلاء . ويجوز هؤلاء خبر أنتم ، على أن يكون أولاء بمعنى الذين وما بعد صلة له . ويجوز أن يكون خبر أنتم حاججتم . وقد تقدم هذا في البقرة والحمد لله .
الثانية : في الآية دليل على المنع من الجدال لما لا علم له ، والحظر على من لا تحقيق عنده فقال عز وجل : " ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم " . وقد ورد الأمر بالجدال لمن علم وأيقن فقال تعالى : " وجادلهم بالتي هي أحسن " . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل أنكر ولده فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي ولدت غلاما أسود . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم . قال : ما ألوانها ؟ قال حمر : قال . هل فيها أورق ؟ قال نعم . قال : فمن أين ذلك ؟ قال : لعل عرقا نزع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا الغلام لعل عرقا نزع وهذا حقيقة الجدال ونهاية في تبيين الاستدلال من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ينكر تبارك وتعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل عليه السلام, ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم, كما قال محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتنازعوا عنده, فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً, وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانياً, فأنزل الله تعالى: "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم" الاية, أي كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهودياً, وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى ؟ وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانياً وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر ؟ ولهذا قال تعالى: "أفلا تعقلون" ثم قال تعالى: "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" الاية. هذا إنكار على من يحاج فيما لا علم له به, فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم, ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, لكان أولى بهم, وإنما تكلموا فيما لا يعلمون, فأنكر الله عليهم ذلك وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقائقها وجلياتها, ولهذا قال تعالى: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ثم قال تعالى: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً" أي متحنفاً عن الشرك قاصداً إلى الإيمان "وما كان من المشركين" وهذه الاية كالتي تقدمت في سورة البقرة "وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا" الاية. ثم قال تعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين" يقول تعالى: أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه وهذا النبي, يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم. قال سعيد بن منصور : حدثنا أبو الأحوص , عن سعيد بن مسروق , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن ابن مسعود رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "إن لكل نبي ولاة من النبيين, وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل" ثم قرأ "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه" الاية, وقد رواه الترمذي والبزار من حديث أبي أحمد الزبيري , عن سفيان الثوري , عن أبيه به, ثم قال البزار : ورواه غير أبي أحمد , عن سفيان , عن أبيه , عن أبي الضحى , عن عبد الله , ولم يذكر مسروقاً . وكذا رواه الترمذي من طريق وكيع عن سفيان , ثم قال: وهذا أصح, لكن رواه وكيع في تفسيره, فقال: حدثنا سفيان عن أبيه , عن أبي إسحاق , عن عبد الله بن مسعود , قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لكل نبي ولاية من النبيين, وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل إبراهيم عليه السلام" ثم قرأ "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا" الاية, قوله "والله ولي المؤمنين" أي ولي جميع المؤمنين برسله.
قوله "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم" الأصل في ها أنتم أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء، لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء والأخفش. قال النحاس: وهذا قول حسن. وقرأ قنبل " ها أنتم " وقيل: الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها: أي ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم وفي هؤلاء لغتان المد والقصر. والمراد بما لهم به علم هو ما كان في التوراة وإن خالفوا مقتضاه وجادلوا فيه بالباطل، والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه. وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق كما في حديث "من ترك المراء ولو محقاً فأنا ضمينه على الله يبيت في ربض الجنة". وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى "وجادلهم بالتي هي أحسن" "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ونحو ذلك، فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة. قوله "والله يعلم" أي كل شيء فيدخل في ذلك ما حاججوا به.

66-قوله تعالى: " ها أنتم" بتليين الهمزة حيث كان مدني، وأبو عمرو والباقون بالهمز، واختلفوا في أصلة فقال بعضهم : أصله : أنتم وها تنبيه ، وقال الأخفش: أصلة أأنتم ، فقلبت الهمزة الأولى هاء، كقولهم هرقت الماء وارقت "هؤلاء" أصله أولاء دخلت عليه هاء التنبيه وهي في موضع النداء، يعني يا هؤلاء انتم "حاججتم" جادلتم"فيما لكم به علم" يعني في امر موسى وعيسى وادعيتم أنكم على دينهما وقد أنزلت التوراة والانجيل عليكم " فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" وليس في كتابكم انه كان يهودياً او نصرانياً ، وقيل حاججتم فيما كلم به علم يعني في امر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم وجدوا نعته في كتابهم ، فجادلوا فيه بالباطل ، فلم تحاجون في إبراهيم ، وليس في كتابكم ن ولا علم لكم به ؟ " والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ثم برأ الله تعالى إبراهيم مما قالوا : فقال:
66" ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم " ها حرف تنبيه نبهوا بها على حالهم التي غفلوا عنها، وأنتم مبتدأ و"هؤلاء" خبره و "حاججتم" جملة أخرى مبينة للأولى. أي أنتم هؤلاء الحمقى وبيان حماقتكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والإنجيل عناداً، أو تدعون وروده في فلم تجادلون فيما لا علم لكم به ولا ذكر له في كتابكم من دين إبراهيم. وقيل "هؤلاء" بمعنى الذين و "حاججتم" صلته. وقيل ها أنتم أصله أأنتم على الاستفهام للتعجب من حماقتهم فقلبت الهمزة هاء. وقرأ نافع و أبو عمرو "ها أنتم" حيث وقع بالمد من غير همز، وورش أقل أمداً، وقنبل الهمزة من غير ألف بعد الهاء والباقون بالمد والهمز، والبزي بقصر المد على أصله. "والله يعلم" ما حاججتم فيه. "وأنتم لا تعلمون" وأنتم جاهلون به.
66. Lo! ye are those who argue about that whereof ye have some knowledge: Why then argue ye concerning that whereof ye have no knowledge? Allah knoweth. Ye know not.
66 - Ah ye are those who fell to disputing (even) in matters of which ye had some knowledge but why dispute ye in matters of which ye have no knowledge? it is God who knows, and ye who know not