[آل عمران : 100] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج وغاظهم تألفهم فذكروهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين)
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الآية أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر فبينما هم جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت وكيف تكفرون الآية والآيتان بعدها
وأخرج ابن إسحق وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال مر شاس بن قيس وكان يهوديا على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون فغاظه ما رأى من تألفهم بعد العداوة فأمر شابا معه من يهود أن يجلس بينهم فيذكرهم يوم بعاث ففعل فتنازعوا وتفاخروا حتى وثب رجلان أوس بن قيظي
من الاوس وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا وغضب الفريقان وتواثبوا للقتال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى وعظهم وأصلح بينهم فسمعوا وأطاعوا فأنزل الله في أوس وجبار ومن كان معهما يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أتوا الكتاب الآية وفي شاس بن قيس يا أهل الكتاب لم تصدون الآية
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عني بذلك.
فقال بعضهم : عني بقوله: "يا أيها الذين آمنوا"، الأوس والخزرج، وبـ "الذين أوتوا الكتاب"، شأس بن قيس اليهودي، على ما قد ذكرنا قبل من خبره عن زيد بن أسلم.
وقال آخرون فيمن عني بالذين آمنوا، مثل قول زيد بن أسلم ، غير أنهم قالوا: الذي جرى الكلام بينه وبين غيره من الأنصار حتى هموا بالقتال ، ووجد اليهودي به مغمزاً فيهم: ثعلبة بن عنمة الأنصاري.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"، قال: نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري، كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهودي من قينقاع، فحمل بعضهم على بعض، حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا، فأنزل الله عز وجل: "إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"، يقول: إن حملتم السلاح فاقتتلتم، كفرتم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب"، قال: كان جماع قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن، حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم ، وألف بينهم بالإسلام. قال : فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان، ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما أيامهما والعداوة التي كانت بينهم، حتى استبا ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه وهذا قومه ، فخرجوا بالسلاح، وصف بعضهم لبعض. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم، حتى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنزل الله عز وجل القرآن في ذلك: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب" إلى قوله: "عذاب عظيم".
قال أبو جعفر: فتأويل الآية: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله، إن تطيعوا جماعة ممن ينتحل الكتاب من أهل التوراة والإنجيل، فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به، يضلوكم فيردوكم بعد تصديقكم رسول ربكم ، وبعد إقراركم بما جاء به من عند ربكم ، كافرين ، يقول: جاحدين لما قد آمنتم به وصدقتموه من الحق الذي جاءكم من عند ربكم. فنهاهم جل ثناؤه: أن ينتصحوهم ويقبلوا منهم رأياً أو مشورةً، ويعلمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوون على غل وغش وحسد وبغض، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"، قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركم وأنبأكم بضلالتهم ، فلا تأتمنوهم على دينكم ، ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوماً كفروا بكتابهم ، وقتلوا رسلهم ، وتحيروا في دينهم ، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله هم أهل التهمة والعداوة!
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " .
نزلت في يهودي أراد تجديد الفتنة بين الأوس والخزرج بعد انقطاعها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فجلس بينهم وأنشدهم شعراً قاله أحد الحيين في حربهم . فقال الحي الآخر : قد قال شاعرنا في يوم كذا وكذا ، فكأنهم دخلهم من ذلك شيء ، فقالوا : تعالوا نرد الحرب جذعاء كما كانت . فنادى هؤلاء : يا آل أوس . ونادى هؤلاء : يا آل خزرج ، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال فنزلت هذه الآية ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف بين الصفين فقرأها ورفع صوته ، فلما سمعوا صوته أنصتوا له وجعلوا يستمعون ، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً وجعلوا يبكون ، عن عكرمة و ابن زيد و ابن عباس . والذي فعل ذلك شاس بن قيس اليهودي ، دس على الأوس والخزرج من يذكرهم ما كان بينهم من الحروب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم ذكرهم ، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ، ثم انصرفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا " يعني الأوس والخزرج . " إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب " يعني شاساً وأصحابه . " يردوكم بعد إيمانكم كافرين " قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا ،فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم .
يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم به من إرسال رسوله, كما قال تعالى: " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم " الاية, وهكذا قال ههنا " إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " ثم قال تعالى: "وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله" يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه, فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلاً ونهاراً, وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم, وهذا كقوله تعالى: "وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين" الاية بعدها. وكما جاء في الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال لأصحابه يوماً أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً ؟ قالوا: الملائكة. قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ وذكروا الأنبياء, قال وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا: فنحن. قال وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ قالوا: فأي الناس أعجب إيماناً ؟ قال قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها" وقد ذكرت سند هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري , ولله الحمد, ثم قال تعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" أي ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية, والعدة في مباعدة الغواية, والوسيلة إلى الرشاد, وطريق السداد وحصول المراد.
ثم خاطب سبحانه المؤمنين محذراً لهم عن طاعة اليهود والنصارى مبيناً لهم أن تلك الطاعة تفضي إلى أن يردونهم بعد إيمانهم كافرين، وسيأتي بيان سبب نزول الآية. 100- " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ".
100-"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب" ، قال زيد بن اسلم : "إن شاس بن قيس اليهودي - وكان شيخاً عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين - مر على نفر من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، قال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم اذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: اعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ماكانوا تقالوا فيه من الأشعار ، وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل وتكلم فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ، أوس بن قبطي أحد بني حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددتها الآن جذعة ، وغضب الفريقان جميعاً وقالا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة ، وهي حرة فخرجوا إليها ، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم ؟ ترجعون إلى ماكنتم عليه كفاراً ، الله الله فعرف القوم أنها نزعة من / الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
"يردوكم بعد إيمانكم كافرين " "قال جابر: فما رأيت قط يوماً أقبح أولاً ، وأحسن آخراً من ذلك اليوم ثم قال الله تعالى على وجه التعجب.
100" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " " نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوساً يتحدثون، فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شاباً من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح، واجتمع مع القبيلتين خلق عظيم، فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضاً وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". وإنما خاطبهم الله بنفسه بعد ما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب إظهاراً لجلالة قدرهم، وإشعاراً بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم.
100. O ye who believe! If ye obey a party of those who have received the Scripture they will make you disbelievers after your belief.
100 - O ye who believe if ye listen to a faction among the people of the book, they would (indeed) render you apostates after ye have believed