[آل عمران : 108] تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ
(تلك) أي هذه الآيات (آيات الله نتلوها عليك) يا محمد (بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) بأن يأخذهم بغير جرم
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "تلك آيات الله"، هذه آيات الله.
وقد بينا كيف وضعت العرب تلك وذلك مكان هذا وهذه ، في غير هذا الموضع فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته.
وقوله: "آيات الله"، يعني مواعظ الله وعبره وحججه، "نتلوها عليك"، نقرؤها عليك ونقصها، "بالحق"، يعني بالصدق واليقين.
وإنما يعني بقوله : "تلك آيات الله"، هذه الآيات التي ذكر فيها أمور المؤمنين من م نصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمور يهود بني إسرائيل وأهل الكتاب ، وما هو فاعل بأهل الوفاء بعهده ، وبالمبدلين دينه ، والناقضين عهده بعد الإقرار به . ثم أخبر عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يتلو ذلك عليه بالحق ، وأعلمه أن من عاقب من خلقه بما أخبر أنه معاقبه [به]: من تسويد وجهه، وتخليده في أليم عذابه وعظيم عقابه، ومن جازاه منهم بما جازاه : من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه ، بتخليده في دائم نعيمه ، فبغير ظلم منه لفريق منهم ، بل بحق استوجبوه ، وأعمال لهم سلفت جازاهم عليها، فقال تعالى ذكره :"وما الله يريد ظلما للعالمين"، يعني بذلك : وليس الله يا محمد، بتسويد وجوه هؤلاء وإذاقتهم العذاب العظيم ، وتبييض وجوه هؤلاء وتنعيمه إياهم في جنته ، طالباً وضع شيء مما فعل من ذلك في غير موضعه الذي هو موضعه ، إعلاماً بذلك عباده أنه لن يصلح في حكمته بخلقه غير ما وعد أهل طاعته والإيمان به ، وغير ما أوعد أهل معصيته والكفر به ، وإنذاراً منه هؤلاء، وتبشيراً منه هؤلاء.
قوله تعالى : " تلك آيات الله " ابتداء وخبر ، يعنى القرآن . " نتلوها عليك " يعني ننزل عليك جبريل فيقرأها عليك . " بالحق " أي بالصدق . وقال الزجاج : " تلك آيات الله " المذكورة حجج الله ودلائله . وقيل : < تلك > بمعنى هذه ولكنها لما انقضت صارت كأنها بعدت فقيل < تلك > ويجوز أن تكون < آيات الله > بدلاً من < تلك > ولا تكون نعتاً ، لأن المبهم لا ينعت بالمضاف " وما الله يريد ظلماً للعالمين " يعني أنه لايعذبهم بغير ذنب .
يقول تعالى: "ولتكن منكم أمة" منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, "وأولئك هم المفلحون", قال الضحاك : هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة, يعني المجاهدين والعلماء. وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ثم قال "الخير اتباع القرآن وسنتي" رواه ابن مردويه . والمقصود من هذه الاية, أن تكون فرقة من هذه الأمةمتصدية لهذا الشأن, وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه, كما ثبت في صحيح مسلم , عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرأً فيلغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية: " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي , أنبأنا إسماعيل بن جعفر , أخبرني عمرو بن أبي عمرو , عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي , عن حذيفة بن اليمان , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده, ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو به, وقال الترمذي : حسن, والأحاديث في هذا الباب كثيرة, مع الايات الكريمة, كما سيأتي تفسيرها في أماكنها, ثم قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" الاية, ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, مع قيام الحجة عليهم.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة , حدثنا صفوان , حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني , عن أبي عامر عبد الله بن لحي , قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة, قام حين صلى الظهر, فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة, وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة ـ يعني الأهواء ـ كلها في النار إلا واحدة ـ وهي الجماعة ـ وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه, لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب, لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به " , وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى , كلاهما عن أبي المغيرة واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي به, وقد ورد هذا الحديث من طرق.
وقوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" يعني يوم القيامة, حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة, وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة قاله ابن عباس رضي الله عنهما, "فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم" قال الحسن البصري : وهم المنافقون "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" وهذا الوصف يعم كل كافر "وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" يعني الجنة ماكثون فيها أبداً لا يبغون عنها حولاً, وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الاية: حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن ربيع بن صبيح وحماد بن سلمة , عن أبي غالب , قال: رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج مسجد دمشق, فقال أبو أمامة , كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه, ثم قرأ " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" إلى آخر الأية, قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟: قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعاً ـ حتى عد سبعاً ـ ما حدثتكموه, ثم قال: هذا حديث حسن, وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب وأخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق , عن معمر , عن أبي غالب بنحوه.
وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الاية عن أبي ذر حديثاً مطولاً غريباً عجيباً جداً, ثم قال تعالى: "تلك آيات الله نتلوها عليك" أي هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد "بالحق" أي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والاخرة "وما الله يريد ظلماً للعالمين" أي ليس بظالم لهم بل هو الحكم, العدل الذي لا يجور, لأنه القادر على كل شيء, العالم بكل شيء, فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحداً من خلقه, ولهذا قال تعالى: "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له وعبيد له "وإلى الله ترجع الأمور" أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والاخرة.
وقوله 108- "نتلوها عليك بالحق" جملة حالية، وبالحق متعلق بمحذوف: أي متلبسة بالحق وهو العدل. وقوله "وما الله يريد ظلماً للعالمين" جملة تذييلية مقررة لمضمون ما قبلها، وفي توجه النفي إلى الإرادة الواقعة على النكرة دليل على أنه سبحانه لا يريد فرداً من أفراد الظلم الواقعة على فرد من أفراد العالم. والمراد بما في السموات وما في الأرض مخلوقاته سبحانه: أي له ذلك يتصرف فيه كيف يشاء وعلى ما يريد، وعبر بما تغليباً لغير العقلاء على العقلاء لكثرتهم أو لتنزيل العقلاء منزلة غيرهم. قال المهدوي: وجه اتصال هذا بما قبله أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين وأنه لا يريد ظلماً للعالمين وصله يذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وما في الأرض في قبضته، وقيل: هو ابتداء كلام يتضمن البيان لعباده بأن جميع ما في السموات وما في الأرض له حتى يسألوه ويعبدوه ولا يعبدوا غيره.
108-"تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين ".
108"تلك آيات الله" الواردة في وعده ووعيده "نتلوها عليك بالحق" ملتبسة بالحق لا شبهة فيها. "وما الله يريد ظلماً للعالمين" إذ يستحيل الظلم منه لأنه لا يحق عليه شيء فيظلم بنقصه، ولا يمنع عن شيء فيظلم بفعله، لأنه المالك على الإطلاق كم قال.
108. These are revelations of Allah. We recite them unto thee in truth. Allah willeth no injustice to (His) creatures.
108 - These are the signs of God: we rehearse them to thee in truth: and God means no injustice to any of his creatures.