[آل عمران : 141] وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
(وليمحص الله الذين آمنوا) يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم (ويمحق) يهلك (الكافرين)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وليمحص الله الذين آمنوا"، وليختبر الله الذين صدقوا الله ورسوله ، فيبتليهم بإدالة المشركين منهم ، حتى يتبين المؤمن منهم المخلص الصحيح الإيمان ، من المنافق ، كما:
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وليمحص الله الذين آمنوا"، قال: ليبتلي.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد، عن الحسن في قوله: "وليمحص الله الذين آمنوا"، قال: ليمحص الله المؤمن حتى يصدق.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "وليمحص الله الذين آمنوا"، يقول : يبتلي المؤمنين.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "وليمحص الله الذين آمنوا"، قال: يبتليهم.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"، فكان تمحيصاً للمؤمنين ، ومحقاً للكافرين.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، "وليمحص الله الذين آمنوا"، أي: يختبر الذين آمنوا، حتى يخلصهم بالبلاء الذي نزل بهم ، وكيف صبرهم ويقينهم.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"، قال : يمحق من محق في الدنيا، وكان بقية من يمحق في الآخرة في النار.
وأما قوله: "ويمحق الكافرين"، فإنه يعني به: أنه ينقصهم ويفنيهم.
يقال منه: محق فلان هذا الطعام، إذا نقصه أو أفناه ، يمحقه محقاً، ومنه قيل لمحاق القمر: محاق، وذلك نقصانه وفناؤه، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "ويمحق الكافرين"، قال: ينقصهم.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: "ويمحق الكافرين"، قال : يمحق الكافر حتى يكذبه.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "ويمحق الكافرين"، أي : يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به منكم.
قوله تعالى:" وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"
فيه ثلاثة أقوال: يمحص يختبر. الثاني-يطهر، أي من ذنوبهم فهو على حذف مضاف. المعنى: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا، قاله الفراء. الثالث- يمحص يخلص، فهذا أغربها. قال الخليل : يقال محص الحبل يمحص محصاً إذا انقطع وبره، ومنه اللهم محص عنا ذنوبنا أي خلصنا من عقوبتها. وقال أبو إسحاق الزجاج: قرأت على محمد بن يزيد عن الخليل: التمحيص التخليص. يقال: محصه يمحصه محصاً إذا خلصه، فالمعنى عليه: ليبتلي المؤمنين ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم. " ويمحق الكافرين" أي يستأصلهم بالهلاك.
يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون "قد خلت من قبلكم سنن" أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء, ثم كانت العاقبة لهم, والدائرة على الكافرين, ولهذا قال تعالى: "فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ثم قال تعالى: "هذا بيان للناس" يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم "وهدى وموعظة" يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم. و "هدى" لقلوبكم, و "موعظة للمتقين"أي زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين "ولا تهنوا" أي لا تضعفوا بسبب ما جرى "ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" أي إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة, فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أي نديل عليكم الأعداء تارة, وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة, ولهذا قال تعالى: "وليعلم الله الذين آمنوا" قال ابن عباس : في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء "ويتخذ منكم شهداء" يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته "والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا" أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب. وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله "ويمحق الكافرين" أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم, ثم قال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد, كما قال تعالى في سورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا" الاية. وقال تعالى: " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " الاية, ولهذا قال ههنا "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله, والصابرين على مقاومة الأعداء. وقوله "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون" أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم, تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم وتودون مناجزتهم ومصابرتهم, فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه, فدونكم فقاتلوا وصابروا, وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتمنوا لقاء العدو, وسلوا الله العافية, فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ولهذا قال تعالى: "فقد رأيتموه" يعني الموت شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل. وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش, وعداوة الذئب.
وقوله 141- "وليمحص الله الذين آمنوا" من جملة العلل معطوف على ما قبله. والتمحيص: الاختبار، وقيل: التطهير على حذف مضاف: أي ليمحص ذنوب الذين آمنوا، قاله الفراء، وقيل: يمحص يخلص، قاله الخليل والزجاج: أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم. وقوله "ويمحق الكافرين" أي يستأصلهم بالهلاك، وأصل التمحيق محو الآثار، والمحق نقسها.
141-"وليمحص الله الذين آمنوا" أي: يطهرهم من الذنوب، "ويمحق الكافرين "، يفنيهم ويهلكهم ، معناه : أنهم إن قتلوكم فهو تطهير لكم ، وإن قتلتموهم فهو محقهم واستئصالهم.
141" وليمحص الله الذين آمنوا " ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم. "ويمحق الكافرين" ويهلكهم إن كانت عليهم، والمحق نقص الشيء قليلاً قليلاً.
141. And that Allah may prove those who believe, and may blight the disbelievers.
141 - God's object also is to purge those that are true in faith and to deprive of blessing those that resist faith.