[القصص : 34] وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
34 - (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) أبين (فأرسله معي ردء) معينا وفي قراءة بفتح الدال بلا همزة (يصدقني) بالجزم جواب الدعاء وفي قراءة بالرفع وجملته صفة ردءا (إني أخاف أن يكذبون)
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق " وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني ": أي يبين لهم عني ما أكلمهم به، فإنه يفهم ما لا يفهمون. وقيل: إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخبر، كانت النفس إلى تصديقهما، أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " فأرسله معي ردءا يصدقني " لأن الاثنين أحرى أن يصدقا من واحد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " فأرسله معي ردءا يصدقني " قال عوناً.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ردءا يصدقني ": أي عوناً.
وقال آخرون: معنى ذلك: كيما يصدقني.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس " ردءا يصدقني " يقول: كي يصدقني.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي " فأرسله معي ردءا يصدقني " يقول: كيما يصدقني.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ردءا يصدقني " يقول: كيما يصدقني. والردء في كلام العرب: هو العون، يقال منه: قد أردأت فلاناً على أمره: أي أكفيته وأعنته.
واختلفت القراء في قراءة قوله " يصدقني " فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة ( ردءا يصدقني) بجزم يصدقني. وقرأ عاصم وحمزة " يصدقني " برفهة، فمن رفعه جعله صلة للردء، بمعنى: فأرسله معي ردءاً من صفته يصدقني، ومن جزمه جعله جواباً لقوله فأرسله، فإنك إذا أرسلته صدقني، على وجه الخبر. والرفع في ذلك أحب القراءاتين إلي، لأنه مسألة من موسى ربه إن يرسل أخاه عوناً له بهذه الصفة.
وقوله " إني أخاف أن يكذبون " يقول: إني أخاف أن لا يصدقوني على قولي لهم إني أرسلت إليكم.
قوله تعالى : " فأرسله معي ردءا " يعني معيناً مشتق من أرادته أي أعنته . والردء العون . قال الشاعر:
ألم تر أن أصرم كان ردئي وخير الناس في قل ومال
النحاس وقد أردأه ورداه أي أعانه ، وترك همزه تخفيفاً . وبه قرأ نافع وهو بمعنى المهموز . قال المهدوي : ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أدرى على المائة أي زاد عليها ، وكأن المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي . قاله مسلم بن جندب .وأنشد قوله الشاعر :
وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب هد أردى ذراعاً على العشر
كذا أنشد الماوردي هذا البيت : قد أردى . وأنشده الغزنوي و الجوهري في الصحاح قد أرمى ، قال : والقسب الصلب ، والقسب تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة . قال يصف رمحاً : وأسمر . البيت . قال الجوهري : ردؤ الشء يردؤ رداءة فهو رديء أي فاسد ، وأردأته أفسدته ، وأردأنه أيضاً بمعنى أعنته ، تقول ، أردأته بنفسي أي كنت له رداءاً وهو العون . قال الله تعالى : " فأرسله معي ردءا يصدقني ".قال النحاس : وقد حكى ردأته : رداءاً وجمع ردء أرداء . وقرأ عاصم و حمزة : (( يصدقني )) بالرفع وجزم الباقون ، وهو اختيار أبي حاتم على جواب الدعاء . واختار الرفع أبو عبيد على الحال من الهاء في (( أرسله )) أي أرسله رداءاً مصدقاً حالة التصديق كقوله : " أنزل علينا مائدة من السماء تكون " [ المائدة : 114] أي كائنة ، حال صرف إلى الاستقبال . ويجوز أن يكون صفة لقوله : (( رداء )) . " إني أخاف أن يكذبون " إذا لم يكن لي وزير ولا معين ، لأنهم لا يكادون يفقهون عني .
لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون الذي إنما خرج من ديار مصر فراراً منه وخوفاً من سطوته "قال رب إني قتلت منهم نفساً" يعني ذلك القبطي "فأخاف أن يقتلون" أي إذا رأوني "وأخي هارون هو أفصح مني لساناً" وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة, فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه, فحصل فيه شدة في التعبير, ولهذا قال: " واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري " أي يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم, وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد, ولهذا قال: "وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً" أي وزيراً ومعيناً ومقوياً لأمري, يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل, لأن خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد, ولهذا قال: "إني أخاف أن يكذبون".
وقال محمد بن إسحاق "ردءاً يصدقني" أي يبين لهم عني ما أكلمهم به, فإنه يفهم عني ما لا يفهمون, فلما سأل ذلك موسى قال الله تعالى: "سنشد عضدك بأخيك" أي سنقوي أمرك, ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبياً معك, كما قال في الاية الأخرى: "قد أوتيت سؤلك يا موسى" وقال تعالى: "ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً" ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام, فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبياً ورسولاً معه إلى فرعون وملائه, ولهذا قال تعالى في حق موسى "وكان عند الله وجيهاً".
وقوله تعالى: "ونجعل لكما سلطاناً" أي حجة قاهرة "فلا يصلون إليكما بآياتنا" أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله, كما قال تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " وقال تعالى: " الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا " أي وكفى بالله ناصراً ومعيناً ومؤيداً, ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والاخرة, فقال تعالى: "أنتما ومن اتبعكما الغالبون" كما قال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" وقال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" إلى آخر الاية, ووجه ابن جرير على أن المعنى: ونجعل لكما سطاناً فلا يصلون إليكما, ثم يبتدىء فيقول: "بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون" تقديره أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا, ولا شك أن هذا المعنى صحيح, وهو حاصل من التوجيه الأول, فلا حاجة إلى هذا, والله أعلم.
34- "وأخي هارون هو أفصح مني لساناً" لأنه كان في لسان موسى جبسة كما تقدم بيانه، والفصاحة لغة الخلوص، يقال فصح اللبن وأفصح فهو فصيح: أي خلص من الرغوة، ومنه فصح الرجل: جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية. وقيل الفصيح الذي ينطق، والأعجم الذي لا ينطق. واما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة: خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس، وفصاحة الكلام: خلوصه من ضعف التأليف والتعقيد، وانتصاب "ردءاً" على الحال، والردء المعين، من أرادأته: أي أعنته، يقال فلان ردء فلان: إذا كان ينصره ويشد ظهره، ومنه قول الشاعر:
ألم تر أن أصرم كان ردئي وخير الناس في قل ومال
وحذفت الهمزة تخفيفاً في قراءة نافع وأبي جعفر، ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة: إذا زاد عليها، فكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي، ومنه قول الشاعر:
وأسمر خطياً كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعاً على العشر
وروي البيت في الصحاح بلفظ قد أربى، والقسب الصلب، وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم، وهو صلب النواة "يصدقني" قرأ عاصم وحزة "يصدقني" بالرفع على الاستئناف، أو الصفة لردءاً، أو الحال من مفعول أرسله، وقرأ الباقون بالجزم على جواب الأمر، وقرأ أبي وزيد بن علي "يصدقون" أي فرعون وملؤه "إني أخاف أن يكذبون" إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة.
34- "وأخي هارون هو أفصح مني لساناً"، وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة فيه، "فأرسله معي ردءاً"، عوناً، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع "رداً" بفتح الدال من غير همز طلباً للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزاً، "يصدقني"، قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: ردءاً مصدقاً، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، "إني أخاف أن يكذبون"، يعني فرعون وقومه.
34 -" وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا " معيناً وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء ، وقرأ نافع (( رداً )) بالتخفيف . " يصدقني " بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة . " إني أخاف أن يكذبون " ولساني لا يطاوعني عند المحاجة ، وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب ، وقرأ عاصم و حمزة " يصدقني " بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف .
34. My brother Aaron is more eloquent then me in speech. Therefor send him with me as a helper to confirm me. Lo! 1 fear that they will give the lie to me.
34 - And my brother Aaron He is more eloquent in speech than I: so send him with me as a helper, to confirm (and strengthen) me: For I fear that they may accuse me of falsehood.