[النمل : 32] قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ
32 - (قالت يا أيها الملأ أفتوني) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا أي أشيروا علي (في أمري ما كنت قاطعة أمرا) قاضيته (حتى تشهدون) تحضرون
يقول تعالى ذكره : قالت ملكة سبأ لأشراف قومها " يا أيها الملأ أفتوني في أمري " تقول : أشيروا علي في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إلي ، فجعلت المشورة فتيا .
وقوله " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " تقول : ما كنت قاضية أمرا في ذلك حتى تشهدون ، فأشاروكم فيه .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : دعت قومها تشاورهم " أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " يقول في الكلام : ما كنت لأقطع أمرا دونك ولا كنت لأقضي أمرا ، فلذلك قالت " ما كنت قاطعة أمرا " بمعنى : قاضية .
وقوله " قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد " بقول تعالى ذكره قال الملأ من قوم ملكة سبأ ، إذ شاورتهم في أمرها وأمر سليمان : نحن ذوو القوة على القتال ، والبأس الشديد في الحرب ، والأمر أيتها الملكة إليك في القتال وفي تركه ، فانظري من الرأي ما ترين ، فمرينا نأتمر لأمرك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قا : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد " عرضوا لها القتال ، يقاتلون لها ، والأمر إليك بعد هذا " فانظري ماذا تأمرين " .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : كان مع ملكة سبأ اثنا عشر ألف قبول ، مع كل قبول مئة ألف .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان مع بلقيس مئة ألف قيل ، مع كل قيل مئة ألف .
قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا الأعمش ، قال : سمعت مجاهدا يقول : كانت تحت يد ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيول ، والقيول بلسانهم : الملك تحت يد كل ملك مئة الف مقاتل .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري " الملأ أشراف القوم وقد مضى في سورة ( البقرة ) القول فيه . قال ابن عباس : كان معها إألف قيل . وقيل : اثنا عشر ألف قيل مع كل قيل مائة ألف . والقيل الملك دون الملك الأعظم . فأخذت في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها ، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض ، بقولها : " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " فكيف في هذا النازلة الكبرى . فراجعها الملأ بما يقر عينها ، من إعلامهم إياها بالقوة والبأس ،ثم سلموا الأمر إلى نظرها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع . قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هم أهل مشورتها ، كل رجل منهم على عشرة الآف .
الثانية : في هذه الآية دليل على صحة المشاورة . وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " وشاورهم في الأمر " [ آل عمران : 159] في (آل عمران ) إما استعانة بالآراء وأما مداراة للأولياء . وقد مدح الله تعالى الفضلا ء بقوله : " وأمرهم شورى بينهم " [ الشورى : 38] والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب ،فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس : " قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم ، وحزمهم فيما يقيم أمرهم ، وإمضائهم على الطاعة لها ، بعلمها بأنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها ، وإن لم يجتمع أمرها وحزمهم وجدهم كان ذلك عوناً لعدوهم عليهم ، وإن لم تختبر ما عندهم ، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم ، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها ، ودخيلة في تقدير أمرهم ، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوتة شوكتهم ، وشدة مدافعتهم ، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم : " طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين " قال ابن عباس : كان من قوة أحدتهم أنه يركض فرسه حتى إذا احتد ضم فخذيه فحسبه بقوته .
لما قرأت عليهم كتاب سليمان, استشارتهم في أمرها وما قد نزل بها, ولهذا قالت "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" أي حتى تحضرون وتشيرون "قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" أي منوا إليها بعددهم وعددهم وقوتهم, ثم فوضوا إليها بعد ذلك الأمر فقالوا: "والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين" أي نحن ليس لنا عاقة ولا بنا بأس إن شئت أن تقصديه وتحاربيه, فما لنا عاقة عنه. وبعد هذا فالأمر إليك مري فينا رأيك نمتثله ونطيعه. قال الحسن البصري رحمه الله: فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها, فلما قالوا لها ما قالوا, كانت هي أحزم رأياً منهم وأعلم بأمر سليمان, وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير. وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمراً عجيباً بديعاً, فقالت لهم: إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. ولهذا قالت "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلداً عنوة أفسدوه أي خربوه "وجعلوا أعزة أهلها أذلة" أي وقصدوا من فيها من الولاة والجنود فأهانوهم غاية الهوان إما بالقتل أو بالأسر. قال ابن عباس : قالت بلقيس "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" قال الرب عز وجل: "وكذلك يفعلون" ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصانعة, فقالت "وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون" أي سأبعث إليه بهدية تليق بمثله وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك, فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا, أو يضرب علينا خراجاً نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا. قال قتادة رحمه الله: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها, علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس. وقال ابن عباس وغير واحد: قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه, وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.
32- "قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري" الملأ أشراف القوم، والمعنى يا أيها الاشراف أشيروا علي وبينوا لي الصواب في هذا الأمر وأجيبوني بما يقتضيه الحزم، وعبرت عن المشورة بالفتوى لكون في ذلك حل لما أشكل من الأمر عليها، وفي الكلام حذف، والتقدير: فلما قرأت بلقيس الكتاب جمعت أشراف قومها وقالت لهم: يا أيها الملأ إني ألقي إلي، يا أيها الملأ أفتوني، وكرر قالت لمزيد العناية بما قالته لهم، ثم زادت في التأدب واستجلاب خواطرهم ليمحضوها النصح ويشيروا عليها بالصواب فقالت: "ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" أي ما كنت مبرمة أمراً من الأمور حتى تحضروا عندي وتشيروا علي.
32- "قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري"، أشيروا علي فيما عرض لي، وأجيبوني فيما أشاوركم فيه، "ما كنت قاطعةً"، قاضيةً وفاصلةً، "أمراً حتى تشهدون"، أي: تحضرون.
32 -" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري " أجيبوني في أمري الفتي واذكروا ما تستصوبون فيه . " ما كنت قاطعةً أمراً " ما أبت أمراً . " حتى تشهدون " إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة .
32. She said: O chieftains! Pronounce for me in my case. I decide no case till ye are present with me.
32 - She said: Ye chiefs! Advise me in (this) my affair: no affair have I decided except in your presence.