[النمل : 65] قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
65 - (قل لا يعلم من في السماوات والأرض) من الملائكة والناس (الغيب) ما غاب عنهم (إلا) لكن (الله) يعلمه (وما يشعرون) كفار مكة كغيرهم (أيان) وقت (يبعثون)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " قل " يا محمد لسائليك من المشركين عن الساعة متى هي قائمة " لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب " الذي قد أستأثر الله بعلمه، وحجب عنه خلقه غير والساعة من ذلك " وما يشعرون " يقول: وما يدري من في السماوات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة.
وقد حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي ، عن مسروق، قال: قالت عائشة: من زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول " لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ".
واختلف أهل العربية في وجه رفع الله، فقال بعض البصريين: هو كما تقول إلا قليل منهم. وفي حرف ابن مسعود: قليلاً بدلاً من الأول، لأنك نفيته عنه وجعلته للآخر. وقال بعض الكوفيين: إن شئت أن تتوهم في من المجهول، فتكون معطوفة على: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله. قال: ويجوز أن تكون ( من) معرفة، ونزل ما بعد ( إلا) عليه، فيكون عطفاً ولا يكون بدلاً، لأن الأول منفي، والثاني مثبت فيكون في النسق كما تقول: قام زيد إلا عمرو، فيكون الثاني عطفاً على الأول، والتأويل جحد، ولا يمكن أن يكون الخبر جحداً، أو الجحد خبراً، قال: وكذلك ( ما فعلوه إلا قليل) ( النساء: 66) وقليلاً، من نصب فعلى الاستثناء في عبادتكم إياه، ومن رفع فعلى العطف، ولا يكون بدلاً.
قوله تعالى : " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " وعن بعضهم : أخفى غيبه على الخلق ، ولم يطلع عليه أحد لئلا يأمن أحد من عبيده مكره . وقيل : نزلت في المشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قيام الساعة .و( من ) في موضع رفع ، والمعنى : قل نلا يعلم أحد الغيب إلا الله ، فإنه بدل من ( من ) قاله الزجاج . الفراء وإنما رفع ما بعد ( إلا ) لأن ما قبلها جحد ، كقوله : ما ذهب أحد إلا أبوك ، والمعنى واحد . قال الزجاج : ومن نصب نصب على الاستثناء ، ويعني في الكلام . قال النحاس : وسمعته يحتج بهذه الآية على من صدق منجماً ، وقال : أخاف أن يكفر بهذه الآيه .
قلت : وقد مضى هذا في ( الأنعام ) مستوفى . وقالت عائشة : من زعم أن محمداً يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : " قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " خرجه مسلم . وروي أنه دخل على الحجاج منجم فاعتقله الحجاج ، ثم أخذ حصيات فعدهن ، ثم قال : كم في يدي من حصا ؟ فحسب المنجم ثم قال : كذا ، فأصاب . ثم أعتقله فأخذ حصيات لم يعدهن فقال : كم في يدي ؟فحسب فأخطأ ثم حسب فأخطأ ؟ ثم قال : أيها الأمير أظنك لاتعرف عددها ،قال : لا . قال : فإين لا أصيب . قال : فما الفرق ؟ قال : إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب ، وهذا لم تحصه فهو غيب و" لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " وقد مضى هذا في ( آل عمران ) والحمد لله .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلماً لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله. وقوله تعالى: "إلا الله" استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الاية, وقال تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث" إلى آخر السورة, والايات في هذا كثيرة. وقوله تعالى: "وما يشعرون أيان يبعثون" أي وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة كما قال تعالى: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا علي بن الجعد , حدثنا أبو جعفر الرازي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها, قالت: من زعم أنه يعلم ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية لأن الله تعالى يقول: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال قتادة : إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء وجعلها يهتدى بها وجعلها رجوماً للشياطين, فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه, وتكلف ما لا علم له به. وإن أناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة, من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا, ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا, ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا, ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم, وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب, وقضى الله تعالى أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون. رواه ابن أبي حاتم بحروفه وهو كلام جليل متين صحيح.
وقوله: " بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها " أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها, وقرأ آخرون " بل ادارك علمهم " أي تساوى علمهم في ذلك كما في الصحيح لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل وقد سأله عن وقت الساعة: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" أي تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول والسائل, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " بل ادارك علمهم في الآخرة " أي غاب, وقال قتادة " بل ادارك علمهم في الآخرة " يعني بجهلهم بربهم, يقول لم ينفذ لهم علم في الاخرة, هذا قول, وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني , عن ابن عباس " بل ادارك علمهم في الآخرة " حين لم ينفع العلم, وبه قال عطاء الخراساني والسدي أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك, كما قال تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين" وقال سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن , أنه كان يقرأ " بل ادارك علمهم " قال: اضمحل علمهم في الدنيا حين عاينوا الاخرة.
وقوله تعالى: "بل هم في شك منها" عائد على الجنس, والمراد الكافرون, كما قال تعالى: " وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا " أي الكافرون منكم. وهكذا قال ههنا: "بل هم في شك منها" أي شاكون في وجودها ووقوعها "بل هم منها عمون" أي في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها.
65- "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" أي لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات والأرض الغيب الذي استأثر الله بعلمه، والاستثناء في قوله إلا الله منقطع: أي لكن الله يعلم ذلك، ورفع ما بعد إلا مع كون الاستثناء منقطعاً هو على اللغة التميمية كما في قولهم:
إلا اليعافير وإلا العيس
وقيل إن فاعل يعلم هو ما بعد إلا، ومن في السموات مفعوله، والغيب بدل من من: وقال الزجاج: إلا الله بدل من من. قال الفراء: وإنما رفع ما بعد إلا لأن ما بعدها خبر كقولهم ما ذهب أحداً إلا أبوك وهو كقول الزجاج. قال الزجاج: ومن نصب نصب على الاستثناء "وما يشعرون أيان يبعثون" أي لا يشعرون متى ينشرون من القبور، وأيان مركبة من أي وإن. وقد تقدم تحقيقه، والضمير للكفرة. وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة، وهي لغة بني سليم وهي منصوبة بيبعثون ومعلقة بيشعرون، فتكون هي وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض: أي وما يشعرون بوقت بعثهم، ومعنى أيان معنى متى.
65- "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله"، نزلت في المشركين حيث سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، "وما يشعرون أيان يبعثون".
65 -" قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة أتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على أنه تعالى إن كان ممن في السموات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السموات والأرض من تعلق علمه بها وأطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . " وما يشعرون أيان يبعثون " متى ينشرون مركبة من (( أي )) (( وآن )) وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .
65. Say (O Muhammad): None in the heavens and the earth knoweth the Unseen save Allah; and they know not when they will be raised (again).
65 - Say: None in the heavens or on earth, except God, knows what is hidden: nor can they perceive when they shall be raised up (for Judgment).