[العنكبوت : 47] وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
47 - (وكذلك أنزلنا إليك الكتاب) القرآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرها (فالذين آتيناهم الكتاب) التوراة كعبد الله ابن سلام وغيره (يؤمنون به) بالقرآن (ومن هؤلاء) أهل مكة (من يؤمن به وما يجحد بآياتنا) بعد ظهورها (إلا الكافرون) اليهود وظهر لهم أن القرآن حق والجائي محق وجحدوا ذلك
يقول تعالى ذكره: كما أنزلنا الكتب على من قبلك يا محمد من الرسل " كذلك أنزلنا إليك " هذا " الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب " من قبلك من بني إسرائيل " يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به " يقول: ومن هؤلاء الذين هم بين ظهرانيك اليوم من يؤمن به كعبد الله بن سلام، ومن آمن به برسوله من بني إسرائيل.
وقوله " وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " يقول تعالى ذكره: وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلا الذي يجحد نعمنا عليه، وينكر توحيدنا وربوبيتنا على علم منه عناداً لنا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة.
قوله تعالى : " وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون" .
قال ابن جرير : يقول الله تعالى كما أنزلنا الكتب على من قبلك يا محمد من الرسل, كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب, وهذا الذي قاله حسن ومناسبته وارتباطه جيد. وقوله تعالى: "فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به" أي الذين أخذوه فتلوه حق تلاوته من أحبارهم العلماء الأذكياء, كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأشباههما. وقوله تعالى: "ومن هؤلاء من يؤمن به" يعني العرب من قريش وغيرهم "وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون" أي ما يكذب بها ويجحد حقها إلا من يستر الحق بالباطل, ويغطي ضوء الشمس بالوصائل وهيهات.
ثم قال تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمراً لا تقرأ كتاباً ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب, وهكذا صفته في الكتب المتقدمة, كما قال تعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" الاية, وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً إلى يوم الدين, لا يحسن الكتابة ولا يخط سطراً ولا حرفاً بيده, بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم.
ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله, فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري : ثم أخذ فكتب. وهذه محمولة على الرواية الأخرى: ثم أمر فكتب. ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي , وتبرؤوا منه, وأنشدوا في ذلك أقوالاً وخطبوا به في محافلهم, وإنما أراد الرجل ـ أعني الباجي ـ فيما يظهر عنه, أنه كتب ذلك على وجه المعجزة لا أنه كان يحسن الكتابة, كما قال صلى الله عليه وسلم إخباراً عن الدجال: "مكتوب بين عينيه كافر" وفي رواية "ك ف ر, يقرؤها كل مؤمن" وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة, فضعيف لا أصل له, قال الله تعالى: "وما كنت تتلو" أي تقرأ "من قبله من كتاب" لتأكيد النفي ولا تخطه بيمينك, تأكيد أيضاً, وخرج مخرج الغالب كقوله تعالى: "ولا طائر يطير بجناحيه".
وقوله تعالى: "إذاً لارتاب المبطلون" أي لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس, فيقول إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا" قال الله تعالى: "قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض" الاية, وقال ههنا: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" أي هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمراً ونهياً وخبراً, يحفظه العلماء يسره الله عليهم حفظاً وتلاوة وتفسيراً, كما قال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أعطي ما آمن على مثله البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي, فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً" وفي حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم يقول الله تعالى: "إني مبتليك ومبتل بك, ومنزل عليك كتاباً لا يغسله الماء, تقرؤه نائماً ويقظاناً" أي لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل, لأنه قد جاء من الحديث الاخر "لو كان القرآن في إهاب ما أحرقته النار" ولأنه محفوظ في الصدور ميسر على الألسنة, مهيمن على القلوب, معجز لفظاً ومعنى, ولهذا جاء في الكتب المتقدمة في صفة هذه الأمة أناجيلهم في صدورهم.
واختار ابن جرير أن المعنى في قوله تعالى: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتاباً, ولا تخطه بيمينك آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب, ونقله عن قتادة وابن جريج , وحكي الأول عن الحسن البصري فقط, قلت وهو الذي رواه العوفي عن ابن عباس , وقاله الضحاك وهو الأظهر والله أعلم. وقوله تعالى: "وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" أي ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون, أي المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه, كما قال تعالى: " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ".
قوله: 47- "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب" هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة. أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب، وهو القرآن، وقيل المعنى: كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن "فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به" يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه "ومن هؤلاء من يؤمن به" الإشارة إلى أهل مكة، والمراد أن منهم، وهو من قد أسلم من يؤمن به: أي بالقرآن، وقيل الإشارة إلى جميع العرب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب "وما يجحد بآياتنا" أي آيات القرآن "إلا الكافرون" المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب.
قوله تعالى: 47- "وكذلك"، أي: كما أنزلنا إليهم الكتب، "أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به"، يعني: مؤمني أهل الكتاب، عبد الله بن سلام وأصحابه، "ومن هؤلاء"، يعني: أهل مكة، "من يؤمن به"، وهم مؤمنو أهل مكة، "وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون"/، وذلك أن اليهود عرفوا أن محمداً نبي، والقرآن حق، فجحدوا. قال قتادة: الجحود إنما يكون بعد المعرفة.
47ـ " وكذلك " ومثل ذلك الإنزال . " أنزلنا إليك الكتاب " وحياً مصدقاً لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله : " فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به " هم عبد الله بن سلام وأضرابه ، أو من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب . " ومن هؤلاء " ومن العرب أو أهل مكة أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتابين . " من يؤمن به " بالقرآن . " وما يجحد بآياتنا " مع ظهورها وقيام الحجة عليها . " إلا الكافرون " إلا المتوغلون في الكفر فإن جزمهم به يمنعهم عن التأمل فيما يقيد لهم صدقها لكونها معجزة بالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه بقوله :
47. In like manner We have revealed unto thee the Scripture, and those unto whom We gave the Scripture aforetime will believe therein; and of these (also) there are some who believe therein. And none deny our revelations save the disbelievers
47 - And thus (it is) that We have sent down the Book to thee. So the People of the Book believe therein, as also do some of these (Pagan Arabs): and none but Unbelievers reject Our Signs.