[آل عمران : 196] لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ
ونزل لما قال المسلمون: أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا) تصرفهم (في البلاد) بالتجارة والكسب
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : "ولا يغرنك" يا محمد، "تقلب الذين كفروا في البلاد"، يعني : تصرفهم في الأرض وضربهم فيها، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد"، يقول : ضربهم في البلاد.
فنهى الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بضربهم في البلاد، وإمهال الله إياهم ، مع شركهم ، وجحودهم نعمه ، وعبادتهم غيره . وخرج الخطاب بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعني به غيره من أتباعه وأصحابه ، كما قد بينا فيما مضى قبل من أمر الله ، ولكن كان بأمر الله صادعاً، وإلى الحق داعياً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد"، والله ما غروا نبي الله ، ولا وكل إليهم شيئاً من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك.
السابعة عشرة : قوله تعالى : " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " قيل ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة ، وقيل : للجميع ، وذلك أن المسلمين قالوا : هؤلاء الكفار لهم تجائر وأموال واضطراب في البلاد ، وقد هلكنا نحن من الجوع ، فنزلت هذه الآية ، أي لا يغرنك سلامتهم بتقلبهم في أسفارهم ، " متاع قليل " أي تقلبهم متاع قليل ، وقرأ يعقوب ( يغرنك ) ساكنة النون ، وأنشد :
لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات السحر
ونظير هذه الآية قوله تعالى : " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " [ غافر : 4 ] ، والمتاع : ما يعجل الانتفاع به ، وسماه قليلاً لأنه فان ، وكل فان وإن كان كثيراً فهو قليل ، وفي صحيح الترمذي " عن المستورد الفهري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بماذا يرجع " ، وقيل : يرجع بالياء والتار .
يقول تعالى: لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور, فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة, فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجاً, وجميع ما هم فيه "متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد" وهذه الاية كقوله تعالى: "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد", وقال تعالى: "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون", وقال تعالى: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" وقال تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" أي قليلاً, وقال تعالى: "أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين" وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا وذكر أن مآلهم إلى النار, قال بعده "لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار" وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن نصر , حدثنا أبو طاهر سهل بن عبدالله , أنبأنا هشام بن عمار , أنبأنا سعيد بن يحيى , أنبأنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار , عن عبد الله بن عمرو بن العاص , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الاباء والأبناء, كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق" كذا رواه ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن جناب , حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله بن الوليد الوصافي , عن محارب بن دثار , عن ابن عمر , قال: إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الاباء والأبناء, كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق, وهذا أشبه, والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا مسلم بن إبراهيم , حدثنا هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن , قال: الأبرار الذين لا يؤذون الذر. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش , عن خيثمة عن الأسود , قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها, لئن كان براً لقد قال الله تعالى "وما عند الله خير للأبرار" وكذا رواه عبد الرزاق عن الأعمش عن الثوري به. وقرأ "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين" وقال ابن جرير : حدثني المثنى , حدثنا إسحاق , حدثنا ابن أبي جعفر عن فرج بن فضالة , عن لقمان عن أبي الدرداء أنه كان يقول: ما من مؤمن إلا والموت خير له, وما من كافر إلا والموت خير له, ومن لم يصدقني فإن الله يقول "وما عند الله خير للأبرار" ويقول "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين".
قوله 196- "لا يغرنك" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا آمنوا" وخطاب لكل أحد، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين، والمعنى: لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم.
196-قوله عز وجل:"لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد"، نزلت في المشركين ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير، ونحن في الجهد ؟ فأنزل اله تعالى هذه الآية "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " ، وضربهم في الأرض وتصرفهم في البلاد للتجارات وانواع المكاسب ، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه غيره.
196" لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، أو تثبيته على ما كان عليه كقوله: "فلا تطع المكذبين" أو لكل أحد، والنهي في المعنى للمخاطب وإنما جعل للتقلب تنزيلاً للسبب منزلة المسبب للمبالغة، والمعنى لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم. روي أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهدفنزلت.
196. Let not the vicissitude (of the success) of those who disbelieve, in the land, deceive thee (O Muhammad).
196 - Let not the strutting about of the unbelievers through the land deceive thee;