[آل عمران : 164] لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
(لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم) أي عربيا مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكاً ولا أعجمياً (يتلو عليهم آياته) القرآن (ويزكيهم) يطهرهم من الذنوب (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) السنة (وإن) مخففة أي إنهم (كانوا من قبل) أي قبل بعثه (لفي ضلال مبين) بيِّن
قال أبو جعفر: يعني بذلك : لقد تطول الله على المؤمنين ، "إذ بعث فيهم رسولاً"، حين أرسل فيهم رسولاً، "من أنفسهم"، نبياً من أهل لسانهم ، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول ، "يتلو عليهم آياته"، يقول : يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله ، "ويزكيهم"، يعني : يطهرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم ، "ويعلمهم الكتاب والحكمة"، يعني : ويعلمهم كتاب الله الذي أنزله عليه ، ويبين لهم تأويله ومعانيه ، "والحكمة"، ويعني بالحكمة، السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيانه لهم ، "وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"، يعني : وإن كانوا من قبل أن يمن الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته ، "لفي ضلال مبين"، يقول : في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقا، ولا يبطلون باطلاً.
وقد بينا أصل الضلالة فيما مضى، وأنه الأخذ على غير هدى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
والمبين، الذي يبين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه ، أنه على غير استقامة ولا هدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم"، من الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم ، قوله : "ويعلمهم الكتاب والحكمة"، الحكمة، السنة، فى "إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"، ليس والله كما يقول أهل حروراء: محنة غالبة، من أخطأها أهريق دمه، ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلمهم ، وإلى قوم لا أدب لهم فأذبهم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال : "لقد من الله على المؤمنين"، إلى قوله : "لفي ضلال مبين"، أي : لقد من الله عليكم ، يا أهل الإيمان ، إذ بعث فيكم رسولاً من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم ، ويعلمكم الخير والشر، لتعرفوا الخير فتعملوا به ، والشر فتتقوه ، ويخبركم برضاه عنكم إذا أطعتموه ، لتستكثروا من طاعته ، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته ، فتتخلصوا بذلك من نقمته ، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته ، "وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"، أي : في عمياء من الجاهلية، لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة، صم عن الحق ، عمي عن الهدي.
بين الله تعالى عظيم منته عليهم ببعثه محمداً صلى الله عليه وسلم ، والمعنى في المنة فيه أقوال : منها أن يكون معنى " من أنفسهم " أي بشر مثلهم ، فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أن ذلك من عند الله ، وقيل : " من أنفسهم " منهم ، فشرفوا به صلى الله عليه وسلم ، فكانت تلك المنة ، وقيل : " من أنفسهم " ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته ، وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحق بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه ، وقرئ في الشواذ ( من أنفسهم ) ( بفتح الفاء ) يعني من أشرفهم ، لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل من قريش ، وقريش أفضل من العرب ، والعرب أفضل من غيرهم ، ثم قيل : لفظ المؤمنين عام ومعناه خاص في العرب ، لأنه ليس حي من أحياء العرب إلا وقد ولده صلى الله عليه وسلم ، ولهم فيه نسب ، إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى فطهره الله من دنس النصرانية ، وبيان هذا لتأويل قوله تعالى : " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم " [ الجمعة : 2 ] ، وذكر أبو محمد عبد الغني قال : حدثنا أبو أحمد البصري حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي أبو بكر المروزي حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " قالت : هذه للعرب خاصة : وقال آخرون : أراد به المؤمنين كلهم ، ومعنى " من أنفسهم " أنه واحد منهم وبشر مثلهم ، وإنما امتاز عنهم بالوحي ، وهو معنى قوله " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ، فالمنة عليهم أعظم ، وقوله تعالى : " يتلو عليهم " ( يتلو ) في موضع نصب نعت لرسول ، ومعناه يقرأ ، والتلاوة القراءة ، " ويعلمهم الكتاب والحكمة " تقدم في البقرة ، ومعنى " وإن كانوا من قبل " أي ولقد كانوا من قبل إلا في ضلال مبين ، ومثله " وإن كنتم من قبله لمن الضالين " أي وما كنتم من قبله إلا من الضالين ، وهذا مذهب الكوفيين ، وقد تقدم في البقرة معنى هذه الآية .
يقول تعالى مخاطباً رسوله, ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره, التاركين لزجره, وأطاب لهم لفظه "فبما رحمة من الله لنت لهم" أي: أي شيء جعلك لهم ليناً, لولا رحمة الله بك وبهم, وقال قتادة "فبما رحمة من الله لنت لهم" يقول فبرحمة من الله لنت لهم, وما صلة, والعرب تصلها بالمعرفة كقوله "فبما نقضهم ميثاقهم" وبالنكرة كقوله: "عما قليل" وهكذا ههنا قال: "فبما رحمة من الله لنت لهم" أي برحمة من الله, وقال الحسن البصري هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به, وهذه الاية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" وقال الإمام أحمد : حدثنا حيوة , حدثنا بقية , حدثنا محمد بن زياد , حدثني أبو راشد الحبراني قال: أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي وقال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه" تفرد به أحمد , ثم قال تعالى: " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " والفظ الغليظ, والمراد به ههنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك "غليظ القلب" أي لو كنت سيء الكلام, قاسي القلب عليهم لا نفضوا عنك وتركوك, ولكن الله جمعهم عليك, وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم, كما قال عبد الله بن عمرو : "إني أرى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة إنه ليس بفظ, ولا غليظ, ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح", وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي : أنبأنا بشر بن عبيد الدارمي , حدثنا عمار بن عبد الرحمن عن المسعودي عن ابن أبي مليكة , عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض" حديث غريب. ولهذا قال تعالى: "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه, كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير, فقالوا: " يا رسول الله, لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك, ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك, ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون: ولكن نقول اذهب, فنحن معك, وبين يديك, وعن يمينك, وعن شمالك مقاتلون " , وشاورهم أيضاً أين يكون المنزل, حتى أشار المنذر بن عمرو المعنق ليموت, بالتقدم إلى أمام القوم. وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو, فأشار جمهورهم بالخروج إليهم, فخرج إليهم وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ, فأبى ذلك عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة , فترك ذلك, وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين. فقال له الصديق : إنا لم نجىء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين, فأجابه إلى ما قال, وقال صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك "أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي ورموهم, وايم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن ؟ والله ما علمت عليه إلا خيراً" واستشار علياً وأسامة في فراق عائشة رضي الله عنها. فكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها وقد اختلف الفقهاء هل كان ذلك واجباً عليه أو من باب الندب تطييباً لقلوبهم ؟ على قولين. وقد قال الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي , حدثنا يحيى بن أيوب العلاف بمصر, حدثنا سعيد بن أبي مريم , أنبأنا سفيان بن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس في قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر" قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر وعمر , وكانا حواريي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه, وأبوي المسلمين, وقد روى الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا عبد الحميد عن شهر بن حوشب , عن عبد الرحمن بن غنم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لأبي بكر وعمر لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما" وروى ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم ؟ فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم" وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يحيى بن بكير عن شيبان , عن عبد الملك بن عمير , عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المستشار مؤتمن" ورواه أبو داود والترمذي , وحسنه النسائي من حديث عبد الملك بن عمير بأبسط من هذا. ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أسود بن عامر عن شريك , عن الأعمش , عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن" تفرد به. وقال أيضاً: حدثنا أبو بكر , حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم عن ابن أبي ليلى , عن أبي الزبير , عن جابر , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه" تفرد به أيضاً. وقوله تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله" أي إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكل على الله فيه "إن الله يحب المتوكلين" وقوله تعالى: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" وهذه الاية كما تقدم من قوله: "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" ثم أمرهم بالتوكل عليه, فقال "وعلى الله فليتوكل المؤمنون" وقوله تعالى: "وما كان لنبي أن يغل", قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد: ما ينبغي لنبي أن يخون. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح , حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان بن خصيف عن عكرمة , عن ابن عباس قال: فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها, فأنزل الله " وما كان لنبي أن يغل " أي يخون. وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا خصيف , حدثنا مقسم , حدثني ابن عباس أن هذه الاية "وما كان لنبي أن يغل" نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر, فقال بعض الناس: لعل رسول الله أخذها, فأكثروا في ذلك, فأنزل الله " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " وكذا رواه أبو داود والترمذي جميعاً عن قتيبة , عن عبد الواحد بن زياد به. وقال الترمذي : حسن غريب, ورواه بعضهم, عن خصيف , عن مقسم يعني مرسلاً, وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء , عن مجاهد , عن ابن عباس قال: اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقد, فأنزل الله تعالى: " وما كان لنبي أن يغل " وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم, وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك. وقال العوفي عن ابن عباس "وما كان لنبي أن يغل" أي بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضاً. وكذا قال الضحاك . وقال محمد بن إسحاق "وما كان لنبي أن يغل" بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته. وقرأ الحسن البصري وطاوس ومجاهد والضحاك "وما كان لنبي أن يغل" بضم الياء أي يخان وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الاية يوم بدر, وقد غل بعض أصحابه. رواه ابن جرير عنهما, ثم حكى عن بعضهم أنه فسر هذه القراءة بمعنى يتهم بالخيانة, ثم قال تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد, وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضاً في أحاديث متعددة, قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك , حدثنا زهير يعني ابن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل , عن عطاء بن يسار , عن أبي مالك الأشجعي , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض, تجدون الرجلين جارين في الأرض ـ أو في الدار ـ فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً, فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة " .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا ابن لهيعة , عن ابن هبيرة والحارث بن يزيد , عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً أو ليست له زوجة فليتزوج, أو ليس له خادم فليتخذ خادماً, أو ليست له دابة فليتخذ دابة, ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال " هكذا رواه الإمام أحمد . وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر, فقال: حدثنا موسى بن مروان الرقي , حدثنا المعافى , حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد , عن جبير بن نفير , عن المستورد بن شداد , قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة, فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً" قال: قال أبو بكر : أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من اتخذ غير ذلك فهو غال ـ أو سارق". قال شيخنا الحافظ المزي رحمه الله : رواه جعفر بن محمد الفريابي عن موسى بن مروان : فقال: عن عبد الرحمن بن جبير بدل جبير بن نفير , وهو أشبه بالصواب.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا حفص بن بشر , حدثنا يعقوب القمي , حدثنا حفص بن حميد عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك, ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء, فيقول: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك, ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة ينادي: يا محمد, يا محمد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً, قد بلغتك. ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعاً من أدم ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك" لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.
(حديث آخر) . قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري سمع عروة يقول: حدثنا أبو حميد الساعدي : قال: " استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة, فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال ما بال العامل نبعثه فيجي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته, إن كان بعيراً له رغاء, أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه: ثم قال اللهم هل بلغت ثلاثاً " , وزاد هشام بن عروة فقال أبو حميد : بصرته بعيني وسمعته بأذني واسألوا زيد بن ثابت , أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة , وعند البخاري : واسألوا زيد بن ثابت , ومن غير وجه عن الزهري , ومن طريق عن هشام بن عروة , كلاهما عن عروة , به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى , حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هدايا العمال غلول " وهذا الحديث من أفراد أحمد , وهو ضعيف الإسناد, وكأنه مختصر من الذي قبله, والله أعلم.
(حديث آخر) ـ قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام : حدثنا أبو كريب , حدثنا أبو أسامة عن داود بن يزيد الأودي , عن المغيرة بن شبل , عن قيس بن أبي حازم , عن معاذ بن جبل , قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن, فلما سرت أرسل في أثري فرددت, فقال أتدري لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" لهذا دعوتك فامض لعملك" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وفي الباب عن عدي بن عميرة وبريدة والمستورد بن شداد وأبي حميد وابن عمر .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن علية , حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي , عن أبي زرعة بن عمر بن جرير , عن أبي هريرة , قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره, ثم قال: لألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجي يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت, فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك" أخرجاه من حديث أبي حيان به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد , حثني قيس عن عدي بن عميرة الكندي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملاً فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه, فهو غل يأتي به يوم القيامة قال: فقام رجل من الأنصار أسود ـ قال مجالد : هو سعيد بن عبادة كأني انظر إليه ـ فقال: يا رسول الله, اقبل عني عملك. قال وما ذاك ؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا, قال وأنا أقول ذاك الان, من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره, فما أوتي منه أخذه, وما نهي عنه انتهى" وكذا رواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به .
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الفزاري , عن ابن جريج , حدثني منبوذ رجل من آل أبي رافع عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع , عن أبي رافع , قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب, قال أبو رافع : " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً إلى المغرب, إذ مر بالبقيع, فقال أف لك , أف لك مرتين, فكبر في ذرعي وتأخرت وظننت أنه يريدني, فقال :مالك ؟ امش قال: قلت: أحدثت حدثاً يارسول الله, قال وما ذاك" ؟ قلت: أففت بي, قال :لا, ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعياً على آل فلان فغل نمرة فدرع الان مثلها من نار".
(حديث آخر) ـ قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج ـ وكان بمكة ـ حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد , عن أبي صادق , عن ربيعة بن ناجد , عن عبادة بن الصامت , قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ثم يقول مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم, إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة, أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك, وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد, في الحضر والسفر, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة, إنه لينجي الله به من الهم والغم, وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم" وقد روى ابن ماجه بعضه عن المفلوج به.
(حديث آخر) ـ عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الخياط والمخيط, فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة".
(حديث آخر) ـ قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة , حدثنا جرير عن مطرف , عن أبي الجهم , عن أبي مسعود الأنصاري , قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً, ثم قال : انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء, قد غللته قال: إذاً لا أنطلق, قال إذاً لا أكرهك", تفرد به أبو داود .
(حديث آخر) ـ قال أبو بكر بن مردويه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم , أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , أنبأنا عبد الحميد بن صالح , أنبأنا أحمد بن أبان عن علقمة بن مرثد , عن ابن بريدة عن أبيه , عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الحجر ليرمى به في جهنم فيهوي سبعين خريفاً ما يبلغ قعرها, ويؤتى بالغلول فيقذف معه ثم يقال لمن غل ائت به, فذلك قوله "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"".
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا عكرمة بن عمار , حدثني سماك الحنفي أبو زميل , حدثني عبد الله بن عباس , حدثني عمر بن الخطاب , قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد, حتى أتوا على رجل, فقالوا: فلان شهيد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها ـ أو عباءة ـ" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " , وكذا رواه مسلم والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثنا أبي , حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعث سعد بن عبادة مصدقاً, فقال: إياك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء. قال: لا آخذه ولا أجيء به, فأعفاه " ثم رواه من طريق عبيد الله عن نافع به نحوه.
(حديث آخر) ـ قال أحمد : حدثنا أبو سعيد , حدثنا عبد العزيز بن محمد , حدثنا صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم, فوجد في متاع رجل غلول, قال: فسأل سالم بن عبد الله , فقال: حدثني أبي عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتم في متاعه غلولاً فاحرقوه ـ قال: وأحسبه قال: واضربوه قال: فأخرج متاعه في السوق فوجد فيه مصحفاً, فسأل سالماً فقال: بعه وتصدق بثمنه " , وكذا رواه علي بن المديني وأبو داود والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الأتدراوردي , زاد أبو داود وأبو إسحاق الفزاري , كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة به. وقد قال علي بن المديني والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا, وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط, وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومن تابعه من أصحابه, وقد رواه الأموي عن معاوية عن أبي إسحاق , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق على ما فيه. ثم روى عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء , عن أبيه , عن علي , قال: الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد, وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا: لا يحرق متاع الغال بل يعزر تعزير مثله, وقال البخاري : " وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال, ولم يحرق متاعه " , والله أعلم.
(حديث آخر عن عمر رضي الله عنه) ـ قال ابن جرير : حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , حدثني عبد الله بن وهب , أخبرني عمرو بن الحارث أن موسى بن جبير حدثه: أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه: أن عبد الله بن أنيس حدثه: أنه تذاكر هو و عمر بن الخطاب يوماً الصدقة, فقال: ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة "من غل منها بعيراً أو شاة فإنه يحمله يوم القيامة" ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى. ورواه ابن ماجه عن عمرو بن سواد عن عبد الله بن وهب به. ورواه الأموي عن معاوية , عن أبي إسحاق , عن يونس بن عبيد , عن الحسن قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه. ثم روى عن معاوية , عن أبي إسحاق , عن عثمان بن عطاء , عن أبيه , عن علي قال: الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر , أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن جبير بن مالك , قال: أمر بالمصاحف أن تغير, قال: فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يغل مصحفاً فليغله, فإنه من غل شيئاً جاء به يوم القيامة, ثم قال: قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة, أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وروى وكيع في تفسيره عن شريك , عن إبراهيم بن مهاجر , عن إبراهيم , قال: لما أمر بتحريق المصاحف قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ياأيها الناس غلوا المصاحف, فإنه من غل يأت بما غل يوم القيامة, ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة ـ وقال أبو داود , عن سمرة بن جندب , قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالاً فينادي في الناس, فيجيئون بغنائمهم, فيخمسه ويقسمه, فجاء رجل يوماً بعد النداء بزمام من شعر فقال: يا رسول الله, هذا كان مما أصبنا من الغنيمة, فقال أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً ؟ قال: نعم. قال فما منعك أن تجيء ؟ فاعتذر إليه فقال كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك " .
وقوله تعالى: "أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" أي لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه, وأجير من وبيل عقابه, ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه, ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير, وهذه الاية لها نظائر كثيرة في القرآن, كقوله تعالى: "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى", وكقوله "أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا" الاية. ثم قال تعالى: "هم درجات عند الله", قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق : يعني أهل الخير وأهل الشر درجات, وقال أبو عبيدة والكسائي : منازل, يعني متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار, كقوله تعالى: "ولكل درجات مما عملوا" الاية, ولهذا قال تعالى: "والله بصير بما يعملون" أي وسيوفيهم إياها, لا يظلمهم خيراً ولا يزيدهم شراً, بل يجازي كل عامل بعمله, وقوله تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به, كما قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها" أي من جنسكم, وقال تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد" الاية. وقال تعالى: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" وقال تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى" وقال تعالى: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم" فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسول إليهم منهم بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه, ولهذا قال تعالى: "يتلو عليهم آياته" يعني القرآن "ويزكيهم" أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم, "ويعلمهم الكتاب والحكمة" يعني القرآن والسنة, "وإن كانوا من قبل" أي من قبل هذا الرسول "لفي ضلال مبين" أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد.
قوله 164- "لقد من الله على المؤمنين" جواب قسم محذوف، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته. ومعنى "من أنفسهم" أنه عربي مثلهم، وقيل: بشر مثلهم، ووجه المنة على الأول: أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه ولا يحتاجون إلى ترجمان ومعناها على الثاني: أنهم يأنسون به بجامع البشرية، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية، وقرئ "من أنفسهم" بفتح الفاء: أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل من غيرهم، ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول، وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص، لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار، ورفاعة المحتد. ويدل على الوجه الأول قوله تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" وقوله "وإنه لذكر لك ولقومك". قوله "يتلو عليهم آياته" هذه منة ثانية أي: يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئاً من الشرائع "ويزكيهم" أي: يطهرهم من نجاسة الكفر وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى، وهما في محل نصب على الحال، أو صفة لرسول، وهكذا قوله "ويعلمهم الكتاب"، والمراد بالكتاب هنا القرآن. والحكمة: السنة. وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك "وإن كانوا من قبل" أي: من قبل محمد، أو من قبل بعثته "لفي ضلال مبين" أي: واضح لا ريب فيه، واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة، وبين النافية، فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية، واسمها ضمير الشأن، أي: وإن الشأن والحديث، وقيل: إنها النافية، واللام بمعنى إلا: أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين، وبه قال الكوفيون والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى "وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض" الآية، قال: هذا قول عبد الله بن أبي سلول والمنافقين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" قال: يحزنهم قولهم ولا ينفعهم شيئاً. وأخرجوا عن قتادة في قوله "فبما رحمة من الله" يقول: فبرحمة من الله "لنت لهم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله "لانفضوا من حولك" قال: لانصرفوا عنك. وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب، قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس: قال لما نزلت "وشاورهم في الأمر" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن الله جعلها رحمةً لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدهم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس "وشاورهم في الأمر". قال: أبو بكر وعمر. وأخرج ابن مردويه عن علي قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم، فقال: مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم". وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية "وما كان لنبي أن يغل" في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت. وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس "وما كان لنبي أن يغل" قال: ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه. وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس "هم درجات عند الله" يقول: بأعمالهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في قوله "لقد من الله على المؤمنين" الآية، قالت: هذه للعرب خاصة.
164-"لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم"، قيل: أراد به العرب لأنه ليس حي من احياء العرب إلا وله فيهم نسب إلا بني ثعلبة ، دليله قوله تعالى:"هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" وقال الآخرون :أراد به جميع المؤمنين ، ومعنى قوله تعالى:"من أنفسهم" أي: بالإيمان والشفقة لا بالنسب ، ودليله قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم"، "يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا"، وقد كانوا، "من قبل" أي: من قبل بعثه "لفي ضلال مبين".
164" لقد من الله على المؤمنين " أنعم على من آمن مع الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه وتخصيصهم مع أن نعمة البعثة عامة لزيادة انتفاعهم بها. قرىء " لقد من الله " على أنه خبر مبتدأ محذوف مثل منه أو بعثه. " إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " من نسبهم، أ, من جنسهم عربياً مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله في الصدق والأمانة مفتخرين به. وقرىء من "أنفسهم" أي من أشرفهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان من أشرف قبائل العرب وبطونها. " يتلو عليهم آياته " أي القرآن بعد ما كانوا جهالاً لم يسمعوا الوحي. " ويزكيهم " يطهرهم من دنس الطباع وسوء الاعتقاد والأعمال. " ويعلمهم الكتاب والحكمة " أي القرآن والسنة. "وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والمعنى وإن الشأن كانوا من قبل بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في ضلال ظاهر.
164. Allah verily hath shown grace to the believers by sending unto them a messenger of their own who reciteth unto them His revelations, and causeth them to grow, and teacheth them the Scripture and wisdom; although before (he came to them ) they were in flagrant error.
164 - God did confer a great favour on the believers when he sent among them an apostle from among themselves, rehearsing unto them the signs of God, sanctifying them, and instructing them in scripture and wisdom, while, before that, thy had been in manifest error.