[القصص : 41] وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ
41 - (وجعلناهم) في الدنيا (أئمة) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء رؤساء في الشرك (يدعون إلى النار) بدعائهم إلى الشرك (ويوم القيامة لا ينصرون) بدفع العذاب عنهم
يقول تعالى ذكره: وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله، والكفر به، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار " ويوم القيامة لا ينصرون " يقول جل ثناؤه: ويوم القيامة لا ينصرهم إذا عذبهم ناصر، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون، فاضمحلت تلك النصرة يومئذ.
قوله تعالى : " وجعلناهم أئمة " أي جعلناهم زعماء يتبعون على الكفر ، فيكون عليه م وزرهم ووزر من اتبعهم حتى يكون عقابهم أكثر . وقيل : جعل الله الملأ من قومه رؤساء السفلة منهم ، فهم يدعون إلى جهنم . وقيل : أئمة يأتم بهم ذوو العبر وبتعظ بهم أهل البصائر . " يدعون إلى النار " أي إلى عمل أهل النار " ويوم القيامة لا ينصرون " .
يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعواه الإلهية لنفسه القبيحة لعنه الله, كما قال الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" الاية, وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية, فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم, ولهذا قال: "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وقال تعالى إخباراً عنه: " فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " يعني أنه جمع قومه, ونادى فيهم بصوته العالي مصرحاً لهم بذلك, فأجابوه سامعين مطيعين, ولهذا انتقم الله تعالى منه, فجعله عبرة لغيره في الدنيا والاخرة, وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك, فقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين".
وقوله: "فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى" يعني أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين, يعني يتخذ له آجراً لبناء الصرح وهوالقصر المنيف الرفيع العالي, كما قال في الاية الاخرى: " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه, إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون, ولهذا قال: "وإني لأظنه من الكاذبين" أي في قوله: إن ثم رباً غيري, لا أنه كذبه في أن الله تعالى أرسله لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع جل وعلا, فإنه قال: " وما رب العالمين " وقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين" وقال "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وهذا قول ابن جرير .
وقوله تعالى: "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون" أي طغوا وتجبروا, وأكثروا في الأرض الفساد, واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد " فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد " ولهذا قال تعالى ههنا: "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم" أي أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة, فلم يبق منهم أحد "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار" أي لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع "ويوم القيامة لا ينصرون" أي فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولاً بذل الاخرة, كما قال تعالى: "أهلكناهم فلا ناصر لهم". وقوله تعالى: "وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة" أي وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله, كما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك "ويوم القيامة هم من المقبوحين" قال قتادة: وهذه الاية كقوله تعالى: "وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود".
41- "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار" أي صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادي فيه يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم اقتدوا وسلكوا طريقتهم تقليداً لهم. وقيل المعنى: إنه لم يأتم بهم: أي يعتبر بهم من جاء بعدهم ويتعظ بما أصيروا به، والأول أولى "ويوم القيامة لا ينصرون" أي لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله.
41- "وجعلناهم أئمة"، قادة ورؤساء، "يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون"، لا يمنعون من العذاب.
41 -" وجعلناهم أئمةً " قدوة للضلال بالحمل على الإضلال ، وقيل بالتسمية كقوله تعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً " ، أو بمنع الألطاف الصارفة عنه . " يدعون إلى النار " إلى موجباتها من الكفر والمعاصي . " ويوم القيامة لا ينصرون " بدفع العذاب عنهم .
41. And We made them patterns that invite unto the Fire, and on the Day of Resurrection they will not be helped.
41 - And We made them (but) leaders inviting to the fire; and on the day of judgment no help shall they find.