[الشعراء : 78] الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ
78 - (الذي خلقني فهو يهدين) إلى الدين
يقول : فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " الذي خلقني فهو يهدين " للصواب من القول والعمل ، ويسددني للرشاد " والذي هو يطعمني ويسقين " يقول : والذي يغذوني بالطعام والشراب ، ويرزقني الأرزاق " وإذا مرضت فهو يشفين " يقول : وغذا سقم جسمي واعتل ، فهو يبرئه ويعافيه .
قوله تعالى : " الذي خلقني فهو يهدين " أي يرشدني إلى الدين .
يعني لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء "الذي خلقني فهو يهدين" أي هو الخالق الذي قدر قدراً, وهدى الخلائق إليه, فكل يجري على ما قدر له, وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء "والذي هو يطعمني ويسقين" أي هو خالقي ورازقي بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية, فساق المزن, وأنزل الماء وأحيا به الأرض, وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد, وأنزل الماء عذباً زلالا يسقيه مما خلق أنعاماً وأناسي كثيراً.
وقوله "وإذا مرضت فهو يشفين" أسند المرض إلى نفسه, وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه, ولكن أضافه إلى نفسه أدباً, كما قال تعالى آمراً للمصلي أن يقول "اهدنا الصراط المستقيم" إلى آخر السورة, فأسند الإنعام والهداية إلى الله تعالى, والغضب حذف فاعله أدباً, وأسند الضلال إلى العبيد, كما قالت الجن "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" وكذا قال إبراهيم "وإذا مرضت فهو يشفين" أي إذا وقعت في مرض, فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه "والذي يميتني ثم يحيين" أي هو الذي يحيي ويميت لا يقدر على ذلك أحد سواه, فإنه هو الذي يبدىء ويعيد "والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" أي لا يقدر على غفران الذنوب في الدينا والاخرة إلا هو, ومن يغفر الذنوب إلا الله, وهو الفعال لما يشاء.
ثم وصف رب العالمين بقوله: 79- "الذي خلقني فهو يهدين" أي فهو يرشدني إلى مصالح الدين والدنيا. وقيل إن الموصل مبتدأ وما بعده خبره، والأول أولى. ويجوز أن يكون الموصول بدلاً من رب، وأن يكون عطف بيان له، وأن يكون منصوباً على المدح بتقدير أعني أو أمدح، وقد وصف الخليل ربه بما يستحق العبادة لأجله.
ثم وصف معبوده فقال:
78- "الذي خلقني فهو يهدين"، أي: يرشدني إلى طريق النجاة.
78 -" الذي خلقني فهو يهدين " لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد كما قال تعالى " والذي قدر فهدى " هداية مدرجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار ، مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم ، ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بلذاتها ، والفاء للسببية إن جعل الموصول مبتدأ وللعطف إن جعل صفة رب العالمين فيكون اختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية وقوله :
78. Who created me, and He doth guide me,
78 - Who created me, and it is He who guides me;