[آل عمران : 104] وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الإسلام (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك) الداعون الآمرون الناهون (هم المفلحون) الفائزون ، ومن للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل. وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "ولتكن منكم" أيها المؤمنون "أمة" يقول: جماعة، "يدعون" الناس، "إلى الخير"، يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده ، "ويأمرون بالمعروف"، يقول : يأمرون الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الذي جاء به من عند الله ، "وينهون عن المنكر"، يعني : وينهون عن الكفر بالله والتكذيب بمحمد وبما جاء به من عند الله ، بجهادهم بالأيدي والجوارح حتى ينقادوا لكم بالطاعة.
وقوله: "وأولئك هم المفلحون"، يعني المنجحون عند الله الباقون في جناته ونعيمه.
وقد دللنا على معنى الإفلاح في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته ههنا.
حدثنا أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا عيسى بن عمر القارئ، عن أبي عون الثقفي: أنه سمع صبيحاً قال: سمعت عثمان يقرأ: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم.
حدثني أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن الزبير يقرأ، فذكر مثل قراءة عثمان التي ذكرناها قبل سواءً.
حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، قال: هم خاصة أصحاب رسول الله، وهم خاصة الرواة.
قد مضى القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه السورة . و < من > في قوله < منكم > للتبعيض ، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء . وقيل : لبيان الجنس ، والمعنى لتكونوا كلكم كذلك .
قلت : القول الأول أصح ، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ، وقد عينهم الله تعالى بقوله : " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة " [ الحج : 41 ] الآية . وليس كل الناس مكنوا . وقرأ ابن الزبير : < ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم > قال أبو بكر الأنباري : وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير ، وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين فألحقه بألفاظ القرآن ، يدل على صحة ما أصف الحديث الذي حدثنيه أبي حدثنا حسن بن عرفة حدثنا وكيع عن أبي عاصم عن أبي عون عن صبيح قال : سمعت عثمان بن عفان يقرأ < ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم > فما يشك عاقل في أن عثمان لا يعتقد هذه الزيادة في القرآن ، إذ لم يكتبها في مصحفه الذي هو إمام المسلمين ، وإنما ذكرها واعظاً بها ومؤكدا ما تقدمها من كلام رب العالمين جل وعلا .
يقول تعالى: "ولتكن منكم أمة" منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, "وأولئك هم المفلحون", قال الضحاك : هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة, يعني المجاهدين والعلماء. وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ثم قال "الخير اتباع القرآن وسنتي" رواه ابن مردويه . والمقصود من هذه الاية, أن تكون فرقة من هذه الأمةمتصدية لهذا الشأن, وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه, كما ثبت في صحيح مسلم , عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرأً فيلغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية: " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي , أنبأنا إسماعيل بن جعفر , أخبرني عمرو بن أبي عمرو , عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي , عن حذيفة بن اليمان , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده, ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو به, وقال الترمذي : حسن, والأحاديث في هذا الباب كثيرة, مع الايات الكريمة, كما سيأتي تفسيرها في أماكنها, ثم قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" الاية, ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, مع قيام الحجة عليهم.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة , حدثنا صفوان , حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني , عن أبي عامر عبد الله بن لحي , قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة, قام حين صلى الظهر, فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة, وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة ـ يعني الأهواء ـ كلها في النار إلا واحدة ـ وهي الجماعة ـ وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه, لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب, لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به " , وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى , كلاهما عن أبي المغيرة واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي به, وقد ورد هذا الحديث من طرق.
وقوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" يعني يوم القيامة, حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة, وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة قاله ابن عباس رضي الله عنهما, "فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم" قال الحسن البصري : وهم المنافقون "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" وهذا الوصف يعم كل كافر "وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" يعني الجنة ماكثون فيها أبداً لا يبغون عنها حولاً, وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الاية: حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن ربيع بن صبيح وحماد بن سلمة , عن أبي غالب , قال: رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج مسجد دمشق, فقال أبو أمامة , كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه, ثم قرأ " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" إلى آخر الأية, قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟: قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعاً ـ حتى عد سبعاً ـ ما حدثتكموه, ثم قال: هذا حديث حسن, وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب وأخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق , عن معمر , عن أبي غالب بنحوه.
وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الاية عن أبي ذر حديثاً مطولاً غريباً عجيباً جداً, ثم قال تعالى: "تلك آيات الله نتلوها عليك" أي هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد "بالحق" أي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والاخرة "وما الله يريد ظلماً للعالمين" أي ليس بظالم لهم بل هو الحكم, العدل الذي لا يجور, لأنه القادر على كل شيء, العالم بكل شيء, فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحداً من خلقه, ولهذا قال تعالى: "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له وعبيد له "وإلى الله ترجع الأمور" أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والاخرة.
قوله 104- "ولتكن" قرأه الجمهور بإسكان اللام، وقرئ بكسر اللام على الأصل، ومن في قوله "منكم" للتبعيض وقيل: لبيان الجنس. ورجح الأول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفاً وينهون عنه منكراً. قال القرطبي: الأول أصح فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية، وقد عينهم الله سبحانه بقوله " الذين إن مكناهم في الأرض " الآية. وقرأ ابن الزبير ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم قال أبو بكر بن الأنباري: وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين فألحقه بألفاظ القرآن. وقد روي أن عثمان قرأها كذلك ولكن لم يكتبها في مصحبه فدل على أنها ليست بقرآن. وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها. وقوله: " يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" من باب عطف الخاص على العام، إظهاراً لشرفهما، وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عباده بالدعاء إليه، كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة، وحذف متعلق الأفعال الثلاثة: أي يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم: أي كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك، والإشارة في قوله "وأولئك" ترجع إلى الأمة باعتبار اتصافها بما ذكر بعدها "هم المفلحون" أي المختصون بالفلاح، وتعريف المفلحين للعهد أو للحقيقة التي يعرفها كل أحد.
104-" ولتكن منكم أمة " أي : كونوا أمة ، " من " صلة ليست للتبعيض ، كقوله تعالى : " فاجتنبوا الرجس من الأوثان "(الحج-30) لم يرد اجتناب بعض الأوثان بل أراد فاجتنبوا الأوثان ، واللام في قوله " ولتكن" لام الأمر، " يدعون إلى الخير" إلى الإسلام ، " ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".
أخبرنا اسماعيل عبد القاهر قال أنا عبد الغافر بن محمد قال اخبرنا محمد بن عيسى الجلودي اخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثنا أبو بكر محمد بن أبي شيبة اخبرنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قال أبو سعيد رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقو ل :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان".
أخبرنا ابو عبد الله بن الفضل الخرقي قال اخبرنا ابو الحسن الطيسفوني اخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني اخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر أنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم " .أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا علي بن الحسين الدراوردي أخبرنا أبو النعمان أخبرنا عبد العزيز بن مسلم القسملي أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت ابا بكر الصديق رضي الله عنه يقول : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية :" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله تعالى بعذابه ".
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد محمد بن يوسفأنا محمد بن اسماعيلأناعمرو بن حفص بن غياث أخبرنا أبي أنا الأعمش حدثني الشعبي انه سمع النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم :"مثل المداهن في حدود الله تعالى والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا:مالك؟ فقال تأذيتم بي ولابد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ".
104" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " من للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ولأنه لا يصلح له كل أحد إذ للمتصدي له شروط لا يشترك فيها جميع الأمة كالعلم بالأحكام ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها والتمكن من القيام بها. خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على أنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأساً أثموا جميعاً ولكن يسقط بفعل بعضهم، وهكذا كل ما هو فرض كفاية. أو للتبيين بمعنى وكونوا أمة يدعون كقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف". والدعاء إلى الخير يعم الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي، وعطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه عطف الخاص على العام للإيذان بفضله. "أولئك هم المفلحون" المخصوصون بكمال الفلاح وروي أنه عليه السلام" سئل من خير الناس فقال:آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم". والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً على حسب ما يأمر به. والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام. والأظهر أن العاصي يجب عليه أن ينهى عما يرتكبه لأنه يجب عليه تركه وإنكاره فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر.
104. And there may spring from you a nation who invite to goodness, and enjoin right conduct and forbid indecency. Such are they who are successful.
104 - Let there arise out of you a band of people inviting to all that is good, enjoining what is right, and forbidding what is wrong: they are the ones to attain felicity.