[آل عمران : 191] الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
(الذين) نعت لما قبله أو بدل (يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) مضطجعين أي في كل حال ، وعن ابن عباس يصلون كذلك حسب الطاقة (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون (ربنا ما خلقت هذا) الخلق الذي نراه (باطلاً) حال ، عبثاً بل دليلاً على كمال قدرتك (سبحانك) تنزيها لك عن العبث (فقنا عذاب النار)
قال أبو جعفر: وقوله : "الذين يذكرون الله قياما وقعودا" من نعت أولي الألباب، و "الذين" في موضع خفض رداً على قوله : "لأولي الألباب".
ومعنى الآية: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذاكرين الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، يعني بذلك : قياماً في صلاتهم ، وقعوداً في تشهدهم وفي غير. صلاتهم ، وعلى جنوبهم نياماً، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً"، الآية، قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم"، وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم ، فاذكره وأنت على جنبك ، يسراً من الله وتخفيفاً.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل : وكيف قيل : "وعلى جنوبهم": فعطف ب "على" وهي صفة، على القيام والقعود وهما اسمان؟ قيل : لأن قوله : "وعلى جنوبهم" في معنى الاسم ، ومعناه : ونياماً، أو: مضطجعين على جنوبهم ، فحسن عطف ذلك على القيام و القعود لذلك المعنى ، كما قيل : "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" [يونس : 12]، فعطف بقوله "أو قاعدا أو قائما" على قوله : (لجنبه )، لأن معنى قوله (لجنبه )، مضطجعاً، فعطف ب القاعد و القائم على معناه. فكذلك ذلك في قوله : "وعلى جنوبهم".
وأما قوله : "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"، فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك ، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شيء ، ومن هو مالك كل شيء ورازقه ، وخالق كل شيء ومدبره ، ومن هو على كل شيء قدير، وبيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال ، والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة.
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره :"ويتفكرون في خلق السموات والأرض" قائلين : "ربنا ما خلقت هذا باطلا"، فترك ذكر قائلين، إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه.
وقوله : "ما خلقت هذا باطلا"، يقول : لم تخلق هذا الخلق عبثاً ولا لعباً، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، وإنما قال "ما خلقت هذا باطلا"، ولم يقل : ما خلقت هذه ، ولا : هؤلاء، لأنه أراد ب "هذا"، الخلق الذي في السماوات والأرض ، يدل على ذلك قوله : "سبحانك فقنا عذاب النار"، ورغبتهم إلى ربهم في أن يقيهم عذاب الجحيم . ولو كان المعني بقوله : "ما خلقت هذا باطلا"، السماوات والأرض ، لما كان لقوله عقيب ذلك : "فقنا عذاب النار"، معنى مفهوم ، "أن السماوات والأرض" أدلة على بارئها، لا على الثواب والعقاب ، وإنما الدليل على الثواب والعقاب ، الأمر والنهي.
وإنما وصف جل ثناؤه : أولي الألباب ، الذين ذكرهم في هذه الآية : أنهم إذا رأوا المأمورين المنهيين قالوا: يا ربنا لم تخلق هؤلاء باطلاً عبثاً سبحانك ، يعني : تنزيهاً لك من أن تفعل شيئاً عبثاً، ولكنك خلقتهم لعظيم من الأمر، لجنة أو نار.
ثم فزعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار، وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره ، فيكونوا من أهل جهنم.
الثالثة : قوله تعالى : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " ذكر
تعالى ثلاث هيئات لا يخلو ابن آدم منها في غالب أمره ، فكأنها تحصر زمانه ،
ومن هذا المعنى قول عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يذكر الهل على كل أحيانه " أخرجه مسلم ، فدخل في ذلك كونه
على الخلاء وغير ذلك ، وقد اختلف العلماء في هذا ، فأجاز ذلك عبد الله بن
عمرو و ابن سيرين و النخعي ، وكره ذلك ابن عباس و عطاء
و الشعبي ، والأول أصح لعموم الآية والحديث ، قال النخعي : لا بأس
بذكر الله في الخلاء فإنه يصعد ، المعنى : تصعد به الملائكة مكتوباً في صحفهم ،
فحذف المضاف ، دليله قوله تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "
[ ق : 18 ] ، وقال : " وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين " [ الإنفطار :
10 - 11 ] ولأن الله عز وجل أمر عباده بالذكر على كل حال ولم يستثن فقال :
" اذكروا الله ذكرا كثيرا "[ الأحزاب : 41 ] ، وقال : " فاذكروني أذكركم " [ البقرة : 152 ] ، وقال : " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " [ الكهف
: 30 ] ، فعم ، فذاكر الله تعالى على كل حالاته مثاب مأجور إن شاء الله تعالى ،
وذكر أبو نعيم قال : حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان
عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب الأحبار قال : قال موسى عليه
السلام : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك قال : يا موسى أنا جليس
من ذكرني قال : يا رب فإنا نكون من الحال على حال نجلك ونعظمك أن
نذكرك قال : وما هي ؟ قال : الجنابة والغائط قال : يا موسى اذكرني على كل
حال ، وكراهية من كره ذلك إما لتنزيه ذكر الله تعالى في المواضع المرغوب عن
ذكره فيه ككراهية قراءة القرآن في الحمام ، وإما إبقاء على الكرام الكاتبين على
أن يحلهم موضع الأقذار والأنجاس لكتابة ما يلفظ به ، والله أعلم ، و " قياما وقعود" نصب على الحال ، " وعلى جنوبهم " في موضع الحال ، أي
ومضطجعين ، ومثله قوله تعالى : " دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " [ يونس :
12 ] ، على العكس ، أي دعانا مضطجعاً على جنبه ، وذهب جماعة من
المفسرين منهم الحسن وغيره إلى أن قوله " يذكرون الله " إلى آخره ، إنما
هو عبارة عن الصلاة ، أي لا يضيعونها ، ففي حال العذر يصلونها قعوداً أو على
جنوبهم ،وهي مثل قوله تعالى : " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " [ النساء : 103 ] ، في قول ابن مسعود على ما يأتيه بيانه ، وإذا
كانت الآية في الصلاة ففقهها أن الإنسان يصلي قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً ،
فإن لم يستطع فعلى جنبه ، كما ثبت " عن عمران بن حصين قال : كان بي
البواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال : صل قائماً ، فإن لم
تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " ، رواه الأئمة ، وقد كان صلى
الله عليه وسلم يصلي قاعداً قبل موته بعام في النافلة ، على ما في صحيح مسلم
، وروى النسائي ، " عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً " ، قال أبو عبد الرحمن : لا أعلم
أحداً روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري وهو ثقة ، ولا أحسب هذا
الحديث إلا خطأ ، والله أعلم .
الرابعة : واختلف العلماء في كيفية صلاة المريض والقاعد وهيئتها ، فذكر ابن
عبد الحكم عن مالك أنه يتربع في قيامه ، وقاله البويطي عن
الشافعي ، فإذا أراد السجود تهيأ للسجود على قدر ما يطيق ، قال : وكذلك
المتنفل ، ونحوه قول الثوري ، وكذلك قال الليث و أحمد و
إسحاق و ابو أيوسف و محمد وقال الشافعي في رواية المزني
: يجلس في صلاته كلها كجلوس التشهد ، وروى هذا عن مالك
وأصحابه ، والأول المشهور وهو ظاهر المدوة ، وقال أبو حنيفة و زفر
: يجلس كجلوس التشهد ، وكذلك يرع ويسجد .
الخامسة : قال : فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه أو ظهره على التخيير ،
هذا مذهب المدونة وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم يصلي على
ظهره ، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن ثم على حنبه الأيسر ، وفي كتاب ابن
المواز عكسه ، يصلي على جنبه الأيمن ، وإلا فعلى الأيسر ، وإلا فعلى الظهر
، وقال سحنون : يصلي على الأيمن كما يجعل في لحده ، وإلا فعلى ظهره
وإلا فعلى الأيسر ، وقال مالك و أبو حنيفة : إذا صلى مضطجعاً
تكون رجلاه مما يلي القبلة ، و الشافعي و الثوري : يصل على جنبه
ووجهه إلى القبلة .
السادسة : فإن قوي لخفة المرض وهو في الصلاة قال ابن القاسم : إنه يقوم
فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى ، وهو قول الشافعي و زفر
و الطبري ، وقال أبو حنيفة وصاحباه يعقوب و محمد فيمن
صلى مضطجعاً ركعة ثم صح : إنه يستقبل الصلاة من أولها ، ولو كان قاعداً
يركع ويسجد ثم صح بنى في قول أبي حنيفة ولم يبن في قول محمد ،
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا افتتح الصلاة قائماً ثم صار إلى حد الإيماء
فليبين ، وروي عن أبي يوسف ، وقال مالك في المريض الذي لا
يستطيع الركوع ولا السجود وهو يستطيع القيام والجلوس : إنه يصلي قائماً
ويومئ إلى الركوع ، فإذا أراد السجود جلس وأومأ إلى السجود ، وهو قول
أبي يوسف وقياس قول الشافعي ، وقال أبو حنيفة وأصحابه :
يصلي قاعداً .
السابعة : وأما صلاة الراقد الصحيح فروي من حديث عمران بن حصين زيادة
ليست موجودة في غيره وهي : " صلاة الراقد مثل نصف صلاة القاعد " ،
قال أبو عمر : وجمهور أهل العلم لا يجيزون النافلة مضطجعاً ، وهو
حديث لم يروه إلا حسين المعلم وهو حسين بن ذكوان عن عبد الله بن
بريدة عن عمران بن حصين ، وقد اختلف على حسين في إسناده ومتنه
اختلافاً يوجب التوقف عنه ، وإن صح فلا أدري ما وجهه ، فإن كان أحد من
أهل العلم قد أجاز النافلة مضجعاً لمن قدر على القعود أو على القيام فوجهه هذه
الزيادة في هذا الخبر ، وهي حجة لمن ذهب إلى ذلك ، وإن أجمعوا على كراهة
النافلة راقداً لمن قدر على القعود أو القيام ، فحديث حسين هذا إما غلط وإما
منسوخ ، وقيل : المراد بالآية الذين يستدلون بخلق السموات والأرض على أن
المتغير لا بد له من مغير ، وذلك المغير يجب أن يكون قادراً على الكمال ، وله أن
يبعث الرسل ، فإن بعث رسولاً ودل على صدقه بمعجزة واحدة لم يبق لأحد
عذر ، فهؤلاء هم الذين يذكرون الله على كل حال والله أعلم .
الثامنة : قوله تعالى : " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " قد بينا
معنى ( ويذكرون ) وهو إما ذكر باللسان وإما الصلاة فرضها ونفلها ، فعطف
تعالى عبادة أخرى على إحداهما بعبادة أخرى ، وهي التفكر في قدرة الله تعالى
ومخلوقاته والعبر الذي بث ، ليكون ذلك أزيد في بصائرهم :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
وقيل : ( يتكفرون ) عطف على الحال ، وقيل : يكون منقطعاً والأول أشبه ،
والفكرة : تردد القلب في الشيء ، يقال : تفكر ، ورجل فكير كثير الفكر .
ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله فقال : ( تفكروا في
الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره ) وإنما التفكر والاعتبار
وانبساط الذهن في المخلوقات كما قال : ( ويتفكرون في خلق السموات
والأرض ) وحكي أن سفيان الثوري رضي الله عنه صلى خلف المقام
ركعتين ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، فلما رأى الكواكب غشي عليه ، وكان
يبول الدم من طول حزنه وفكرته ، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه
فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك رباً وخالقاً اللهم اغفر لي فنظر
الله إليه فغفر له " ، و " قال صلى الله عليه وسلم : لا عبادة كتفكر " ،
وروي عليه السلام قال : " تفكر ساعة خير من عبادة سنة "، وروى ابن
القاسم عن مالك قال : قيل لأم الدرداء : ما كان أكثر شأن أبي الدرداء
؟ قالت : كان أكثر شأنه التفكر ، قيل له : أفترى التفكر عمل من الأعمال ؟
قال : نعم ، هو اليقين ، وقيل لـ ابن المسيب في الصلاة بين الظهر والعصر
، قال : ليست هذه عبادة ، إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله ،
وقال الحسن : تفكر ساعة خير من قيام ليلة ، وقاله ابن عباس وأبو الدرداء
، وقال الحسن : الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته ، ومما
يتفكر فيه مخاوف الآخرة من الحشر والنشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها ،
ويروى أن أبا سليمان الداراني رضي الله عنه أخذ قدح الماء ليتوضأ لصلاة
الليل وعنده ضيف ، فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام لذلك متفكراً حتى
طلع الفجر ، فقال له : ما هذا يا أبا سليمان ؟ قال : إني لما طرحت أصبعي
في أذن القدح تفكرت في قول الله تعالى : " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون " [ غافر : 71 ] ، تفكرت في حالي وكيف أتلقى الغل إن طرح في
عنقي يوم القيامة ، فما زلت في ذلك حتى أصبحت ، قال ابن عطية : وهذا
نهاية الخوف ، وخير الأمور أوساطها ، وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على
هذا المنهاج ، وقراءة علم كتاب الله تعالى ومعاني سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا ، قال ابن العربي : اختلف
الناس أي العملين أفضل : التفكر أم الصلاة ، فذهب الصوفية إلى أن التفكر
أفضل ، فإنه يثمر المعرفة وهو أفضل المقامات الشرعية ، وذهب الفقهاء إلى أن
الصلاة أفضل ، لما ورد في الحديث من الحث عليها والدعاء إليها والترغيب فيها
وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة وفيه : فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمسح النون عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من
سورة آل عمران ، وقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءاً خفيفاً ثم صلى ثلاث عشرة
ركعة ، فانظروا رحمكم الله إلى جمعه بين التفكر في المخلوقات ثم إقباله على
صلاته بعده ، وهذه السنة هي التي يعتمد عليها ، فأما طريقة الصوفية أن يكون
الشيخ منهم يوماً وليلة وشهراً مفكراً لا يفتر ، فطريقة عن الصواب غير لائقة
بالبشر ، ولا مستمرة على السنن ، قال ابن عطية : وحدثني أبي عن بعض
علماء المشرق قال : كنت بائتاً في مسجد الأقدام بمصر فصليت العتمة فرأيت
رجلاً قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح ، وصلينا نحن تلك
الليلة ، فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة وصلى مع الناس
، فاستعظمت جراءته في الصلاة بغير وضوء ، فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته
لأعظه ، فلما دنوت منه سمعته ينشد شعراً :
مسجى الجسم غائب حاضر منتبه القلب صامت ذاكر ‌
منقبض في الغيوب منبسط كذاك من كان عارفاً ذاكر
يبيت في ليله أخا فكر فهو مدى الليل نائم ساهر
قال : فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة ، فانصرفت عنه .
التاسعة : قوله تعالى : " ربنا ما خلقت هذا باطلا " أي يقولون : ما خلقته
عبثاً وهزلاً ، بل خلقته دليلاً على قدرتك وحكمتك ، والباطل : الزائل الذاهب
، ومنه قو لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
أي زائل ، و ( باطلاً ) نصب لأنه مصدر محذوف ، أي خلقاً باطلاً ، وقيل :
انتصب على نزع الخافض ، أي ما خلقتها للباطل ، وقيل : على المفعول الثاني ،
ويكون خلق بمعنى جعل " سبحانك " أسند النحاس " عن موسى بن
طلحة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى ( سبحان الله ) فقال
: تنزيه الله عن السوء " ، وقد تقدم في البقرة معناه مستوفى " فقنا عذاب النار " أجرنا من عذابها ، وقد تقدم .

قال الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري , حدثنا يحيى الحماني , حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: أتت قريش اليهود, فقالوا: بم جاءكم موسى ؟ قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين, وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى ؟ قالوا: كان يبرىء الأكمه والأبرص, ويحيي الموتى, فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً, فدعا ربه, فنزلت هذه الاية " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " فليتفكروا فيها, وهذا مشكل فإن هذه الاية مدنية, وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة, والله أعلم, ومعنى الاية أن الله تعالى يقول: "إن في خلق السموات والأرض" أي هذه في ارتفاعها واتساعها, وهذه في انخفاضها و كثافتها واتضاعها, وما فيهما من الايات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات, وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات, وزروع وثمار, وحيوان ومعادن, ومنافع مختلفة الألوان والروائح والطعوم والخواص, "واختلاف الليل والنهار" أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر, فتارة يطول هذا ويقصر هذا, ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا, ويقصر الذي كان طويلا. وكل ذلك تقدير العزيز العليم , ولهذا قال تعالى " لآيات لأولي الألباب " أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها, وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون, الذين قال الله فيهم "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ثم وصف تعالى أولي الألباب, فقال: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم". كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنبك" أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم, "ويتفكرون في خلق السموات والأرض" أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته. وقال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة, رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة, وقال الفضيل قال الحسن : الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك, وقال سفيان بن عيينة : الفكرة نور يدخل قلبك وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة
وعن عيسى عليه السلام أنه قال: طوبى لمن كان قيله تذكراً وصمته تفكراً, ونظره عبراً, قال لقمان الحكيم : إن طول الوحدة ألهم للفكرة, وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة, وقال وهب بن منبه ما طالت فكرة امرىء إلا فهم ولا فهم امرؤ قط إلا علم, ولا علم امرؤ قط إلا عمل. وقال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله عز وجل حسن, والفكرة في نعم الله أفضل العبادة. وقال مغيث الأسود : زوروا القبور كل يوم تفكركم, وشاهدوا الموقف بقلوبكم, وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار, وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها. وكان يبكي عند ذلك حتى يرفع صريعاً من بين أصحابه قد ذهب عقله. وقال عبد الله بن المبارك : مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة, فناداه فقال: يا راهب, إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر: كنز الرجال, وكنز الأموال. وعن ابن عمر : أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين, فيقول: أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول: "كل شيء هالك إلا وجهه" وعن ابن عباس أنه قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر, خير من قيام ليلة والقلب ساه. وقال الحسن البصري : يا ابن آدم, كل في ثلث بطنك, واشرب في ثلثه, ودع ثلثه الاخر تتنفس للفكرة. وقال بعض الحكماء: من نظر إلى الدنيا بغير العبرة, انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة. وقال بشر بن الحارث الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه. وقال الحسن عن عامر بن عبد قيس , قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر. وعن عيسى عليه السلام أنه قال: يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيث ما كنت, وكن في الدنيا ضيفاً, واتخذ المساجد بيتاً, وعلم عينيك البكاء, وجسدك الصبر, وقلبك الفكر, ولا تهتم برزق غد. وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, أنه بكى يوماً بين أصحابه, فسئل عن ذلك, فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها, فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها, ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر. وقال ابن أبي الدنيا : أنشدني الحسين بن عبد الرحمن :
نزهة المؤمن الفكر لذة المؤمن العبر
نحمد الله وحده نحن كل على خطر
رب لاه وعمره قد تقضى وما شعر
رب عيش قد كان فو ق المنى مونق الزهر
في خرير من العيو ن وظل من الشجر
وسرور من النبا ت وطيب من الثمر
غيرته وأهله سرعة الدهر بالغير
نحمد الله وحده إن في ذا لمعتبر
إن في ذا لعبرة للبيب إن اعتبر
وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته, فقال "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ومدح عباده المؤمنين "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض" قائلين "ربنا ما خلقت هذا باطلاً" أي ما خلقت هذا الخلق عبثاً, بل بالحق لتجزي الذين أساؤوا بما عملوا, وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى. ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل, فقالوا "سبحانك" أي عن أن تخلق شيئاً باطلاً "فقنا عذاب النار" أي يا من خلق الخلق بالحق والعدل, يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث. قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا. ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم, وتجيرنا به من عذابك الأليم. ثم قالوا "ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته" أي أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع "وما للظالمين من أنصار" أي يوم القيامة لا مجير لهم منك. ولا محيد لهم عما أردت بهم "ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان" أي داعياً يدعو إلى الإيمان, وهو الرسول صلى الله عليه وسلم "أن آمنوا بربكم فآمنا" أي يقول آمنوا بربكم فآمنا, أي فاستجبنا له واتبعناه, أي بإيماننا واتباعنا نبيك, "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا" أي استرها, "وكفر عنا سيئاتنا" فيما بيننا وبينك, "وتوفنا مع الأبرار" أي ألحقنا بالصالحين, " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك " قيل: معناه على الإيمان برسلك, وقيل: معناه على ألسنة رسلك. وهذا أظهر ـ وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان , حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد , عن أبي عقال , عن أنس بن مالك , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم, ويبعث منها خمسين ألفاً شهداء وفودا إلى الله, وبها صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دماً, يقولون " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد " فيقول الله: صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منه نقاء بيضاً. فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا" وهذا الحديث يعد من غرائب المسند, ومنهم من يجعله موضوعاً, والله أعلم. "ولا تخزنا يوم القيامة" أي على رؤوس الخلائق, "إنك لا تخلف الميعاد" أي لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك وهو القيام يوم القيامة بين يديك, وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحارث بن سريج , حدثنا المعتبر , حدثنا الفضل بن عيسى , حدثنا محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله عز وجل ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار" حديث غريب. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الايات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده, فقال البخاري رحمه الله: حدثنا سعيد بن أبي مريم , حدثنا محمد بن جعفر , أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب , عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: " بت عند خالتي ميمونة , فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد, فلما كان ثلث الليل الاخر قعد فنظر إلى السماء, فقال " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " الايات, ثم قام فتوضأ واستن, فصلى إحدى عشرة ركعة, ثم أذن بلال فصلى ركعتين, ثم خرج فصلى بالناس الصبح " . وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن إسحاق الصنعاني , عن ابن أبي مريم به. ثم رواه البخاري من طرق عن مالك , عن مخرمة بن سليمان , عن كريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته, قال: " فاضطجعت في عرض الوسادة, واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها, فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله أو بعده بقليل, استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده, ثم قرأ العشر الايات الخواتيم من سورة آل عمران, ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها, فأحسن وضوءه, ثم قام يصلي . قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع, ثم ذهبت فقمت إلى جنبه, فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي, وأخذ بأذني اليمنى يفتلها, فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين, ثم أوتر, ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن, فقام فصلى ركعتين خفيفتين, ثم خرج فصلى الصبح " . وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن مالك به. ورواه مسلم أيضاً و أبو داود من وجوه أخر عن مخرمة بن سليمان به.
(طريق أخرى) لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي , حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة , أنبأنا خلاد بن يحيى , أنبأنا يونس بن أبي إسحاق , عن المنهال بن عمرو , عن علي بن عبد الله بن عباس , عن عبد الله بن عباس , قال: أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ صلاته. قال: " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الاخرة حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيره, قام فمر بي, فقال: من هذا ؟ عبد الله ؟ قلت: نعم, قال: فمه قلت أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة. قال: فالحق الحق فلما أن دخل قال: افرشن عبد الله ؟ فأتى بوسادة من مسوح. قال: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها حتى سمعت غطيطه, ثم استوى على فراشه قاعداً, قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ثم تلا هذه الايات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها " . وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه حديثاً في ذلك أيضاً.
(طريق أخرى) رواها ابن مردويه من حديث عاصم بن بهدلة عن بعض أصحابه, عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعدما مضى ليل, فنظر إلى السماء وتلا هذه الاية " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " إلى آخر السورة ثم قال اللهم اجعل في قلبي نوراً, وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً, وعن يميني نوراً, وعن شمالي نوراً, ومن بين يدي نوراً, ومن خلفي نوراً, ومن فوقي نوراً, ومن تحتي نوراً وأعظم لي نوراً يوم القيامة" وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح من رواية كريب عن ابن عباس رضي الله عنه, ثم روى ابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: أتت قريش اليهود, فقالوا: بم جاءكم موسى من الايات ؟ قالوا: عصاه ويده البيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا: كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى, فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً, فدعا ربه عز وجل, فنزلت " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " قال: فليتفكروا فيها, لفظ ابن مردويه . وقد تقدم هذا الحديث من رواية الطبراني في أول الاية, وهذا يقتضي أن تكون هذه الايات مكية, والمشهور أنها مدنية, ودليله الحديث الاخر. قال ابن مردويه : حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل , حدثنا أحمد بن علي الحراني , حدثنا شجاع بن أشرس , حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي أبو مكرم عن الكلبي وهو أبو جناب , عن عطاء قال: انطلقت أنا و ابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها, فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب, فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال: قول الشاعر: زر غباً تزدد حباً. فقال ابن عمر : " ذرينا أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبكت وقالت: كل أمره كان عجباً, أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي, ثم قال :ذريني أتعبد لربي عز وجل قالت: فقلت والله إني لأحب قربك, وإني أحب أن تعبد لربك, فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء, ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته, ثم سجد فبكى حتى بل الأرض, ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح. قالت: فقال: يارسول الله, ما يبكيك وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر ؟ فقال: ويحك يا بلال, وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي في هذه الليلة " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها" وقد رواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون عن أبي جناب الكلبي عن عطاء . قال: دخلت أنا وعبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي في خدرها, فسلمنا عليها, فقالت: من هؤلاء ؟ قال: فقلنا: هذا عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير . قالت: يا عبيد بن عمير . ما يمنعك من زيارتنا, قال: ما قال الأول: زر غباً تزدد حباً. قالت إنا لنحب زيارتك وغشيانك. قال عبد الله بن عمر : دعينا من بطالتكما هذه, " أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فبكت ثم قالت: كل أمره كان عجباً, أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي, حتى لصق جلده بجلدي, ثم قال: يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي. قالت: إني لأحب قربك وأحب هواك. قالت: فقام إلى قربة في البيت فما أكثر صب الماء, ثم قام فقرأ القرآن, ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت حقويه, قالت: ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه, ثم بكى حتى رأيت دموعه بلغت حجره, قالت: ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده, قالت: ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض فدخل عليه بلال فآذنه بصلاة الفجر, ثم قال: الصلاة يا رسول الله, فلما رآه بلال يبكي قال: يا رسول الله, تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يا بلال أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ومالي لا أبكي وقد نزل علي الليلة " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " إلى قوله "سبحانك فقنا عذاب النار" ـ ثم ـ قال ويل لمن قرأ هذه الايات ثم لم يتفكر فيها" وهكذا رواه أبي حاتم ابن حبان في صحيحه عن عمران بن موسى , عن عثمان بن أبي شيبة , عن يحيى بن زكريا , عن إبراهيم بن سويد النخعي , عن عبد الملك بن أبي سليمان , عن عطاء , قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فذكر نحوه. وهكذا رواه عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار عن شجاع بن أشرس به. ثم قال: حدثني الحسن بن عبد العزيز : سمعت سنيداً يذكر عن سفيان هو الثوري رفعه, قال "من قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها ويله" يعد بأصابعه عشراً ـ قال الحسن بن عبد العزيز : فأخبرني عبيد بن السائب قال: قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن ؟ قال: يقرؤهن وهو يعقلهن. قال ابن أبي الدنيا : وحدثني قاسم بن هاشم , حدثنا علي بن عياش , حدثنا عبد الرحمن بن سليمان قال: سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن وما ينجيه من هذا الويل ؟ فأطرق هنية ثم قال: يقرؤهن وهو يعقلهن.
(حديث آخر) فيه غرابة. قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن بشير بن نمير , حدثنا إسحاق بن إبراهيم البستي (ح) قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد , حدثنا أحمد بن عمرو قال: أنبأنا هشام بن عمار , أنبأنا سليمان بن موسى الزهري , أنبأنا مظاهر بن أسلم المخزومي , أنبأنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة , قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة " . مظاهر بن أسلم ضعيف.
قوله 191- "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" الموصول نعت لأولي الألباب- وقيل: هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب على المدح. والمراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة وغيرها. وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر هنا عبارة عن الصلاة: أي لا يضيعونها في حال من الأحوال فيصلونها قياماً مع عدم العذر، وقعوداً وعلى جنوبهم مع العذر. قوله "ويتفكرون في خلق السموات والأرض" معطوف على قوله "يذكرون" وقيل: إنه معطوف على الحال، أعني "قياماً وقعوداً" وقيل: إنه منقطع عن الأول، والمعنى: أنهم يتفكرون في بديع صنعهما وإتقانهما مع عظم أجرامها فإن هذا الفكر إذا كان صادقاً أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه. قوله "ربنا ما خلقت هذا باطلاً" هو على تقدير القول: أي يقولون ما خلقت هذا عبثاً ولهواً، بل خلقته دليلاً على حكمتك وقدرتك. والباطل: الزائل الذاهب، ومنه قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف: أي خلقاً باطلاً، وقيل: منصوب بنزع الخافض، وقيل: هو مفعول ثان، وخلق بمعنى جعل، أو منصوب على الحال، والإشارة بقوله: "هذا" إلى السموات والأرض، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق. قوله "سبحانك" أي: تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلاً. وقوله "فقنا عذاب النار" الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله.
191-"الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" ، قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم والنخعي وقتادة: هذا في الصلاة يصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي انا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أنا هناد أنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة المريض ، فقال: " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب".
وقال سائر المفسرين اراد به المداومة على الذكر في عموم الأحوال لأن الإنسان قل ما يخلو من إحدى هذه الحالات الثلاث، نظيره في سورة النساء "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم " (النساء-103) ، "ويتفكرون في خلق السموات والأرض" ، وما أبدع فيهما ليدلهم ذلك على قدرة الله ويعرفوا أن لها صانعاً قادراً مدبراً حكيماً ، قال ابن عون : الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة ،"ربنا" أي: ويقولون ربنا "ما خلقت هذا" رده إلى الخلق فلذلك لم يقل هذه ، "باطلاً"،أي : عبثاً وهزلاً بل خلقته لأمر عظيم ، وانتصب الباطل بنزع الخافض ، أي : بالباطل ،" سبحانك فقنا عذاب النار".
191"الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" أي يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين، وعنه عليه الصلاة والسلام "من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله". وقيل معناه يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء". فهو حجة للشافعي رضي الله عنه في أن المريض يصلي مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلاً بمقاديم بدنه. " ويتفكرون في خلق السموات والأرض " استدلالاً واعتباراً، وهو أفضل العبادات كما قال عليه الصلاة والسلام "لا عبادة كالتفكر". لأنه المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق، وعنه عليه الصلاة والسلام: "بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم فقال: أشهد أن لك رباً وخالقاً: اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له". وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله. " ربنا ما خلقت هذا باطلا " على إرادة القول أي يتفكرون قائلين ذلك، وهذا إشارة إلى المتفكر فيه، أي الخلق على أنه أريد به المخلوق من السموات والأرض، أو إليهما لأنهما في معنى المخلوق، والمعنى ما خلقته عبثاً ضائعاً من غير حكمة بل خلقته لحكم عظيمة من جملتها أن يكون مبدأ لوجود الإنسان وسباباً لمعاشه ودليلاً يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك لينال الحياة الأبدية والسعادة السرمدية في جوارك. "سبحانك" تنزيهاً لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض. " فقنا عذاب النار " للإخلال بالنظر فيه، والقيام بما يقتضيه. وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لأجله خلقت السموات والأرض حملهم على الإستعاذة.
191. Such as remember Allah, standing, sitting, and reclining, and consider the creation of the heavens and the earth, (and say): Our Lord! Thou createdst not this in vain. Glory be to Thee! Preserve us from the doom of Fire
191 - Men who celebrate the praises of God, standing, sitting, and lying down on their sides, and contemplate the (wonders of) creation in the heavens and the earth, (with the thought): our lord not for naught hast thou created (all) this glory to thee give us salvation from the penalty of the fire.