[العنكبوت : 20] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
20 - (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) لمن كان قبلكم وأماتهم (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) مدا وقصرا مع سكون الشين (إن الله على كل شيء قدير) ومنه البدء والإعادة
وقوله " قل سيروا في الأرض " يقول تعال ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمنكرين للبعث بعد الممات، الجاحدين الثواب والعقاب: سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الأشياء وكيف أنشأها وأحدثها، وكما أوجدها وأحدثها ابتداء، فلم يتعذر عليه إحداثها مبدئاً، فكذلك لا يتعذر عليه إنشاؤها معيداً " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " يقول: ثم الله يبدىء تلك البدأة الآخرة بعد الفناء.
وبنحو الذي قلنان في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " خلق السماوات والأرض " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ": أي البعث بعد الموت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " قال: هي الحياة بعد الموت وهو النشور.
وقوله " إن الله على كل شيء قدير " يقول تعالى ذكره: إن الله على إنشاء جميع خلقه بعد إفنائه كهيئته قبل فنائه، وعلى غير ذلك مما يشاء فعله قادر لا يعجزه شيء أراده.
قوله تعالى : " قل سيروا في الأرض " أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض " فانظروا كيف بدأ الخلق " على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديغارهم وآثارهم كيف أهلكهم ، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله . " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " وقرأ أبو عمرو و ابن كثير : ( النشاءة ) بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والر آفة وشبهه . الجوهري : أنشأه الله خلقه ، والاسم النشأة والنشاءة وبالمد عن أبي عمرو بن العلاء . " إن الله على كل شيء قدير " .
يقول تعالى مخبراً عن الخليل عليه السلام أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً, ثم وجدوا وصاروا أناساً سامعين مبصرين, فالذي بدأ هذا قادر على إعادته, فإنه سهل عليه يسير لديه, ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الافاق من الايات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات, والأرضين وما فيها من مهاد وجبال, وأودية وبراري وقفار, وأشجار وأنهار, وثمار وبحار, كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها, وعلى وجود صانعها الفاعل المختار, الذي يقول للشيء كن فيكون, ولهذا قال: " أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير " كقوله تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" ثم قال تعالى: " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " أي يوم القيامة "إن الله على كل شيء قدير" وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " وكقوله تعالى: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟ * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون".
وقوله تعالى: "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء" أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء, ويحكم ما يريد, لا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون, فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل, لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة, كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن "إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم" ولهذا قال تعالى: "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون" أي ترجعون يوم القيامة.
وقوله تعالى: "وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء" أي لا يعجزه أحد من أهل سمواته وأرضه, بل هو القاهر فوق عباده, فكل شيء خائف منه فقير إليه, وهو الغني عما سواه "وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه" أي جحدوها وكفروا بالمعاد "أولئك يئسوا من رحمتي" أي لا نصيب لهم فيها "وأولئك لهم عذاب أليم" أي موجع شديد في الدنيا والاخرة.
ثم أمر سبحانه إبراهيم أن يأمر قومه بالمسير في الأرض ليتفكروا ويعتبروا فقال: 20- "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" على كثرتهم واختلاف ألوانهم وطبائعهم وألسنتهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية والأمم الخالية وآثارهم لتعلموا بذلك كمال قدرة الله. وقيل إن المعنى: قل لهم يا محمد سيروا، ومعنى قوله: "ثم الله ينشئ النشأة الآخرة" أن الله الذي بدأ النشأة الأولى وخلقها على تلك الكيفية ينشئها نشأة ثانية عند البعث، والجملة عطف على جملة سيروا في الأرض داخلة معها في حيز القول، وجملة "إن الله على كل شيء قدير" تعليل لما قبلها. قرأ الجمهور بـ "النشأة" بالقصر وسكون الشين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمد وفتح الشين، وهما لغتان كالرأفة والرآفة. وهي منتصبة على المصدرية بحذف الزوائد، والأصل الإنشاءة.
20 - "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"، فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم، " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة "، أي: ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءاً لا يتعذر عليه إنشاؤها معيداً.
قرأ ابن كثير، وأبو عمر: "النشأة" بفتح الشين ممدودة حيث وقعت، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها الرافة والرأفة.
"إن الله على كل شيء قدير".
20ـ " قل سيروا في الأرض " حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد عليها الصلاة والسلام . " فانظروا كيف بدأ الخلق " على اختلاف الأجناس والأحوال . " ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " بعد النشأة الأولى التي هي الإداء ، فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلاً اختراع وإخراج من العدم ، والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة ، وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر ، وقرئ (( النشاءة )) كالرآفة . " إن الله على كل شيء قدير " لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى .
20. Say (O Muhammad): Travel in the land and see how He originated creation, then Allah bringeth forth the later growth. Lo! Allah is Able to do all things.
20 - Say: Travel through the earth and see how God did originate creation; so will God produce a later creation: For God has power over all things.