[آل عمران : 6] هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك (لا إله إلا هو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الله الذي يصوركم فيجعلكم صوراً أشباحاً في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب، فيجعل هذا ذكراً وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يعرف عباده بذلك أن جميع من اشتملت عليه أرحام النساء، فممن صوره وخلقه كيف شاء، وأن عيسى ابن مريم ممن صوره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحب، وأنه لو كان إلهاً لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما فى الأرحام لا تكون الأرحام عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين، كما:
حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء"، أي: قد كان عيسى ممن صور في الأرحام، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صور غيره من بني آدم، فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل؟
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء"، أي: أنه صور عيسى في الرسم كيف شاء.
قال آخرون في ذلك ما:
حدثنا به موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء"، قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقةً أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً. فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكاً يصورها. فيأتي الملك بتراب بين إصبعيه فيخلطه في المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصورها كما يؤمر، فيقول: أذكر أو أنثى؟ أشقي أو سعيد؟ وما رزقه؟ وما عمره؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله، ويكتب الملك. فإذا مات ذلك الجسد، دفن حيث أخذ ذلك التراب.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء"، قادر والله ربنا أن يصور عباده في الأرحام كيف يشاء، من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خلقه وغير تام.
قال أبو جعفر: وهذا القول تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه أن يكون له في ربوبيته ند أو مثل، أو أن تجوز الألوهة لغيره، وتكذيب منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفد نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان على مثل الذي كانوا عليه من قولهم في عيسى، ولجميع من ادعى مع الله معبوداً أو أقر بربوبية غيره. ثم أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته، وعيداً منه لمن عبد غيره، أو أشرك في عبادته أحداً سواه، فقال: "هو العزيز" الذي لا ينصر من أراد الانتقام منه أحد، ولا ينجيه منه وأل ولا لجأ، وذلك لعزته التي يذل لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود. ثم أعلمهم أنه "الحكيم" في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بينة، ويحيي من حي عن بينة، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: ثم قال -يعني الرب عز وجل-: إنزاهاً لنفسه، وتوحيداً لها مما جعلوا معه: "لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، قال: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، والحكيم في عذره وحجته إلى عباده.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره.
قوله تعالى : " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم " .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " هو الذي يصوركم " أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات . وأصل الرحم من الرحمة ، لأنها مما يتراحم به . واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله ، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة . وهذه الآية تعظيم لله تعالى ، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران ، وأن عيسى من المصورين ، وذلك مما لا ينكره عاقل . وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة الحج والمؤمنون . وكذلك شرحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود ، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى . وفيه الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة . وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد وفي مسند ابن سنجر واسمه محمد بن سنجر حديث : " إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة " . وفي هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة ، وهو صريح في قوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه :
أن اليهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وجئت أسألك عن شئ لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان . قال " ينفعك إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني ، قال : جئتك أسألك عن الولد . فقالب النبي صلى الله عليه وسلم ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله تعالى وإذا علا مني المرآة مني الرجل آنثا بإذن الله " . وسيأتي بيانه آخر الشورى إن شاء الله تعالى .
الثانية : قوله تعالى : " كيف يشاء " يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة ، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة . وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث ، فقال لهم : إني مشغول عنكم بأربعة أشياء ، فلا أتفرغ لرواية الحديث. فقيل له : وما ذاك الشغل ؟ قال : أحدها أني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال :
هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت . والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك هو موكل على الأرحام :
يا رب شقي هو أم سعيد فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت . والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول :
يا رب مع الكفر أم مع الإيمان فلا أدري كيف يخرج الجواب . والرابع حيث يقول : " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " فلا أدري في أي الفريقين أكون . ثم قال تعالى : " لا إله إلا هو " أي لا خالق ولا مصور سواه ، وذلك دليل على وحدانيته ، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور . العزيز الذي لا يغالب . الحكيم ذو الحكمة أو المحكم ، وهذا أخص بما ذكر من التصوير .
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض, لا يخفى عليه شيء من ذلك, "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء" أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى, وحسن وقبيح, وشقي وسعيد, "لا إله إلا هو العزيز الحكيم" أي هو الذي خلق, وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له, وله العزة التي لا ترام, والحكمة والأحكام. وهذه الاية فيها تعريض, بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق, كما خلق الله سائر البشر, لأن الله صوره في الرحم وخلقه كما يشاء, فكيف يكون إلهاً كما زعمته النصارى, عليهم لعائن الله, وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال ؟ كما قال تعالى: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث".
قوله: 6- "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء" أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه، فالصورة مائلة على بيان إحاطة علمه، وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود، وهو تصوير عباده في أحام أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن وقبيح وأسود وأبيض وطويل وقصير. وكيف معمول يشاء والجملة حالية.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن جعفر بن محمد بن الزبير قال: "قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والسيد، وهو الأيهم، ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع، فذكر وفد نجران ومخاصمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام، وأن الله أنزل " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: "مصدقاً لما بين يديه" قال: لما قبله من كتاب أو رسول. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه، وقال في قوله: "وأنزل الفرقان" هو القرآن فرق بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وحد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه: وبين فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهي عن معصيته. وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله: "وأنزل الفرقان" أي: الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره، وفي قوله: "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام" أي: إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها. وفي قوله: "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" أي: قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه رباً وآلهاً، وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفراً به "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء" قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من بني آدم، فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: "يصوركم في الأرحام كيف يشاء" قال: ذكوراً وإناثاً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: "يصوركم في الأرحام كيف يشاء" قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً، فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكاً يصورها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط منه المضغة، ثم يعجنه بها يصور كما يؤمر فيقول: أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، وما رزقه، وما عمره، وما أثره وما مصائبه؟ فيقول الله ويكتب الملك، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: "يصوركم في الأرحام كيف يشاء" قال: من ذكر أو أنثى، وأحمر وأسود، وتام الخلق وغير تام الخلق.
6-"هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء" ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، حسناً أو قبيحاً، تاماً أو ناقصاً،"لا إله إلا هو العزيز الحكيم" وهذا في الرد على وفد نجران من النصارى ، حيث قالوا : عيسى ولد الله ، فكأنه يقول: كيف يكون لله ولد وقد صوره الله تعالى في الرحم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن احمد بن محمد الأنصاري ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي،أناعلي بن الجعد ، أنا أبو خيثمة زهير بن معاوية عن الأعمش ، عند زيد بن وهب ،قال:سمعت عبد الله بن مسعود يقول :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق"إن خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوماً نظفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك/ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله اليه الملك" أو قال:"يبعث اليه الملك بأربع كلمات فيكتب رزفه وعمله وأجله وشقي أو سعيد " قال:"وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى مايكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ،وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي، أنا أبو أحمد بن عيسى الجلودي، أنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا سفيان بن عيينه، عن عمرو بن دينار،عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم باربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يارب أشقي أو سعيد؟ فيكتب ذلك ، فيقول : يارب أذكر ام أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها و لاينقص".
6 وقوله: " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء " أي من الصور المختلفة, كالدليل على القيومية, والإستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره . وقريء تصوركم أي صوركم لنفسه وعبادته. " لا إله إلا هو " إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله. " العزيز الحكيم " إشارة إلى كمال قدرته وتناهي حكمته. قيل: هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان رباً , فإن وفد نجران لما حاجوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت السورة، من أولها نيف وثمانين آية تقريراً لما احتج به عليهم وأجاب عن شبههم .
6. He it is who fashioneth you in the wombs as pleaseth Him. There is no God save Him, the Almighty, the Wise.
6 - He it is who shapes you in the wombs as he pleases. there is no God but he, the exalted in might, the wise.