[آل عمران : 4] مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ
(من قبل) أي قبل تنزيله (هدى) حال بمعنى هادين من الضلالة (للناس) ممن تبعهما ، وعبّر فيهما بأنزل وفي القرآن بنزّل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه (وأنزل الفرقان) بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها (إن الذين كفروا بآيات الله) القرآن وغيره (لهم عذاب شديد والله عزيز) غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده (ذو انتقام) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد
"من قبل"، يقول: من قبل الكتاب الذي نزله عليك، ويعني بقوله: "هدى للناس"، بياناً للناس من الله فيما اختلفوا فيه من توحيد الله وتصديق رسله، ونعتيك يا محمد بأنك نبيي ورسولي، وفى غير ذلك من شرائع دين الله، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس"، هما كتابان أنزلهما الله، فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به وصدق به، وعمل بما فيه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "وأنزل التوراة والإنجيل"، التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، كما أنزل الكتب على من كان قبله.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وأنزل الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل في أمر عيسى وغيره.
وقد بينا فيما مضى أن "الفرقان"، إنما هو الفعلان من قولهم: فرق الله بين الحق والباطل، فصل بينهما بنصره الحق على الباطل، إما بالحجة البالغة، وإما بالقهر والغلبة بالأيد والقوة.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أن بعضهم وجه تأويله إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أمر عيسى، وبعضهم: إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أحكام الشرائع.
ذكر من قال: معناه: الفصل بين الحق والباطل في أمر عيسى والأحزاب.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "وأنزل الفرقان"، أي: الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره.
ذكر من قال: معنى ذلك: الفصل بين الحق والباطل في الأحكام وشرائع الإسلام.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وأنزل الفرقان"، هو القرآن، أنزله على محمد، وفرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وحد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبين فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "وأنزل الفرقان"، قال: الفرقان، القرآن، فرق بين الحق والباطل.
قال أبو جعفر: والتأويل الذي ذكرناه عن محمد بن جعفر بن الزبير في ذلك، أولى بالصحة من التأويل الذي ذكرناه عن قتادة والربيع، وأن يكون معنى "الفرقان" في هذا الموضع: فصل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذين حاجوه في أمر عيسى، وفي غير ذلك من أموره، بالحجة البالغة القاطعة عذرهم وعذر نظرائهم من أهل الكفر بالله.
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لأن إخبار الله عن تنزيله القرآن -قبل إخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الآية- قد مضى بقوله: "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه" [البقرة: 176]. ولا شك أن ذلك الكتاب، هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرة أخرى، إذ لا فائدة في تكريره، ليست في ذكره إياه وخبره عنه ابتداءً.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا أعلام الله وأدلته على توحيده وألوهته، وأن عيسى عبد له، واتخذوا المسيح إلهاً ورباً أو ادعوه لله ولداً، لهم عذاب من الله شديد يوم القيامة.
و"الذين كفروا"، هم الذين جحدوا آيات الله، و آيات الله، أعلام الله وأدلته وحججه.
وهذا القول من الله عز وجل ينبئ عن معنى قوله: "وأنزل الفرقان" أنه معني به الفصل الذي هو حجة لأهل الحق على أهل الباطل. لأنه عقب ذلك بقوله: "إن الذين كفروا بآيات الله"، يعنى: ان الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقاً بين المحق والمبطل، "لهم عذاب شديد"، وعيد من الله لمن عاند الحق بعد وضوحه له، وخالف سبيل الهدى بعد قيام الحجة عليه، ثم أخبرهم أنه "عزيز" في سلطانه لا يمنعه مانع ممن أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحد، وأنه "ذو انتقام" ممن جحد حججه وأدلته بعد ثبوتها عليه، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"، أي: إن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"،...
قوله تعالى : " من قبل " يعني القرآن " هدى للناس " قال ابن فورك : التقدير هدى للناس المتقين ، دليله في البقرة " هدى للمتقين " فرد هذا العام إلى ذلك الخاص و " هدى " في موضع نصب على الحال . و " الفرقان " القرآن . وقد تقدم .
قد ذكرنا الحديث الوارد في أن اسم الله الأعظم في هاتين الايتين "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" و" الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " عند تفسير آية الكرسي وقد تقدم الكلام على قوله "ألم" في أول سورة البقرة بما يغني عن إعادته, وتقدم الكلام على قوله: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" في تفسير آية الكرسي.
وقوله تعالى: "نزل عليك الكتاب بالحق" يعني نزل عليك القرآن يا محمد بالحق, أي لا شك فيه ولا ريب, بل هو منزل من عند الله, أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً, وقوله: "مصدقاً لما بين يديه" أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء, فهي تصدقه بما أخبرت به, وبشرت في قديم الزمان, وهو يصدقها, لأنه طابق ما أخبرت به, وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه. وقوله: "وأنزل التوراة" أي على موسى بن عمران, "والإنجيل" أي على عيسى ابن مريم عليهما السلام, "من قبل" أي من قبل هذا القرآن "هدى للناس" أي في زمانهما. "وأنزل الفرقان" وهو الفارق بين الهدى والضلال. والحق والباطل, والغي والرشاد, بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات والدلائل الواضحات, والبراهين القاطعات, ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك. وقال قتادة والربيع بن أنس : الفرقان ـ ههنا ـ القرآن. واختار ابن جرير أنه مصدر ههنا لتقدم ذكر القرآن في قوله: "نزل عليك الكتاب بالحق" وهو القرآن. وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح , أن المراد بالفرقان ههنا التوراة, فضعيف أيضاً لتقدم ذكر التوراة, والله أعلم.
وقوله تعالى: "إن الذين كفروا بآيات الله" أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل, "لهم عذاب شديد" أي يوم القيامة, "والله عزيز" أي منيع الجناب عظيم السلطان, "ذو انتقام" أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام.
قوله: 4- "من قبل" أي أنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب. وقوله: "هدى للناس" إما حال من الكتابين أو علة للإنزال. والمراد بالناس أهل الكتابين، أو ما هو أعم، لأن هذه الأمة متعبدة لما لم ينسخ من الشرائع. قال ابن فورك: هدى للناس المتقين، كما قال في البقرة هدى للمتقين، قوله: "وأنزل الفرقان" أي: الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن، وكرر ذكره تشريفاً له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل، وذكر التنزيل أولاً والإنزال ثانياً لكونه جامعاً بين الوصفين، فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ثم نزل منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً منجماً على حسب الحوادث كما سبق. وقيل: أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله، وقيل: أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة، وقوله: "إن الذين كفروا بآيات الله" أي: بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها، أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر "لهم" بسبب هذا الكفر "عذاب شديد" أي عظيم "والله عزيز" لا يغالبه مغالب "ذو انتقام" عظيم، والنقمة السطوة، يقال انتقم منه: إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدم منه.
4-قوله تعالى:"هدى للناس"هادياً لمن تبعه ولم يثنه لأنه مصدر "وأنزل الفرقان" المفرق بين الحق والباطل ، وقال السدي: في الآية تقديم وتأخير تقديرها وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس.
قوله تعالى:"إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام "
4 " من قبل " من قبل تنزيل القرآن . " هدى للناس " على العموم إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا, وإلا فالمراد به قومهما. " وأنزل الفرقان " يريد به جنس الكتب الإلهية, فإنها فارقة بين الحق والباطل. ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها, كأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل, أو الزبور أو القرآن. وكرر ذكره بما هو نعت له مدحاً وتعظيماً, وإظهاراً لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحياً منزلاً ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل, أو المعجزات " إن الذين كفروا بآيات الله " من كتبه المنزلة وغيرها. " لهم عذاب شديد " بسبب كفرهم. " والله عزيز" غالب لا يمنع من التعذيب. " ذو انتقام " لا يقدر على مثله منتقم, والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر, وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيما للأمر, وزجراً عن الإعراض عنه .
4. Aforetime, for a guidance to mankind; and hath revealed the Criterion (of right and wrong). Lo! those who disbelieve the revelations of Allah, theirs will be a heavy doom. Allah is Mighty, Able to Requite (the wrong).
4 - Then those who reject faith in the signs of God will suffer the severest penalty, and God is exalted in might, lord of retribution.