[الشعراء : 81] وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ
81 - (والذي يميتني ثم يحيين)
يقول : والذي يميتني إذا شاء ثم يحييني إذا أراد بعد مماتي " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " فربي هذا الذي بيده نفعي وضري ، وله القدرة والسلطان ، وله الدنيا والآخرة ، لا الذي لا يسمع إذا دعي ، ولا ينفع ولا يضر . وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجا على قومه ، في أنه لا تصلح الألوهة ، ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال ، لا لمن لا يطيق نفعا ولا ضرا . وقيل : إن إبراهيم صلوات الله عليه ، عنى بقوله : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " والذي أرجو أن يغفر لي قولي " إني سقيم " الصافات : 89 ، وقولي " بل فعله كبيرهم هذا " الأنبياء : 63 ، وقولي لسارة إنها أختي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " قال : قوله : "إني سقيم " الصافات 89 ، وقوله " بل فعله كبيرهم هذا " الأنبياء : 63 ، وقوله لسارة : إنها أختي ، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " قال : قوله : " إني سقيم " الصافات :89 ،وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " الأنبياء :63 ، وقوله لسارة : إنها أختي .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ، و مجاهد نحوه . ويعني بقوله : " يوم الدين " يوم الحساب ، يوم المجازاة ، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى .
قوله تعلى : "والذي يميتني ثم يحيين " يريد البعث وكانوا ينسبون الموت إلى الأسباب ، فبين الله هو الذي يميت ويحيي . وكله بغير ياء " يهدين " " يشفين " لأن الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلها . وقرأ ابن أبي إسحاق على جلالته ومحله من العربية هذه كلها بالياء لأن الياء اسم وإنما دخلت النون لعلة . فإن قيل : فهذه صفة لجميع الخلق فكيف جعلها إبراهيم دليلاً على هدايته ولم يهتد بها غيره ؟ قيل : إنما ذكرها احتجاجاً على وجوب الطاعة ، لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها ، وهذا إلزام صحيح .
قلت : وتجوز بعض أهل الإشارات في غوامض المعاني فعدل عن ظاهر ما ذكرناه إلى ما تدفعه بدائه العقول من أنه ليس المراد من إبراهيم . فقال ، " والذي هو يطعمني ويسقين " أي يطعمني لذة الإيمان ويسقين حلاوة القبول . ولهم في قوله : " وإذا مرضت فهو يشفين " وجهان : أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته الثاني : إذا مرضت بمقاساة الخلق ، شفاني بمشاهدة الحق . قوال جعفر بن محمد الصادق : إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة . وتأولوا قوله " والذي يميتني ثم يحيين " على ثلاثة أوجه : فالذي يميتني بالمعاصي يحييني بالطاعات . الثاني : يميتني بالخوف يحييني بالرجاء . الثالث : يميتني بالطمع ويحييني بالقناعة . وقول رابع : يميتني بالعدل ويحيني بالفضل . وقول خامس : يميتني بالفراق ويحييني بالتلاق . وقول سادس : يميتني بالجهل ويحييني بالعقل إلى غير ذلك مما ليس بشيء منه مراد من الآية ، فإن هذه التأويلات الغامضة ، والأمور الباطنة ، إنما تكون لمن حذق وعرف الحق ، وأما من كان في عمى عن الحق ولا يعرف الحق فكيف ترمز له الأمور الباطنة ، وتترك الأمور الظاهرة ؟ هذا محال . والله أعلم .
يعني لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء "الذي خلقني فهو يهدين" أي هو الخالق الذي قدر قدراً, وهدى الخلائق إليه, فكل يجري على ما قدر له, وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء "والذي هو يطعمني ويسقين" أي هو خالقي ورازقي بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية, فساق المزن, وأنزل الماء وأحيا به الأرض, وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد, وأنزل الماء عذباً زلالا يسقيه مما خلق أنعاماً وأناسي كثيراً.
وقوله "وإذا مرضت فهو يشفين" أسند المرض إلى نفسه, وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه, ولكن أضافه إلى نفسه أدباً, كما قال تعالى آمراً للمصلي أن يقول "اهدنا الصراط المستقيم" إلى آخر السورة, فأسند الإنعام والهداية إلى الله تعالى, والغضب حذف فاعله أدباً, وأسند الضلال إلى العبيد, كما قالت الجن "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" وكذا قال إبراهيم "وإذا مرضت فهو يشفين" أي إذا وقعت في مرض, فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه "والذي يميتني ثم يحيين" أي هو الذي يحيي ويميت لا يقدر على ذلك أحد سواه, فإنه هو الذي يبدىء ويعيد "والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" أي لا يقدر على غفران الذنوب في الدينا والاخرة إلا هو, ومن يغفر الذنوب إلا الله, وهو الفعال لما يشاء.
ومراده بقوله: 81- "ثم يحيين" البعث، وحذف الياء من هذه الأفعال لكونها رؤوس الآي. وقرأ ابن أبي إسحاق هذه الأفعال كلها بإثبات الياء.
81- "والذي يميتني ثم يحيين"، أدخل ثم ها هنا للتراخي، أي: يميتني في الدنيا ويحييني في الآخرة.
81 -" والذي يميتني ثم يحيين " في الآخرة .
81. And Who causeth me to die, the giveth me life (again),
81 - Who will cause me to die, and then to live (again);