[القصص : 39] وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ
39 - (واستكبر هو وجنوده في الأرض) أرض مصر (بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) بالبناء للفاعل وللمفعول
يقول تعالى ذكره: واستكبر فرعون وجنوده في أرض مصر عن تصديق موسى، واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله، والإقرار بالعبودية به " بغير الحق " يعني تعدياً وعتواً على ربهم " وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون " يقول: وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون، ولا ثواب، ولا عقاب، فركبوا أهواءهم، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة.
قوله تعالى : " واستكبر " أي تعظم " هو وجنوده " أي عن الإيمان بموسى . " في الأرض بغير الحق " أي بالعدوان ، أي لم تكن له حجة تدفع ما جاء به موسى .
يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعواه الإلهية لنفسه القبيحة لعنه الله, كما قال الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" الاية, وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية, فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم, ولهذا قال: "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وقال تعالى إخباراً عنه: " فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " يعني أنه جمع قومه, ونادى فيهم بصوته العالي مصرحاً لهم بذلك, فأجابوه سامعين مطيعين, ولهذا انتقم الله تعالى منه, فجعله عبرة لغيره في الدنيا والاخرة, وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك, فقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين".
وقوله: "فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى" يعني أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين, يعني يتخذ له آجراً لبناء الصرح وهوالقصر المنيف الرفيع العالي, كما قال في الاية الاخرى: " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه, إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون, ولهذا قال: "وإني لأظنه من الكاذبين" أي في قوله: إن ثم رباً غيري, لا أنه كذبه في أن الله تعالى أرسله لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع جل وعلا, فإنه قال: " وما رب العالمين " وقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين" وقال "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وهذا قول ابن جرير .
وقوله تعالى: "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون" أي طغوا وتجبروا, وأكثروا في الأرض الفساد, واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد " فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد " ولهذا قال تعالى ههنا: "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم" أي أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة, فلم يبق منهم أحد "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار" أي لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع "ويوم القيامة لا ينصرون" أي فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولاً بذل الاخرة, كما قال تعالى: "أهلكناهم فلا ناصر لهم". وقوله تعالى: "وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة" أي وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله, كما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك "ويوم القيامة هم من المقبوحين" قال قتادة: وهذه الاية كقوله تعالى: "وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود".
39- "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق" المراد بالأرض أرض مصر، والاستكبار التعظيم بغير استحقاق، بل بالعدوان لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات "وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون" أي فرعون وجنوده، والمراد بالرجوع البعث والمعاد، قرأ نافع وشيبة وابن محيصن وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي "لا يرجعون" بفتح الياء وكسر الجيم مبنياً للفاعل. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم مبنياً للمفعول، واختار القراءة الثانية أبو عبيد.
39- "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون"، قرأ نافع، وحمزة، والكسائي ويعقوب: يرجعون بفتح الياء وكسر الجيم، والباقون بضم الياء وفتح الجيم.
39 -" واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق " بغير استحقاق . " وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون " بالنشور . وقرأ نافع و حمزة و الكسائي بفتح الياء وكسر الجيم .
39. And he and his hosts were haughty in the land without right, and deemed that they would never be brought back to Us.
39 - And he was arrogant and insolent in the land, beyond reason, he and his hosts: they thought that they would not have to return to Us!