[النمل : 13] فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
13 - (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة) مضيئة واضحة (قالوا هذا سحر مبين) بين ظاهر
يقول تعالى ذكره : فلما جاءت فرعون وقومه آياتنا ،يعني ادلتنا وحججنا ، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحته وهي الآيات التسع التي ذكرناها قبل . وقوله " مبصرة " يقول : يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقة ما دلت عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال :ثنا الحسين ، قال :ثني حجاج ، عن ابن جريج " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " قال : بينة " قالوا هذا سحر مبين " . يقول : قال فرعون وقومه : هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبين ،يقول : يبين للناظرين له أنه سحر .
وقوله " وجحدوا بها "يقول : وكذبوا بالآيات التسع أن تكون من عند الله .
كما حدثنا القاسم ، قال :ثنا الحسين ، قال :ثني حجاج ، عن ابن جريج " وجحدوا بها " قال : الجحود : التكذيب بها . وقوله " واستيقنتها أنفسهم " يقول : وأيقنتها قلوبهم ، وعلموا يقينا أنها من عند الله ، فعاندوا بعد تبينهم الحق ، ومعرفتهم به .
كما حدثنا القاسم ، قال :ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس " واستيقنتها أنفسهم " قال : يقينهم في قلوبهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : قال ابن زيد في قول الله " واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " قال : استيقنوا أن الآيات من الله حق ، فلم جحدوا بها ؟ قال :ظلما وعلوا .
وقوله " ظلما وعلوا " يعني بالظلم : الاعتداء ، والعلو : الكبر ، كأنه قيل : اعتداء وتكبرا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله " ظلما وعلوا " قال : تعظما واستكبارا ، ومعنى ذلك وجحدوا بالآيات التسع ظلما وعلوا ، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، فعاندوا الحق بعد وضوحه لهم . فهو من المؤخر الذي معناه التقديم .
وقوله : " فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فانظر يا محمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة ، وماذا حل بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربهم ، وأعقبهم ما فعلوا ، فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، إلى هلاك في العاجل بالغرق ، وفي الآجل إلى عذاب دائم ، لا يفتر عنهم ، وهم فيه مبلسون ، يقول : وكذلك يامحمد سنتي في الذين كذبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحق من قومك .
قوله تعالى : " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أي واضحة بينة . قال الأحفش : ويجوز مبصرة وهو مصدر كما يقال : الولد مجبنة . " قالوا هذا سحر مبين " جروا على عادتهم في التكذيب فلهذا قال .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام, كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه أعطاه من الايات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة, وابتعثه إلى فرعون وملئه, فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له, فقال تعالى: "إذ قال موسى لأهله" أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق, وذلك في ليل وظلام, فآنس من جانب الطور ناراً, أي رأى ناراً تتأجج وتضطرم, فقال "لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر" أي عن الطريق " أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " أي تستدفئون به وكان كما قال. فإنه رجع منها بخبر عظيم, واقتبس منها نوراً عظيماً, ولهذا قال تعالى: "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها" أي فلما أتاها ورأى منظراً هائلاً عظيماً حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقداً, ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة, ثم رفع رأسه, فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن ناراً, وإنما كانت نوراً يتوهج, وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين, فوقف موسى متعجباً مما رأى " نودي أن بورك من في النار ". قال ابن عباس : تقدس "ومن حولها" أي من الملائكة, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب , حدثنا أبو داود هو الطيالسي , حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة , سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل", زاد المسعودي "وحجابه النور أو النار, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عبيدة "أن بورك من في النار ومن حولها" وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة به. وقوله تعالى: "وسبحان الله رب العالمين" الذي يفعل ما يشاء, ولا يشبهه شيء من مخلوقاته, ولا يحيط به شيء من مصنوعاته, وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات, ولا تكتنفه الأرض والسموات, بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله تعالى: "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه, الحكيم في أقواله وأفعاله, ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء, فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك, ولهذا قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان" والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً. وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت, فلما عاين موسى ذلك "ولى مدبراً ولم يعقب" أي لم يلتفت من شدة فرقه "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" أي لا تخف مما ترى, فإني أريد أن أصطفيك رسولاً وأجعلك نبياً وجيهاً.
وقوله تعالى: "إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم" هذا استنثاء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر, وذلك أن من كان على عمل سيء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب, فإن الله يتوب عليه, كما قال تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, والايات في هذا كثيرة جداً. وقوله تعالى: "وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار, وصدق من جعل له معجزة, وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه, فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله تعالى: "في تسع آيات" أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهاناً لك إلى فرعون وقومه "إنهم كانوا قوماً فاسقين" وهذه هي الايات التسع التي قال الله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" كما تقدم تقرير ذلك هنالك. وقوله تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أي بينة واضحة ظاهرة "قالوا هذا سحر مبين" وأرادوا معارضته بسحرهم, فغلبوا وانقلبوا صاغرين "وجحدوا بها" في ظاهر أمرهم "واستيقنتها أنفسهم" أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله, ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها "ظلماً وعلواً" أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة, وعلواً أي استكباراً من اتباع الحق, ولهذا قال تعالى: "فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم, وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة, وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد, الجاحدون لما جاء به من ربه, أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى, وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله, وما سبقه من البشارات من الأنبياء به, وأخذ المواثيق له, عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
13- "فلما جاءتهم آياتنا مبصرة" أي جاءتهم آياتنا التي على يد موسى حال كونها مبصرة: أي واضحة بينة كأنها لفرط وضوحها تبصر نفسها كقوله: "وآتينا ثمود الناقة مبصرة" قال الأخفش: ويجوز أن تكون بمعنى مبصرة على أن اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا. وقرأ علي بن الحسين وقتادة مبصرة بفتح الميم والصاد: أي مكاناً يكثر فيه التبصر، كما يقال: الولد مجبنة ومبخلة "قالوا هذا سحر مبين" أي لما جاءتهم قالوا هذا القول: أي سحر واضح.
13- "فلما جاءتهم آياتنا مبصرة"، بينة واضحة يبصر بها، "قالوا هذا سحر مبين"، ظاهر.
13 -" فلما جاءتهم آياتنا " بأن جاءهم موسى بها . " مبصرةً " بينة اسم فاعل أطلق للمفعول ، وإشعاراً بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر ، أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلاً عن أن تهدي ، أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها . وقرئ (( مبصرة )) أي مكاناً يكثركم فيه التبصر . " قالوا هذا سحر مبين " واضح سحريته .
13. But when Our tokens came unto them, plain to see, they said: This is mere magic,
13 - But when Our Signs came to them, that should have opened their eyes, they said: This is sorcery manifest!